تشهد العاصمة العُمانية مسقط غدا /السبت/ أولى جلسات المحادثات الأمريكيةالإيرانية، بحثا عن حلول واقعية لأزمة الملف النووي الإيراني بعيدا عن الحلول العسكرية. ويترأس الوفد الإيراني وزير الخارجية عدنان عراقجي، فيما يترأس الوفد الأمريكي المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف. ويقول المراقبون إن مطالب واشنطن في محادثات مسقط، هى الحد من نفوذ طهران وتقييد برامجها العسكرية والنووية، وإخضاعها لتفتيش دولي دوري مكثف، وفي المقابل تسعى إيران إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في قطاعات مثل النفط والبنوك والتجارة في مفاوضات متوازنة على أساس الاحترام المتبادل. وتأتي استضافة مسقط للمحادثات الإيرانيةالأمريكية ليبرز سلطنة عُمان مجددا كوسيط إقليمي ودولي حيوي ونزيه وموثوق به، بفضل دبلوماسيتها الهادئة التي أكسبتها ثقة كافة الفرقاء الإقليميين، بما قد يفتح نافذة أمل جديد يؤسس لمرحلة أخرى في العلاقات بين واشنطنوطهران. وتستند الثقة الإقليمية والدولية في سلطنة عُمان، التي تحتضن المحادثات بين واشنطنوطهران، على الخبرات التاريخية للجهود الدبلوماسية العُمانية في مجال السعي للتوصل إلى حلول توافقية لنزع فتيل التصعيد وكبح السباق نحو الحلول العسكرية بشان الملف النووي الإيراني، وقبل كل ذلك تحقيق المصالح الوطنية العُمانية لإحلال الاستقرار والسلام باعتباره البيئة الخصبة للبناء الاقتصادي والتنمية المستدامة. وفي كل مواقفها تؤكد القيادة السياسية العُمانية بأنّ السلام الشامل مع دول الجوار يخدم السلطنة ومصالح جيرانها التجارية، ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار جهود مسقط لتيسير الدبلوماسيّة والحوار بين الخصوم الإقليميين عملية وواقعية في جوهرها، حيث يُعد نهج مسقط القائم على الحفاظ على الروابط الدبلوماسية الودية مع القوى المتخاصمة ودعم المفاوضات كالآلية المفضلة لحل النزاعات، الأسلوب الأكثر فعالية. واستبقت المحادثات الأمريكيةالإيرانية التي ستبدأ غدا حملات تصعيد متبادلة بين واشنطنوطهران؛ الأمر الذي يقتضي من سلطنة عُمان بذل المزيد من الجهود لإنجاح تلك المحادثات مثلما نجحت سابقًا في التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 بعد استضافتها لنحو عشر جولات من المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين واشنطنوطهران إبان إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والتي اتسمت هذه المحادثات بالسرية في بداياتها إلى أن تم توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يُعرف ب "الاتفاقية النووية" بين إيران وست دول كبرى. إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سارع إلى سحب بلاده من هذا الاتفاق عام 2018، خلال ولايته الرئاسية الأولى، لكنه عاد هذه المرة إلى البيت الأبيض، مستعدًا لإجراء محادثات مباشرة مع طهران، مُبقيًا في الوقت نفسه، على لهجته التصعيدية تجاهها. ولعل أول العوامل التي أهلت سلطنة عُمان لاستضافة المحادثات الإيرانيةالأمريكية والتي قد تشهد ولادة اتفاق جديد بين واشنطنوطهران مرة أخرى: ثقة طرفي النزاع في مصداقية ونجاعة الدور العُماني التي نجحت في التوصل إلى اتفاقات 2015، وهو ما يساعد عليه موقع عُمان الجغرافي والجيواستراتيجي، وعلاقاتها الدبلوماسية الجيدة بإيرانوواشنطن، واعتمادها الحياد والمصداقية في تعاملاتها الدولية، واستقرارها السياسي الداخلي. ومنذ سبعينيات القرن الماضي.. اعتمدت سلطنة عمان في سياساتها الخارجية على ثلاثة مبادئ: الحياد والوساطة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وبعد تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، تمسكت سلطنة عمان بموقفها المحايد من الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988، وحافظت مسقط على علاقاتها المتميزة مع طهران، من دون الإخلال بعلاقاتها مع دول المجلس في الوقت نفسه. ولم تقتصر الوساطة العُمانية على الأزمات الكبرى، بل شملت قضايا إنسانية، كدورها في إطلاق سراح رهينة فرنسية كانت قد اختُطفت في اليمن عام 2015، ومحطات أخرى لإطلاق سراح رهائن بين إيران والولايات المتحدةالأمريكية، وأيضًا بين إيران وبلجيكا. ويمكن القول إن احتضان مسقط للمحادثات الأمريكيةالإيرانية، سيشكل ويدشن مرحلة جديدة لما بعد عام 2018، وربما تكون هذه الجولة التي تنطلق غدا في مسقط بداية جديدة بمعطيات مختلفة وجولة أولى تتبعها جولات أخرى قد تستغرق وقتًا للتوصل إلى حلول توافقية يرتضيها الطرفان، منذ انسحاب واشنطن من اتفاق عام 2015.