تشير دراسةٌ جديدة إلى أنَّ الناسَ الذين يستخدمون بعضَ أدوية ارتفاع ضغط الدم تكون مخاطرُ الإصابة بمرض ألزهايمر لديهم عادة أقلَّ بكثير من أولئك الذين لا يستخدمونها. على الرغم من أنَّه لا يزال من غير الواضح بالضبط كيفية قيام بعض الأدوية، مثل أدوية الضغط التي تُدعى مثبِّطات إنزيم الأنجيتونسين أو مدرَّات البول بحماية الدماغ، يقول الباحثون إنَّ هذه النتائجَ الجديدة يمكن أن تؤدِّي إلى فهم أفضل لمرض ألزهايمر، وإلى علاجات جديدة لإبطاء أو تأخير تطوُّر المرض الذي يؤثِّر سلبًا في الذاكرة. قالت معدَّة الدراسة الدكتورة سيفيل يسار، وهي أستاذٌ مساعد في الطبِّ في قسم طبِّ وعلم الشيخوخة في جامعة جونز هوبكنز للطب: "وجدنا أنَّ المخاطرَ تنخفض بنسبة 50 في المائة؛ وهذا ما يشير إلى وجود شيء ما يقف وراءَ ذلك". جرى تجميعُ المعلومات من أكثر من 2200 من كبار السنِّ، تتراوح أعمارُهم بين 75 و96 سنة. وكانوا قد التحقوا أصلًا بدراسة - تُدعى دراسة مراقبة - لمعرفة ما إذا كانت عشبةُ الجنكو بيلوبا يمكن أن تقلِّلَ من مخاطر مرض ألزهايمر. كان الجوابُ عن هذا السؤال بالنفي، ولكنَّ الباحثين كانوا قادرين على استخدام البيانات التي أمكنَ جمعُها بالفعل لإجراء تحليلٍ منفصل عن التأثير الوقائي لبعض الأدوية التي تُوصَف عادةً لعلاج ضغط الدم، بما في ذلك المدرَّاتُ وحاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين ومثبِّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين. أظهرت الدراسةُ أنَّ الاستخدامَ المنتظم لهذه الأدوية يقلِّل من خطر خرف ألزهايمر بمقدار النصف على الأقل. تُستخدَم هذه الأدويةُ من قِبل الملايين من المتقدِّمين بالعمر؛ فمثلًاً، يعدُّ اللازيكس واحدًا من أكثر المدرَّات التي توصَف بشكلٍ شائع. تضمُّ الأمثلةُ على مثبِّطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين كلًا من لوتنسن، كابوتين، فاسوتيك. كما يُستخدَم تيفيتين وأفابرو بشكل شائع كحاصرات لمستقبلات الأنجيوتنسين. قال الباحثون إنَّ مدرَّات البول، والتي هي الخطُّ الأول في علاج ارتفاع ضغط الدم، كانت مرتبطةً أيضًا بإنقاص الخطر بنسبة 50 في المائة من حيث الإصابةُ بمرض ألزهايمر بين المشاركين الذين ظهرت عليهم بالفعل علاماتُ "الضعف الإدراكي الخفيف"، وهو ضعف طفيف في التفكير والذاكرة غالبًا ما يكون مقدِّمةً لمرض ألزهايمر. لا يزال من غير الواضح بالضبط كيف تخفِّض هذه العقاقيرُ من مخاطر خرف ألزهايمر. تقول إحدى النظريات إنَّ التأثيرَ الوقائي هو نتيجة لانخفاض ضغط الدم. قال الدكتور ماثيو ماك كويد، وهو أستاذٌ مساعد في علم الأعصاب في مركز جامعة لويولا الطبِّي في شيكاغو: إنَّ ارتفاعَ ضغط الدم هو أحدُ عوامل الخطر المعروفة لمشاكل التفكير والذاكرة على المدى الطويل. قال ماك كويد، الذي لم يشارك في الدراسة: "إنَّ ارتفاعَ ضغط الدم يزيد من خطر الإصابة بمرض الأوعية الدماغية الصغيرة، والذي تصبح فيه الأوعيةُ الدموية الصغيرة في الدماغ أصغرَ قطرًا وأكثر تصلُّبًا؛ ويمكن أن يؤدِّي هذا إلى عدد من المشاكل في (التفكير والذاكرة). إنَّ الانخفاضَ في ضغط الدم يمكن أن يقلِّلَ من الإصابة في الجزء الدماغي الذي يشمل الذاكرة. مع ذلك، إذا كانت كلُّ الأدوية تشترك في تخفيض ضغط الدم، فإنَّ جميعَ أدوية ضغط الدم ينبغي أن تنقصَ من مخاطر مرض ألزهايمر لدى المرضى. ولكن، لم يكن لكلِّ مجموعات هذه الأدوية تأثيرٌ وقائي، وفقًا للبحث. قالت يسار: "لم نجد أيَّ تأثير مفيد لأدوية حاصرات قنوات الكالسيوم، وهذا ما كان مفاجئًا ومخيِّبًا للآمال"؛ كما أنَّ أدوية حاصرات بيتا لم تكن مرتبطةً بإنقاص خطر خرف ألزهايمر أيضًا. "أشارت دراساتٌ سابقة إلى إنَّ هناك مجموعةً فرعية معيَّنة من حاصرات قنوات الكالسيوم قد تبقى ذات تأثير وقائي؛ لكنَّ القصَّةَ لم تنتهِ، فهناك شيءٌ ما يستوجب الحاجةَ إلى عيِّنة أكبر لتحليل هذه المجموعة الفرعية". كما قالت أيضًا بأنَّ الدراسةَ محدودة بسبب حقيقة أنَّ البيانات جرى جمعُها لتقييم تأثير نبات الجنكو بيلوبا. ونتيجةً لذلك، لم يكن الباحثون قادرين على تحديد ما إذا كان مرضاهُم قد استعملوا أدويةَ ضغط الدم كما هو موصوف لهم، أو ما إذا كانوا قد استخدموا هذه الأدويةَ في الماضي. لذلك يبقى السؤال: هل تقلِّل بعضُ أدوية ضغط الدم من خطر خرف ألزهايمر نتيجةً لتخفيض ضغط الدم، أم أنَّ شيئًا آخر يحدث؟ قال ماك كويد: "من غير الواضح ما إذا كانت الفائدةُ الصحِّية الإجمالية الكامنة في هذه الأدوية مستقلَّةً عن ارتفاع ضغط الدم. وهل توفِّر هذه الأدويةُ فوائدَ إضافية لصحَّة الدماغ؟ إذا كانت هذه هي الحال، فقد يستفيد المرضى المعرَّضون لخطر الإصابة بأمراض الدماغ بنسبة عالية، لاسيَّما الخرف، من هذه الأدوية لأغراض أخرى، غير تخفيض ضغط الدم". كما قال ماك كويد: "تُستخدَم أدويةُ ضغط الدم بالفعل لعلاج أمراض أخرى مستقلَّة عن ارتفاع ضغط الدم، مثل الرُّعاش والصداع. ونظرًا لإصابة العديد من الأشخاص بتغيُّرات (في التفكير والذاكرة)، فإنَّ إستخدامَ هذه الأدوية لمنع أو تأخير الخرف سيكون له على الأرجح أعظم الأثر الاجتماعي". ولكن، حذَّر ماك كويد من أنَّ هناك حاجةً إلى المزيد من الأبحاث قبل أن يقومَ الناس، ممَّن لديهم ضغطُ دم طبيعي، بتناول عقاقير خفض ضغط الدم بهدف خفض خطر الخرف عندهم تلقائيًا. وعلى الرغم من أنَّ هذه الأدويةَ تعدُّ آمنةً على نطاق واسع، غير أنَّ جميعَ الأدوية لها آثار جانبية. والآثارُ الجانبية الأكثر شيوعًا لأدوية ضغط الدم تشمل الدوارَ والسعال والطفح الجلدي والتعب والغثيان والصداع. قالت يسار: إنَّ المزيدَ من الدراسات التي تعتمد على المراقبة مثل هذه الدراسة - والتي لا يمكنها إثباتُ وجود صلةٍ مباشرة بين السبب والنتيجة، ليست هي الحل. "لقد حان الوقتُ للقيام بتجارب سريرية على أدوية (ضغط الدم) هذه. نحن نعرف بأنَّ هذه الأدويةَ تعمل على خفض ضغط الدم، ولكن يمكن أن يكونَ هناك شيءٌ آخر يحدث؟ وفرضيَّتنا تقوم على ذلك.