تعيش مصر هذه الأيام حالة من التخبط الشديد وإثارة لقلاقل كثيرة حول مفهوم الثورة، خاصة مع إطلاق لفظ الثورة على أي عمل في الشارع، فكل شخص يقوم بتنظيم تظاهرة يقول إنه يسير على نهج الثورة، ويعمل على محاولة استرجاع ثورة يناير التي سرقت، محاولًا تحقيق الأهداف التي حاولت ثورة 25 يناير تحقيقها، وفي هذا السياق حاولنا الالتقاء ب "إيمان نضال" أحد شباب ثورة 25 يناير للحديث عن مفهوم الثورة، وعن رؤيتها ل 25 يناير في الحوار التالي.. مبدئيًا.. ما هو مفهوم كلمة ثورة من وجهة نظرك؟ قبل 25 يناير لم يكن لهذا المصطلح أي وجود، فكل ما كنا نعرفه هو التظاهرات أو المسيرات في الشوارع فقط، فلم تكن كلمة ثورة حاضرة في الأذهان، ولكن كان هناك لفظ التغيير حاضرًا بشدة في الأذهان، سواء كان التغيير للحكومات أو للنظام السياسي الذي عانينا منه بشدة، أو أنظمة القمع التي نتعرض لها بشدة كل يوم، وتغيير منهج الداخلية الذي كان يعتمد على العنف ضد المواطن، سواء كان في الأقسام أو في الشارع. ومتى عرف الناس الثورة؟ يظن الكثيرون أن مصطلح " ثورة " بدأت يوم 25 يناير، ولكن في حقيقة الأمر لم يتبلور مفهوم الثورة يوم 25 يناير، فلقد نزلنا إلى الشارع لكي " ننكد على الداخلية في عيدها"، ولكن عندما اشتركت فئات الشعب بكل الطوائف في التظاهرات، فلقد خرجت الناس من بيوتها مطالبة بعدد من المطالب الواضحة والصريحة، وكان الهتافات تطالب بتغيير الواقع الذي رفضه المصريون، وهنا بدأ الناس في التعرف على مفهوم الثورة، أي من يوم 28 يناير، ولكنه تركز في عقولها بعد تنحي "مبارك". قلت إن مفهوم الثورة بدأ بمصطلح التغيير في عقول الناس.. وكيف كان الوضع على الأرض؟ لدى المصريين خلفية تاريخية كبيرة عن ما حدث في يوليو 1952 وحتى 2011، وحتى قبل هذا التاريخ، ولكن في الحقيقة لا يمكن أن نصف كل هذه الأحداث التي سبقت 2011 بأنها ثورات، ولكنها في الحقيقة " انتفاضات"، فلا يوجد لما يسمى بالثورة الحقيقة غير ثورة "يناير"، حيث إنها الحدث الوحيد الذي تضامنت فيه كل فئات الشعب باختلاف طبقاتها، ونزلوا إلى الشارع، رافعين نفس الشعارات، رافضين العودة إلى المنازل إلا بعد تنفيذ المطالب، التي كانت تتلخص في رحيل النظام بأكمله، وإصرار الناس بشكل كبير وهو ما يجعل 25 يناير ثورة حقيقية، على عكس التظاهرات في 2010 والتي كان عدد جنود الأمن المركزي يفوقون أعداد المتظاهرين بكثير، ويقبض على عدد من المتظاهرين دون أن يتحرك أي من المتظاهرين. وما الذي يفرق بين الثورات والحركات الإصلاحية طالما أن المؤشر هو مشاركة الجماهير؟ في الحركات الإصلاحية تتضامن الناس مع فئة معينة أو تساندهم كمما حدث في 1952، عندما قام الضباط الأحرار بعمل "انتفاضة" للتخلص من الحكم الملكي، وما فعله الشعب في هذا الحالة هو مجرد التأييد والمساندة، فلا وجود لنزول الجماهير أو مشاركتهم في طلب التغيير، فكل شيء قام به الضباط الأحرار فقط، ولذلك فهي ليست ثورة. قلت قبل ذلك إن الثورة مرتبطة دائمًا بالتغيير سواء كان التغيير في المواطنين أنفسهم أو في النظام بأكمله.. فهل تجدين أي ملامح للتغيير بعد ثورة يناير؟ من وجهة نظري لم يحدث تغيرات بشكل كبير، فلقد تخلصنا من نظام مبارك بكل مساوئه، ودخلنا في فترة المجلس العسكري، والتي أعتبرها من وجهة نظري أسوأ الفترات التي مرت على مصر، ونحن في الأساس نزلنا إلى الشارع للتخلص من حكم المدنيين، وعلى الرغم من كل هذه الأشياء السيئة، هناك تغيير جذري في ثقافة الشعب، فلم يعد هناك من يخاف من المطالبة بحقه كما كنا في السابق، ولم يعد هناك من سيسكت عن الباطل، فلقد كسر حاجز الخوف، لاسيما التغيير الكبير الذي حدث للناس، فلقد أصبح الجميع في حديث دائم عن السياسة، فالكل يعرف أسماء الوزراء، الجميع يشاهد نشرة الأخبار، وفي حد ذاته هذا تغيير ثقافي يدفعنا للاعتراف بأن 25 يناير ثورة حقيقية. وهل كان لهذا التغيير الثقافي أثر سلبي على المجتمع ؟ بالطبع، فأي تأثير له جانب سلبي وجانب إيجابي، وكل ما سبق كان نتائج إيجابية، ولكن أيضًا تطور فكرة العنف كان من نتائج ثورة يناير، فلقد تطور استخدام السلاح في الشارع بشكل كبير، فبعدما كان استخدام السلاح الأبيض يعد شيئًا كبيرًا وصلنا الآن إلى حد استخدام الرصاص بل والتفجيرات والعبوات الناسفة هنا وهناك، وهذا لا ينفي عدم وجودها قبل الثورة، ولكن كان الجميع منشغلين ب "لقمة العيش"، ولكن بعد الثورة وجدت الناس بأن الحل هو " الذراع" في استرداد الحق، خاصة بعد انحسار ثقة المصريين في القضاء، وللعلم هذا ليس تحاملًا على الثورة ولا تحاملًا على الشعب، لأن الخطأ الأكبر هنا يقع على النظام. وهل هذه التغيرات هي ما تدفعك دائمًا للتأكيد على أن ما حدث في يناير كان ثورة حقيقية؟ مجرد عزل مبارك من على كرسي الحكم كانت مهمة شبه مستحيلة، ونجاحها يجعل من 25 يناير ثورة حقيقية، فهي بالنسبة لي على الأقل أكبر علامة على أنها ثورة، لاسيما خروج الملايين وبقاؤهم في الشوارع، وإصرارهم على البقاء من أجل تنفيذ المطالب، كل هذه العلامات تشير إلى أنها ثورة. هناك من يرى أن كلمة "ناشط" من أكبر عيوب ثورة يناير.. كيف ترين ذلك؟ كلمة ناشط أصبحت تثير العديد من علامات الاستهجان على وجه الناس، وذلك لأن هناك العديد من الشخصيات أصبحت تتحدث باسم الثورة، وهي لا تمسها بأي صلة، فلقد أصبح " أحمد سبايدر وتوفيق عكاشة"، فلم يعد هناك أي تقنين لمسألة، لدرجة أن هناك "عيال صغيرة" تبلغ من العمر 16 و17 سنة، ويطلق عليها ناشط ويتحدث في السياسة، ويجب أن نقول إنه إذا كنا نعتبر حديث الناس في السياسة أحد إيجابيات الثورة، فهي في نفس الوقت أحد سلبياتها، وبالتالي بدأنا نسمع مصطلح "ناشط السبوبة" وهو التطور الطبيعي لفكرة الناشط التي تسري حاليًا، وهو أنه ليس فقط يستطيع التحدث في السياسة ولكنه يستطيع التربح منها أيضًا بشكل كبير، فهو يتلون ويطبل للنظام، فأصبح "ناشط سبوبة". 25 يناير كانت ثورة حقيقية على حد وصفك.. فكيف ترى إيمان 30 يونيو؟ 30 يونيو عبارة عن موجة ثورية جديدة لثورة 25 يناير، والتي أتت عن طريق مجموعة ممن يطلق عليهم نشطاء، سواء من حملة تمرد أو غيرها، وذلك لأننا لم نعد نستطيع تحمل حكم الفاشية الدينية التي كان يمثلها حكم الإخوان، إضافة إلى أنه لم تتحقق أي مكاسب تذكر، وبالتالي قرر الشعب بعد تفويض الفريق السيسي بالنزول إلى الشارع للإعلان صراحة عن رغبته في عزل الإخوان من على كرسي الحكم، بل من المشهد كاملًا، ولكني أرى أنه مهما حدث لن يمكننا اعتبار 30 يونيو ثورة، فهي مجرد موجة ثورية جديدة لثورة 25 يناير. قلت إن مصطلح الثورة مرتبط بمشاركة طوائف الشعب.. إذًا فلماذا نعتبر 30 يونيو موجة ثورية فحسب؟ نعم نزول الجماهير مرتبط بمصطلح الثورة، بل هو من يصنعه، ولكن في 25 يناير كان نزول الجماهير بشكل كبير جدًا، وكل من نزل حمل روحه على كفه، لا يرى أمامه إلا مجموعة من المطالب على رأسها "رحيل حسني مبارك"، وبالتالي نزل "بايع" كل شيء، لا يهمه الموت ولا الرصاص ولا الداخلية ولا أي شيء، أما 30 يونيو، فلقد نزلت الناس الشارع وهي على علم بأنه لن يحدث لها مكروه لأن من دعاها قائد من قادة الجيش، فلقد كان بمثابة "كرنفال شعبي" نزل فيه الناس لإشعال الشماريخ والاحتفال فقط، وكانوا على علم تام بأن القوات المسلحة متمثلة في شخص الفريق "السيسي" هي من دعتهم للنزول، وهي من ستحميهم ضد أي عدوان سواء كان من الإخوان أو أي جهة أخرى. وجود موجة جديدة من ثورة يناير يعني أن يناير لم تحقق أهدافها.. فهل عدم تحقيق الأهداف يجعل من يناير ثورة غير مكتملة الجوانب؟ يناير لم تكن ثورة منتقصة بشكل كبير، ولكنهها لم تحقق ما كان يرجوه الشعب من هذه الثورة، فتحقيق العدالة الاجتماعية، ووجود الحد الأدنى والحد الأقصى، كل هذه كانت أمنيات توقع الشعب تحقيقها بعد 18 يومًا قضاها المصريون في الشارع، ولكن للأسف لم تحدث، وبالتالي لجأ الشعب إلى موجة أخرى في 25 يناير 2012، ولم تتحقق أي نتائج، وحاول الشعب مرة أخرى في 30 يونيو، سعيًا وراء أهدافه التي يسعى لتحقيقها منذ 25 يناير 2011، خاصة بعدما "ركب" الإخوان على الثورة، ونسبوها لأنفسهم، فقرر الشعب النزول لإزالة تلك الغمة. وهل حققت 30 يونيو كموجة ثورية أهداف 25 يناير ؟ لا لم تحقق هذه الأهداف كاملة، فأهم ما حققته 30 يونيو هو عزل الإخوان وإسقاطهم من الحكم، أما باقي الأهداف من العدالة الاجتماعية وتوفير سبل الحياة الكريمة للجميع، وتطوير التعليم وفتح باب الحريات، لم تحقق بعد، ولذلك أتوقع أن تكون هناك عديد من الموجات الثورية القادمة، يمكن أن تكون أولها وأشدها بعد انتخابات الرئاسة بستة أو سبعة شهور، فالشعب سيضع آمالًا عريضة على الرئيس القادم، أيًا كانت هويته سواء كان عسكريًا أو مدنيًا أو ينتمي إلى أي تيار آخر، وبالطبع لن يستطيع الحاكم تحقيق رغبات الشعب فورًا، وقتها ستخرج الجماهير مطالبة بعزل هذا الرئيس، ويمكن أن تطالب الجماهير برحيل هذا النظام برمته، هذه الموجة آتية لا محالة، فأيًا كان اسم رئيس الجمهورية القادم، وأيًا كانت قدراته لن يستطيع تحقيق هذا الكم الهائل من الأحلام والطموحات الموجودة داخل أذهان وعقول المصريين، فهم يعتقدون أن الرئيس القادم لديه ما يشبه "العصا السحرية" وسيجعل كل شيء بخير وعلى ما يرام. وما هي العواقب من تكرار كل هذه الموجات الثورية؟ للأسف تكرار تلك الموجات الثورية بهذا الشكل المتلاحق يجعل من الثورة شيء مكروه بين الناس، وهذا ما حدث بالفعل، فلقد أصبحت كلمة ثورة تثير مشاعر الغضب بين الناس، لأن السائد الآن أن الثورة خربت بيوت، الثور عطلت أرزاق، الثورة هي السبب في كل ما يحدث الآن، ومن ناحية أخرى، أصابت الشباب الذي نزل إلى الشارع باليأس والاحباط، بأنه مهما زادت كل هذه الموجات لن تتحقق الأهداف، ولن يحدث أي شيء، والوضع الحالي لمصر هو الوضع الذي سنثبت عليه، ولا مجال لأي تطور يذكر، وعلى الجانب الآخر أصابت المواطن بموجة من الخوف والقلق المستمر، حيث تسمع كثيرًا من الناس كلمات تنم عن الخوف من 25 يناير من كل عام، وهو ما يصيب الناس تدريجيًا بكره الثورة بكل معانيها.