منذ ما يزيد على أربعة قرون، بدأ أول ملامح التواصل بين مصر وهولندا، لترتسم عبر العقود شراكة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتزدهر في مجالات متعددة، أبرزها: التنمية، والطاقة، والمياه، والزراعة، وفي وقت تتزايد فيه التحديات الإقليمية والدولية، تتعزز مكانة القاهرة لدى شركائها الأوروبيين باعتبارها ركيزة أساسية لاستقرار الشرق الأوسط، وحلقة وصل استراتيجية بين أوروبا وأفريقيا والعالم العربي. كاسبر يثمن مواقف مصر الثابتة تجاه القضايا الإنسانية والنزاعات الإقليمية في هذا الإطار، أجرت «البوابة نيوز» حوارًا خاصًا مع وزير خارجية هولندا، كاسبر فيلدكامب، الذي أكد أن مصر ليست مجرد شريك، بل لاعب رئيسي في معادلة الأمن الإقليمي والدولي، وقد ثمن كاسبر جهود القاهرة في الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة، ومواقفها الثابتة تجاه القضايا الإنسانية والنزاعات الإقليمية، وفي مقدمتها السودان ولبنان. كما تناول الحوار رؤية هولندا تجاه مستقبل حل الدولتين، والتعاون الثلاثي بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، والدور الهولندي في دعم جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة. وإلى نص الحوار.. كيف تقيّمون مسار العلاقات الثنائية في الوقت الراهن؟ وما أبرز مجالات التعاون التي تحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة؟ قال وزير خارجية هولندا، كاسبر فيلدكامب، إن العلاقات بين هولندا ومصر قوية وتاريخية، ونحن نعتبر مصر شريكًا استراتيجيًا مهمًا، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وكذلك في قطاعات المياه والزراعة والتجارة الرقمية،التعاون يشمل أيضًا الحوار السياسي وتعزيز الاستقرار الإقليمي. مع تصاعد التحديات، كيف تنظر هولندا إلى الدور المصري في ترسيخ دعائم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط؟ وإلى أي مدى ترى القاهرة شريكًا فاعلًا في ذلك؟ أكد كاسبر فيلدكامب، أن مصر تلعب دورًا استراتيجيًا ومحوريًا في الشرق الأوسط، فهي ليست فقط دولة ذات ثقل دبلوماسي مهم، بل أيضًا جسر بين إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ونرى أن تعزيز الاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقه دون دعم ودور فاعل من مصر، خاصة في محاربة التطرف، وتعزيز الحوار السياسي، والوساطة في النزاعات. وقال كاسبر، "نقدر استجابة مصر السريعة والفعالة للوضع الإنساني في لبنان، عبر جسر جوي لتقديم المساعدات العاجلة، أما في السودان، فنحن نتابع باهتمام المفاوضات التي تقودها مصر لتحقيق وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل دبلوماسي يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي". وتابع: "مصر تلعب أيضا دورًا فاعلًا في حفظ السلام، من خلال مشاركتها في بعثات دولية وتقديم الدعم للدبلوماسية في المنطقة. هذا يعكس التزامها بالسلام والاستقرار، وهو ما نثمنه جدًا". في ظل التصعيد المستمر في الأراضي الفلسطينية، كيف تقيمون جهود الوساطة التي تضطلع بها مصر لاحتواء الأزمة في غزة؟ وكيف تنظرون إلى دورها في تحقيق التهدئة وتخفيف المعاناة الإنسانية؟ قال كاسبر: "نحن نثمن الدور المحوري الذي تلعبه مصر في الوساطة بين إسرائيل وحماس. مصر كانت على رأس الجهود لوقف إطلاق النار منذ أكتوبر الماضي، وساعدت بشكل كبير في تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، وكذلك في إجلاء المواطنين الهولنديين من هناك. نحن ممتنون لدعم مصر المستمر في هذا الملف الإنساني المعقد".
ما موقف هولندا من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خاصة في ظل التطورات الأخيرة والمواقف الأوروبية المتباينة؟ أشار وزير خارجية هولندا، إلى أن هولندا تؤيد حل الدولتين كأساس لتحقيق السلام الدائم في المنطقة. نحن ندعم الاعتراف الفلسطيني كجزء من حل تفاوضي شامل، وندعو إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين دون شروط مسبقة، كما أن الاعتراف من جانب واحد قد لا يساعد في الوصول إلى سلام دائم، وقال: "نحن ملتزمون بدعم الشعب الفلسطيني، ونعمل مع شركائنا لضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية حقوق اللاجئين، مع دعم جهود إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتعايشة سلميًا مع إسرائيل".
في ضوء التداعيات الممتدة لأزمات النزوح واللجوء، كيف تتعامل هولندا مع تحدي اللاجئين في المنطقة؟ وما هي رؤيتكم لتعزيز التعاون مع دول مثل مصر؟
وأكد كاسبر، أن هولندا تدعم الجهود الدولية والإقليمية لمعالجة أسباب الهجرة واللجوء من جذورها، ندعم مصر في استضافتها للاجئين والنازحين، ونعمل مع الاتحاد الأوروبي على تعزيز القدرات المحلية لتحسين الظروف، وكذلك نركز على إدماج اللاجئين في المجتمعات المضيفة. مع تنامي التحديات الاقتصادية والأمنية في الشرق الأوسط، ما تقييمكم لمستقبل الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة؟ - قال وزير خارجية هولندا: "نعتقد أن الشراكة مع دول الشرق الأوسط ضرورية أكثر من أي وقت مضى، كما يجب أن نركز على التنمية المستدامة، مكافحة التطرف، ودعم الحلول السياسية للنزاعات القائمة. التعاون الاقتصادي يمكن أن يخلق فرص عمل ويحسن حياة الناس، وهو أساس السلام والاستقرار".
في سياق العلاقة المتشابكة بين القارة الأوروبية والامتداد الأفريقي، ما تقييمكم لأهمية التعاون الثلاثي بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر كحلقة وصل استراتيجية؟ أكد كاسبر فيلدكامب، أن الاتحاد الأوروبي يعير اهتمامًا كبيرًا لشمال أفريقيا، ويمول مشاريع تنموية مهمة. مضيفا "هولندا تدعم هذه الجهود ونؤمن بأن الاستثمار في التنمية الاقتصادية والبنية التحتية والتعليم في المنطقة هو مفتاح للاستقرار الإقليمي. التعاون الثلاثي بين أوروبا، أفريقيا، والشرق الأوسط أساسي لتحقيق ذلك". وأشار «فيلدكامب» إلى أن مصر هي لاعب رئيسي في التعاون الأفريقي الأوروبي، خاصة من خلال الاتحاد الأفريقي والمبادرات التنموية المشتركة، قائلا: "نعتبر مصر بوابة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين القارتين، ونعمل على تعزيز مشاريع الشراكة التي تدعم التنمية المستدامة والاستقرار".