يعيش لبنان أزمة اقتصادية خطيرة، مما آثار الخوف المتزايد من انهيار الدولة اللبنانية، وهو وضع تصبح فيه السلطات عاجزة عن استيراد المواد الغذائية أو المحروقات. وحسبما أبرزت وسائل الإعلام اللبنانية، فإن هذا الأمر أدى إلى توقف لبنان عن دعم السلع الأساسية مثل القمح والوقود والأدوية، مما أثار مخاوف من الاضطرابات والجوع، كما يمكن أن يؤدي إلى اعتماد الناس على الأحزاب السياسية في الغذاء والأمن، كما كان الحال مع الميليشيات خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990. وتحدث عدد من المحللين السياسيين اللبنانيين والمصريين عن الوضع الاقتصادي في لبنان وأسبابه. الأمر ليس بجديد فيما قال فادي عكوم، الكاتب والصحفي اللبناني: إن البعض يقول إن الأزمة في لبنان جديدة ومستحدثة، لكن الحقيقة أن الازمة الاقتصادية اللبنانية بدأت منذ الحرب الأهلية اللبنانية، ولكن مع مجيء رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري إلى لبنان، حاول تعديل الأمور واصلاح الاقتصاد وفتح مجالات الاستثمار بالبدء بالبنية التحتية وجلب الاستثمارات. وأضاف عكوم في تصريحات للبوابة نيوز، أن بعد موت الحريري عام 2005، تبدلت الأمور إلى الانهيار من جديد وبالتالي ولم تكن هناك أي خطوات إيجابية لتحسين الاقتصاد طوال الفترة الماضية. وأكد أنه نتيجة لما حدث في السابق، فإن الانهيار الاقتصادي في لبنان كان أمر طبيعي للظروف التي وقعت، بجانب ثورات الربيع العربي وتدخل حزب الله في سوريا وأيضًا فيروس كورونا. الأسباب والحلول فيما قال محمد حامد، المحلل السياسي ومدير منتدى شرق المتوسط للدراسات، إن الاقتصاد اللبناني سيبقى منهارا ومتأثرا بسبب ضعف العملة وغياب الحل السياسي وعدم تشكيل الحكومة الجديدة إلى جانب انتشار فيروس كورونا. وأضاف حامد في تصريحات ل"البوابة نيوز"، أن حزب الله يحاول الاستفادة من الأزمة السياسية ويرتب أوراقه لحماية نفسه اقتصاديا، حيث ذكرت تقارير صحفية أنه يخزن البنزين والمؤن لحماية نفسه في حالة انهيار لبنان. وأكد أن ضعف السلطة اللبنانية أدى إلى اقتتال داخلي على الموارد الغذائية والمحروقات داخل لبنان، ولن تحل تلك الأزمة طالما هناك فراغ سياسي ورئاسي في لبنان. انقلاب الطبقة السياسية وفي هذا، قال محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني إن حزب الله في لبنان يعتبر نفسه حالة عضوية لصيقة بالمشروع الإيراني، ولطالما صرحت قيادته بذلك، وهو لا يخفي كونه طرفا أساسيا في ما يسمى محور الممانعة، ومن هنا فإن الأولوية عنده هي خدمة المشروع الإيراني في لبنان والمنطقة ولو جاء ذلك على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية وموجبات الانتماء اللبناني لأمته العربية. وأضاف الرز في تصريحات خاصة ل "البوابة نيوز" أن الأسباب الأساسية لانهيار الوضع الاقتصادي اللبناني هي في انقلاب الطبقة السياسية التي تحكمت بمقدرات الدولة على امتداد 30 عاما على الدستور الوطني المنبثق عن اتفاق الطائف للوفاق الوطني عام 1989، وأقامت هذه الطبقة دستورا خاصا بها تقاسمت بموجبه التسلط على الإدارات والوزارات ونهب الثروة الوطنية، وكانت المعادلة التي اعتمدها حزب الله وحلفائه هي اسكتوا عن مشروعنا لنسكت عن فسادكم، وقد انكشفت هذه المعادلة مرارا عبر التسويات التي جرت ومن بينها انتخاب رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون حليف حزب الله ما سمح بإمساك هذا الحزب بحيز واسع من النفوذ السياسي خاصة وأنه يملك ترسانة عسكرية كبيرة. وأوضح أن إقدام حزب الله على الاصطفاف في المحاور الاقليمية المتصارعة سواء في سوريا أو العراق أو اليمن حجب المساعدات العربية للبنان وأدخل البلاد في ميدان استقطاب دولي حاد لا يستطيع لبنان تحمل تبعاته، وفي الوقت الذي عوقب فيه الشعب اللبناني بأسره بالتجويع وخسارة المدخرات وانهيار الطبقة الوسطى نجد أن حزب الله نظم مساعدات لبيئته وأنصاره تاركا لعبة الفساد تأخذ مجراها وتتحكم برغيف الخبز لدى سائر اللبنانيين فيما أصبح هم الرئاسة اللبنانية محصورا في تأمين مكتسبات حزبية وطائفية وفئوية كالذي نشهده في التصلب الحاصل بشأن تشكيل الحكومة الجديدة والتمسك بحصص فيها وهو تصلب خارق للدستور ولم تنفع معه كل المبادرات الدولية والعربية، ولقد أبلغ المجتمع الدولي المسؤولين اللبنانيين عن استعداده للمساعدة ووقف الانهيار وقامت مصر والجامعة العربية بتحرك مباشر في هذا الاتجاه ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسي حكام لبنان لإعلاء المصلحة الوطنية فوق المصالح الخاصة، والشرط الوحيد للمساعدة هو تشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين، لكن الجميع اصطدم بحسابات رئاسية لبنانية تتمسك بمخالفة الدستور وتطالب بحصص في الحكومة وبوزارات وازنة وبما يسمى الثلث المعطل ليظهر واضحا أنهم في واد ومعظم الشعب اللبناني في واد آخر. وتابع أن بدء الحل الصحيح للأزمة اللبنانية يكون في تطبيق اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه، وهو لا يتحقق إلا بحل عربي يقطع الطريق على التدخلات الإقليمية من ايرانية وتركية وينهي محاولات تدويل الأزمة ويعيد لبنان إلى مساره الصحيح وأول الخطوات تشكيل لجنة عربية من الدول المعنية باتفاق الطائف تعمل تحت إشراف الجامعة العربية وتكون مهمتها الأولى الضغط لإصدار قانون استقلالية القضاء بعد اصلاحه ثم إصدار قانون انتخابي حسبما نص الدستور تجرى على أساسه انتخابات نيابية من خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس شيوخ يطمئن الطوائف إلى دورها في المعادلة الداخلية لتأتي بعد ذلك خطوات مكافحة الفساد والإنقاذ الاقتصادي. وأكد أن اللبنانيين أحوج ما يكونون اليوم إلى اشقائهم العرب ليحفظوا وحدتهم وسيادتهم واستقلالهم بديلا عن كل المشاريع الأجنبية والإقليمية واجنداتها الخاصة.. فلا حل إنقاذي إلا الحل العربي.