إذا قرأت المجموعة القصصية "ليالي الطين"، سوف تُدرك أن ياسر الغبيري خدعنا بقوة. عادة، يُقال أن الناقد الأدبي لا يُجيد فنون الكتابة، بل انتقل إلى الجانب الآخر لأنه يُفضّل أن يُبرز عيوب سرد الآخرين التي لا يُجيد ارتكابها. لكن الغبيري، الحاصل على ماجستير النقد الأدبي في الرواية المخابراتية، نفض كل ما اكتسبه خلال سنوات العيش في المدينة، وعاد إلى "الطين" أو الأرض الطيبة التي نشأ فيها أغلب المصريين، ليأخذ من الطين العديد من المعاني، ويستخلص منها قصصا التقط فيها التفاصيل الصغيرة التي تصنع المصائر، وتُعلي من قيمة الحق والخير في وجه القسوة والخطأ. تجلت حكايات "الطين" في عشر قصص هي ما ضمته دفتي المجموعة التي صدرت مؤخرا عن مركز "إنسان" للنشر، وتحمل عناوين مختلفة هي "سعيكم مشكور - غواية - ليالي الطين - محرقة- نوفل الخط- الخروج الأخير- قُبلة مفقودة - ثأر صفية - سيدنا الولي- بضاعة الله"؛ جسّد فيها بين السطور نبض الأرض، وصدى الصدق، وحكمة الأجداد. لتقدم -من خلال عدسة الطين كرمز ثقافي وإنساني- قدرة كاتبها على التفاعل مع التراث الشعبي، مع تقديم سرد معاصر يُعبِّر عن هموم الإنسان المصري في الريف. وفي الواقع، ينطبق الأمر على الريفيين سواء في الدلتا أو صعيد مصر، حيث تتشابه الكثير من العادات رغم اختلاف اللهجات. وتُركِّز المجموعة على قضايا اجتماعية وإنسانية، مثل الثأر، والميراث، ومعاناة النساء، وكفاح الفتيات من أجل تحقيق ذواتهن. كما تتناول محاولات السيطرة على عقول البسطاء خلف قناع التدين، والمتاجرة باسم الدين لتحقيق أهداف ومنافع بعيدة عن جوهر الدين. كما تُقدِّم تيمات نفسية ووجودية متعددة، مثل الخيبة، والغواية، والخيانة، والحسرة، والقسوة، والخذلان. وتُعبِّر عن واقعها المحلي، حيث تُقدِّم سردًا بيئيًا يعكس الحياة في القرى والنجوع في دلتا وصعيد مصر، ليؤكد كاتبها أنه مهموما بواقعه.
وحسب ما ذكرت الكاتبة والناقدة أمل جمال، تعامل الغبيري مع المكان "الطين" عبر مستويين، الأول لا يصف المكان جغرافيًا معتمدًا على المطبوع في الذهن عنه فيقدمه مجردًا، يُشبه أي مكان وكل مكان مثل مكتب البريد والمباني الحكومية التي يقومون بترميمها وتجديدها كما في قصة "سعيكم مشكور"، ومقر الجريدة ومكب النفايات كما في قصة "محرقة"، والبيوت والشقق العادية كما في قصتي "غواية" و"قبلة مفقودة"؛ بل وحتى الكمين وقوة الحراسة والجبل الذي عاش فيه "نوفل الخط"، هذا بالطبع إضافة إلى الأماكن التي يجدها القارئ مألوفا في القاهرة. أمّا المستوى الثاني -والكلام لا يزال ل أمل جمال- نجد أن الغبيري "يعتني به ويعمد أن يقدمه لنا حين يشتبك المكان مع الشخصيات في الحدث. لأن المكان يُسهم في تشكيل السرد من خلال ما يخفيه أيضًا لا ما يظهره فقط لنا كقراء، كما جاء في وصف غرفة الجدة سمرة في قصة "الخروج الأخير" أشار إلى أنها غرفة لا تخرج منها الجدة العجوز التي ترفض أن يتذكرها الأهل فقط في الأعياد. ترفض علاقة الآخرين بها من قبل الواجب وترفض أن يدخل غرفتها إلا من يحبها بشكل حقيقي وكأن هذه الغرفة هي مملكتها أو درعها في مواجهة زيف العلاقات، وحينما قررت أن تخرج كان خروجها الأخير إلى المقابر". وفي أمسية احتضنها منتدى المستقبل للفكر والإبداع بمكتبة خالد محيي الدين بحزب التجمع الوطني، ناقش المجموعة الكاتب والناقد الدكتور يسري عبدالله، والكاتب والناقد أحمد الفيتوري، والكاتب والناقد هاني منسي، الذي أدر المناقشة.
هاني منسي هاني منسي: شحنة ثقيلة تستدعي طقوس الحزن الشعبي في الثقافة المصرية في تقديمه للمناقشة، أشار الكاتب والناقد هاني منسي إلى أنه "على مدار 14 قصة قصيرة هي ما ضمته دفتي المجموعة القصصية "ليالي الطين"، تتجلى الأرض/ الطين كصورة للشقاء الأزلي، صور مختلفة للمعاناة والألم في الوجود الإنساني في السردية القصصية بأسلوب التقرير أكثر من الإحالة وبلغة سلسلة بسيطة تحترم شخصياتها المأزومة والمكلومة. وأضاف: "يحمل عنوان "ليالي الطين" في ذاته شحنة إيحائية ثقيلة تستدعي طقوس الحزن الشعبي في الثقافة المصرية، حيث يتحوّل الطين – وهو قِوام الأرض وجوهر الخلق – إلى مادة للحِداد واللوعة. ففي الموروث الشعبي، يُرمى الطين على الرأس في الجنائز، وتُشق الجلابية، وتتمرغ النسوة في التراب تعبيرًا عن أقصى درجات الحزن لفقد عزيز. هذه الممارسات تُجسّد استغراق الجسد في الطين كعلامة على الانكسار، وتماهٍ شعوري مع الأرض بوصفها حضن الموت. ومن هذه الصورة المشهدية ينطلق ياسر الغبيري ليبني عالمه القصصي، حيث الطين ليس مجرد خلفية بل كناية مضمرِة عن الألم، والحياة المثقلة بالخسارات، والسعي في الوحل بلا جدوى". وأكد منسي أنه "حين نقرأ قصص هذه المجموعة، يتجلى أمامنا طيف واسع من التيمات الإنسانية والاجتماعية، لكن ما يستوقفنا بشدة هو الحضور العميق للطين والأرض، لا كخلفية مادية للأحداث، بل كعنصر بنيوي في النسيج السردي، يحكم العلاقات، ويؤسس للزمن، ويشكل مصير الشخصيات". أحمد الفيتوري أحمد الفيتوري: القصص أبرزت علاقة حميمية بين القاص وعوالمه السردية خلال المناقشة، قال الكاتب الكبير أحمد الفيتوري إن مفتتح المجموعة القصصية "ليالي الطين"، للكاتب ياسر الغبيري هي "قصة المفارقة" أو ما يسمى في النقد الأدبي "طلقة تشيكوف" هي ما نسجت بتؤده حول رسائل تحتوي نصوصا يبعثها البطل علي إلى مجلة يحرص على اقتناء عددها الاسبوعي "وهنا فإن البنية السردية تنسح تصعيد محكم حول بؤرة السرد". وأضاف: "القصة القصيرة تبدو كما الخط المستقيم أقصر الطرق بين نقطتين. هذا ما تشي به المجموعة، التي سياقها السردي حريص على البنية السردية للقصة القصيرة كما نسجها روادها". وتابع: "الغبيري، خلال أربعة عشر قصة، ينسج على نفس المنوال، وحتى أن الختام يجيء في الغالب كمفارقة، مثل القصة الأولى في المجموعة، ما نسجت على الطراز التشيكوفي، أي أنها الوعد الذي تم الإيفاء به". وأكد الفيتوري: قد يرى البعض أن هناك قصة مشحون بالعنف الريفي الاعتيادي في العلاقة بين الرجل والمرأة. لكن هذا التأويل المتطرف لا يبرر هذه الطلقة التي لا مسدس لها في السياق السردي. السياق ما شكلته البنية السردية للقصة القصيرة، والتي على أساسها أنشأ الكاتب مجموعته القصصية". وأشار الفيتوري إلى أن قضض المجموعة "فيها ما يومئ بالعلاقة الحميمية بين القاص وعوالمه السردية، ما أنتج تدفق أسلوبي مميز، تظهر حميميته أنه في مقام الانسيابية القريبة من النبع"؛ موضحا: "تناولت ثلاث قصص من القصص الأربعة عشرة التي تضمها المجموعة، لأن الدوافع التشيكوفية السردية في "ليالي الطين" نسجت السياق السردي لمجمل المجموعة. هذه المقاربة النقدية تداعت عندما قرأت المجموعة التي قرأتها ضمن نظرة العمل الأول للكاتب". الدكتور يسري عبدالله يسري عبدالله: رغم "رائحة البدايات".. قصص المجموعة مشغولة بالواقع الاجتماعى وجدل الفرد والمجتمع في مداخلته النقدية، أشار الدكتور يسري عبدالله، أستاذ النقد الأدبي بجامعة حلوان، إلى أن الغبيري، فى مجموعته القصصية يستجلى "مفهوم الليالى"، حيث جاءت قصصه لتحمل تجليات متعددة، تمثل تيمات مركزية داخل المجموعة "فثمة ليالٍ للخيبة أو الخيبات المختلفة، وأخرى للغواية، وثالثة للخيانة، ورابعة للحسرة، وخامسة للقسوة، وسادسة للخذلان، وهكذا". وأضاف: "فى كل مدلول سردى تتحدد تيمات المجموعة القصصية "ليالي الطين"، وتأخذ صيغًا وأشكالًا مختلفة، بدءًا من القصة الأولى التي حلمت عنوان "سعيكم مشكور"، وحتى القصة الأخيرة التي أسماها الغبيري "جلباب أبيض". وأكد أستاذ النقد الأدبي في حديثه بأنه "على الرغم من إمكانية تلمس ما أسميه "رائحة البدايات" فى المجموعة، إلا أنها على المستوى البنائى تبدو متماسكة، وتحوى بعض الاستراتيجيات البنائية الدالة على كاتب موهوب، حيث تبدو مهمومة بواقعها المحلى، وممثلة لما أسميه سرود البيئة المحلية فى جانب منها، كما أنها مشغولة بالواقع الاجتماعى، وجدل الفرد والمجتمع. وأوضح أنه "تتسم لغة القص بالسلامة اللغوية من جهة، والسلاسة من جهة ثانية، وتأخذ الحوارات القصصية بعدًا فصيحًا بلا افتعال. كما أن ثمة تزيد فى بعض النصوص القصصية، واستطرادات مجانية أحيانًا، على نحو يمكن لبعض القصص أن تنتهى عند نقطة بعينها فى السرد". يقول عبدالله: "في قصته الأولى "سعيكم مشكور"، التي تناولت حكاية شاب قضى خمسة عشر عاما في محاولات لنشر إبداعاته الأدبية في مجلة "زهرة الخليج"، أن النص يُهيئ متلقيه إلى مفاجأة تمثل مفارقة القصة "فالخطابات لم ترسل من الأساس، ويكون الغضب والحسرة عنوانين على ليالٍ جديدة من الإخفاق. مشيرا إلى مقطع "بدأ (علي) وأبناء عمومته العمل فى المشروع، وبينما يُشرف على تحميل مُخلّفات المبانى فى عربات النقل لإفراغها فى مقلب قريب مخصص لذلك، وجد أحد سائقى السيارات يُمسك بورقة ويقرأها مُتضاحكًا مع زملائه السائقين، اقترب (علي)، نظر إلى الورقة، فإذا به خطّه، وهذه إحدى قصائده التى أرسلها منذ خمس عشرة سنة إلى زهرة الخليج". وأضاف أستاذ النقد الأدبي: "ثمة إشكالية فنية فى القصة تتمثل فى عدم الاتساق بين وعى الشخصية القصصية وما تقوله، من قبيل الحوار بين الشخصية المركزية والسائق، حيث يتندر عليه السائق، الذى يبدو عارفًا بجائزة ساويرس الثقافية فى تزيد فى غير موضعه "فواصل السائق حديثه بنبرة ساخرة: اذهب وأعدّ لك منّها كتابًا، ربما يُحالفك الحظ وتحصل على جائزة ساويرس". كما أشار إلى قصة "غواية" التي كان فيها ثمة حضور للمثلث الشهير: الزوج والزوجة والعشيق الخائب. يقول: "تأتى النهاية هنا مقحمة على النص وبعيدة عن أجوائه، حيث يقتل الزوج طفله الصغير انتقامًا من إصرار الأم على الطلاق، وليس ثمة أى مبرر درامى تستند عليه النهاية الفجائعية". يوضح:"تبدأ القصة من لحظة الزفاف، وبعدها تجتر الزوجة خيباتها وتتسارع الأحداث حتى تصل لنهايتها: (صباحية مباركة يا صابرين)، رددها مجدى على مسامع عروسه باسمًا، فلم تحر جوابًا، تظاهرت بالخجل، أشاحت بوجهها، صدرها يغلى بلهيب الحب المفقود، مرارة الغصب تعتصر حلقها، لم تكن لترضى عن هذه الزيجة لولا نذالة الحبيب، ظنّته رجلًا، لعب بقلبها لسنوات، ووقت الجِد أخبرها بعجزه وانعدام الحيلة". أمّا فى القصة التى تحمل المجموعة اسمها "ليالى الطين"، لفت الدكتور يسري عبدالله إلى أن "النص يغاير البناء الكلاسيكى الذى يمكن تلمّسه فى بقية قصص المجموعة، حيث تبدأ القصة من لحظة النهاية، وبالتالى فإن كل ما يأتى بعد ذلك يُعد استخدامًا لتكنيك "الفلاش باك" أو العودة إلى الماضى، حيث يبدأ النص فى الكشف عن جوهر القصة من خلال متن الحكاية ذاتها". وأضاف وهو يقرأ مقطعا من القصة: "تعد فكرة البدء من نهاية الحدث القصصى فكرة مهمة هنا، إذ إن هذا النسق البنائى يمثل تحديًا جماليًا وفنيًا للكاتب: جثت على الأرض رافعة يديها إلى السماء، تصرخ صراخ المجاذيب، (لماذا أمتّه؟ لماذا أمتّه؟ ابنى، ضَناى، وحيدى، تأخذه؟ الدنيا أمامك طَافِحَةٌ بالناس، لماذا هو؟). وَلْوَلَتِ المَرْأَةُ كاشفة عن شعرها المُبلل، سالت على وجَناتُها دموع مُختلطة بقطرات المطر، التصقت ملابسها على جسدها، وزاد التصاق ملابسها كلما رفعت الطين من الأرض ناحية السماء، وهوت به فوق رأسها ووجهها، فتحوّل جسدها ناصع البياض لخِرْقة مهترئة حالكة السوداء. وقف الناس حولها فى صمت مريب، لم يقترب أحد مواسيًا أو مهدئًا، إلا امرأة تحركت حركة آلية فى ثبات، إلى أن وقفت خلفها، صفعتها على خدها من الخلف بقوة، ورددت فى أذنها بصوت هامس لم يسمعه سواها: (فوقى أيتها السَاقِطَة، الآن عرفتِ أنّ الولد غالٍ؟)، التفتت المرأة إليها وقد تحجرّت عيناها، وقفت فى مواجهتها، وشقّت جلبابها وهى تصرخ: (رحمتك بالآثمة، عفوك عن الساقِطَة، لماذا أخذته وتركتنى؟). ظلت المرأة تنتحب ويداها تمزقان ملابسها وتجذبان شعرها، وكأنهما تريدان اقتلاعه من منبت جذوره، بينما وقفت ليلى تنظر إليها محتقرة، وعلى وجهها ابتسامة الشامتين". وأكد الناقد الكبير أنه "يبدو المختتم السردى لقصة «ليالى الطين» بمثابة عود على بدء، حيث يحيلك على المفتتح، فثمة امرأة "قمر" لوثت مخدع زوجها الراحل "وصفى"، مثلما أوقعت من قبل بين زوجها وابنه "عزيز"، وزوجته "ليلى". تهيل التراب على رأسها، بعد أن أضاعت كل شىء، وفى المتن ابنها. وقرأ من النص: "تجمّع المارة وأخرجوه من المصرف جثة هامدة، حملوه مُسرعين إلى المستشفى الذى أعلن وفاته متأثرًا بالجرح النافذ فى رأسه. فى ذلك الوقت عادت أمه من إحدى مُغامراتها، بدأت خلع ملابسها المُلطّخة بماء الرجال، سمعت صَخَبًا بالخارج، أطلت برأسها على تجمّع أهل القرية، وبينهم عزيز وليلى وأمها، الجميع عيونهم مُعلّقة ببيتها. أغلقت قمر نافذتها بعد أن ظنّتهم جاءوا لملامتها على أفعالها، وسرعان ما سمعت طرقًا على الباب، وأحدهم يخبرها بما حدث.نزلت قمر زحفًا على درجات السُلّم، لا تعرف كيف قطعت الطريق من الطابق الثانى لتستقر بين الجموع غير مصدقة. صرخت بكل قوّتها، الجميع يقف من حولها لا يحرك ساكنًا، حملت الطين من الأرض، لطّخت ملابسها وجسدها ناعية طفلها الوحيد، اقتربت منها رقية مهتدية على صوتها، وقفت خلفها ووضعت يدها على رأسها، صفعتها على وجهها، ومالت لتهمس فى أذنها بكلمات لم يسمعها أحد سواها، وقفت قمر فى مواجهتها وتحجرّت عيناها، وفجأة شقّت جلبابها وهى تصرخ جاذبة شعرها، وكأنها تريد خلعه من منبته". وتابع: "فى قصة "نوفل الخط" نحن أمام مروية جنوبية معتادة عن المكان، وفى "الخروج الأخير" ثمة استخدام لطقوس المكان، وجدل بين المقدس والتراث الشعبى، وفى «"سيدة الحسن والدلال" ثمة ارتحال إلى بيئة مغايرة عن المكان الجنوبى الحاضر فى معظم قصص المجموعة، حيث ثمة امرأة جميلة ينتظرها البطل كل صباح فى الحى الشعبى، وفى "بيروقراطية" يلوح عالم الموظفين على نحو تعززه المفارفة فى النهاية، حيث تخضع "عبير" إلى السياق المضمر للمكان. وقال: "كما أنه فى "جلباب أبيض" تلوح ليالٍ جديدة من الخذلان، حيث ينتظر عبدالله مكافأة إخلاصه من الحاج عبدالعزيز، الذى يصفه الأب فى جملة سردية دالة، ناصحًا الابن بأن عبدالعزيز "شيخ منسر"، وتأتى النهاية لتعصف بأحلام عبدالله المتواضعة بالأساس. وقرأ من القصة: "انطلق عبدالله، متهللًا فرحًا، فاتحًا ذراعيه للحاج عبدالعزيز الذى استقبله بابتسامه باهتة، وتصدّى لحضنه المشتاق بتربيتات متعجّلة على ظهره، دافعة له برفق إلى الخلف. نظر إليه الفتى مرتابًا مترددًا: (ما رأيك فى الأرض يا عم الحاج)، فرد عليه الرجل: (عال عال عال). كلمة واحدة كررها كثيرًا، ووضع يده فى جيب جلبابه، وأخرج مسبحة خشبية من تلك المسابح الرخيصة التى تملأ الأرصفة، ووضعها فى يد الصبى قائلًا: (من عند الرسول)، واستدار تاركًا الصبى واقفًا فى مكانه، يردد متحسرًا: (عليه الصلاة والسلام)".