لم تعد الشواطئ تحمل تعبيرها المعتاد عن البهجة باستقبال فصل الصيف، مثلما غنى لها المطرب الراحل عبدالحليم حافظ «دقوا الشماسى على البلاج.. دقوا الشماسي»، لكنها باتت تحتاج إلى قدر من الحذر خاصة مع ارتفاع معدلات الغرق بها خلال الأعوام الماضية، حتى أصبحت تعرف باسم شواطئ الموت، فما الذى حدث بالضبط، وما هى أبرز الشواطئ التى ارتفعت بها نسب الغرق وماذا على المصيفين فعله؟!. مؤخرًا شهدت منطقة شاطئ النخيل بالعجمى، في محافظة الإسكندرية، حوادث غرق متكررة، حتى باتت تعرف باسم «شاطئ الموت» بعد ابتلاع 10 أشخاص من المصطافين، وهو الأمر الذى فجر حالة من الحزن والأسى، كما فجر كذلك تساؤلات حول شواطئ الموت بمصر، حيث يعد شاطئ النخيل الأكثر خطورة من بينها. «البوابة نيوز» ترصد عددا من الشواطئ الأشد خطورة على المصطافين، وأسباب خطورتها، وطرق الحفاظ على النفس أثناء السباحة. «شاطئ النخيل»: يعد من أبرز شواطئ الموت في مصر، حيث حصد الكثير من الأرواح على مدى الأعوام الماضية، الأمر الذى أثار ضجة مؤخرا، خاصة مع ارتفاع المعدلات خلال الأعوام الأخيرة، مما أجبر محافظ الإسكندرية على إصدار أوامر بإغلاق الشاطئ حتى إشعار آخر حفاظا على أرواح المواطنين. ولا تعد فكرة إغلاق «شاطئ النخيل» وليدة اللحظة، حيث خرجت أيضًا خلال العام الماضى مع ارتفاع نسبة الغرق، بسبب الدوامات التى تجرف الغرقى، حيث سبق أن أصدرت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف التابعة لمحافظة الإسكندرية، تحذيرا في مطلع يونيو من العام الماضى للمصطافين من النزول إلى الشاطئ كونه من الشواطئ التى تحمل درجة خطورة عند ارتفاع الأمواج، لمنع تكرار حوادث الغرق بشاطئ النخيل بحى العجمى. وفى إحصائية لجمعية 6 أكتوبر للتنمية السياحية، ذكرت أن 942 شخصًا ماتوا غرقا على الشاطئ منذ عام 2005. «رأس البر»: خلال العام الماضى أشارت الأرقام إلى غرق وإنقاذ المئات على شاطئ رأس البر، نتيجة طبيعة الشاطئ والذى قد يغفل عن حقيقته الكثيرون اعتقادًا بقدرتهم على السباحة. وتمتاز مدينة رأس البر بمحافظة دمياط بالإقبال الجماهيرى الواسع، وبرغم ضعف الأعداد خلال العام الجارى، إلا أن ذلك لم يمنع من اتجاه الكثيرين من أجل قضاء وقت ممتع هناك والتنسم بالهواء الطلق، بل واتجاه البعض إلى النزول خلسة إلى الشواطئ من أجل الاستحمام. تعد رأس البر من أبرز المناطق التى تخرج منها حالات إنقاذ للمصطافين الذين يتجهون إلى هناك من أجل قضاء فصل الصيف، لا سيما داخل منطقة اللسان أو مرج البحرين، والتى يوجد بها ملتقى تلاطم أمواج المياه العذبة مع المياه المالحة في منطقة واحدة، وتعد تلك المنطقة من أكثر مناطق التى يمكن أن تقع بها حالات غرق حيث يوجد بها مد وجزر، يؤدى إلى زيادة السحب بالمياه للأجسام كما توجد بها الكثير من الصخور المدببة. «بلطيم»: يعد مصيف بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، ملاذا لآلاف المواطنين الوافدين لقضاء وقت ممتع في شواطئها، ففى بعض المواسم سجلت شواطئ بلطيم حضور مليون ونصف زائر خلال فصل الصيف، ولكن هذا لم يمنع من كونها من المناطق التى تكثر بها حالات الغرق، حيث شهد الشاطئ سقوط 8 غرقى خلال أول أيام العيد خلال العام الماضى فقط. وفى إحصائية رسمية أعلنت إدارة مصيف بلطيم في يوليو من العام الماضى، إنقاذ 300 زائر من الغرق، مؤكدة أن الأمر بسبب ارتفاع الموج وهو ما يشير إلى ارتفاع نسب الغرق هناك. وحول أسباب اعتبار العديد من الشواطئ بمثابة أماكن غرق للكثير من المواطنين، حاولت «البوابة» الحصول على آراء علمية عن تلك الكارثة، وقال الدكتور إبراهيم أمين، رئيس معمل الطبيعة البحرية: إن الأمر يتعلق بغياب الوعى بصورة كبيرة فهناك من يعتقد من المصطافين بأنه يستطيع العوم والسباحة في البحر مثله مثل مياه حمامات السباحة، وهو اعتقاد خاطئ لأن الطبيعة البحرية تختلف عن الطبيعة داخل مياه حمامات السباحة التى لا توجد بها موجات جذب أو دوامات، على نقيض مياه البحر، التى تتسم بصعوبة العوم فيها لا سيما مع ازدياد نسبة الموج بالشواطئ. ونصح «أمين» باتباع الإرشادات الخاصة عند النزول إلى مياه البحر والتى في العادة توجد في صورة لوحات معدنية معلقة على بداية الشاطئ، مثلها مثل إشارات المرور، وتكون لكل إشارة دلالة معينة والتى تحمل دلالات إما بإمكانية النزول للبحر أو عدم إمكانية ذلك، لأسباب طبيعية أو أسباب تتعلق بطبيعة الطقس والمناخ، وارتفاع نسب الشد والجذب داخل المياه العميقة. وأوضح أن هناك إشارات متعارف عليها يتم تعليقها في أوقات الأمان وإمكانية السباحة بالشواطئ، وهى الإشارة باللون الأخضر، بينما اللون الأصفر فيعنى وجود حالة من الاضطراب في البحر، واللون الأحمر يعنى منع النزول إلى البحر نهائيا بسبب تقلب درجات الحرارة وارتفاع نسبة السحب للداخل، بجانب زيادة الرياح، بينما يشير اللون الأسود إلى ارتفاع نسبة الموج ووجود تيارات سحب ودوامات بالبحر. ولفت إلى أن زيادة عدد حالات الغرق في مناطق بعينها عن غيرها من المناطق، يعنى أن هناك عدم التزام من قبل المصطافين أو غياب دور المحليات التى يعد لها دور أصيل في ضرورة تفعيل الحماية اللازمة على الشواطئ، أو بمنع المصطافين من النزول إليها، حال تواجد خطورة، مشددا على ضرورة التزام المصطافين بكلام المنقذين والاكتراث لتحذيراتهم، والتى تكون عن علم ولمصلحتهم وليس لمنعهم من النزول للشواطئ كما قد يعتقد البعض. وحول سبب اعتبار محافظة الإسكندرية بين الأكثر محافظات تعرضا لغرق المصطافين بها، قال الدكتور محب إسكندر، الخبير بمعهد بحوث الشاطئ: إن الغرق أمر معروف بكل شواطئ العالم ولكنه يعتبر الأكثر ببعض شواطئ الإسكندرية، وهذا يعود إلى زيادة نسبة التيار البحرى المرتجع، والذى تمتاز المحافظة بوجوده في الكثير من المناطق التى باتت معروفة، وتجعل هناك نسبة كبيرة للغرق، حتى إن المنقذين أنفسهم من الصعب عليهم القيام بمهام عملهم، نظرا للخطورة التى تتمتع بها تلك الأماكن من تيارات سحب ودوامات وغيرها. ولفت إلى أن تلك المناطق يصل عددها إلى نحو 30 بقعة، لقب أحدها ببقعة «جهنم» بسيدى بشر، وهناك أيضًا بقعة سميت بالطاحونة بمنطقة المندرة. وأوضح «إسكندر» أنه في ظل التسلح بالوعى والحذر يصبح من الصعوبة التعرض للغرق، مؤكدا أن هناك سلوكيات خاطئة حول الغرق فعلى سبيل المثال يعتقد البعض أنه لا بد من عدم السباحة عكس التيار المائى، ولكن الصحيح هو طريقة العوم بالعرض عند التعرض لتيار مائى في منطقة ما. وأشار إلى أهمية الثقافة العامة لدى المصيفين بكيفية التعامل داخل البحر، لا سيما التعامل مع الأمواج وعدم الدخول إلى عمق البحر، لأن ذلك يخلف الكثير من الغرقى، في الوقت الذى لا يستطيع رجال الإنقاذ أن ينقذوا جميع المصطافين في ظل نقص أعداهم، مقارنة بالأعداد الكبيرة والكثيرة التى تنزل إلى الشواطئ، وهو ما يتطلب في الوقت نفسه زيادة عدد رجال الإنقاذ المحملين بمعدات، على أن يكون هناك «لانشات» سريعة تقف في عمق محدد للمياه، لمتابعة المصطافين والحيلولة دون غرق المزيد من الحالات في المياه العميقة. ولفت إلى أن هذا هو الحل الناجع الذى يعمل على القضاء على موت البعض غرقا في الماء، علاوة على هذا يجب الانتباه إلى سلامة الشواطئ باستمرار وتجهيزها لاستقبال المصطافين، والاعتماد على وجود صخور غير مدببة بمحيط المنطقة بما يمنع وقوع أى إصابات للمواطنين، لاسيما الشباب الذى يعد الفئة الأكبر المعرضة للغرق. من جانبه قال محمد عبدالفتاح، الخبير البحري: إن ما يحدث بشاطئ النخيل ليس نتاج ظاهرة طبيعية بقدر ما هو بسبب الصدادات الصخرية التى تم وضعها بصورة خاطئة، للتقليل من سرعة الأمواج، وهو أمر له شق إيجابى يتمثل في تفادى الأمواج، ولكن هناك أيضًا شق سلبى كبير. وأوضح أن سلبية هذا تعود إلى أنها مع وجود تلك الصدادات فهى تؤدى لحدوث تلفيات بسبب حركة الماء عليها، فالمسافة بين الصخور تتسبب في حدوث ضغط بأرضية الشاطئ وهو الأمر الذى يعمل على انجراف الرمال خارج الشاطئ، فتحدث حالة من الفراغ على أرضية المياه. ولفت إلى أن ذلك يعمل على زيادة العمق الخاص بها بصورة نصف دائرية يجعل مرور المياه بدلا من أن تكون طبيعية في صورة دوامات، تدور حول بعضها البعض ما يؤدى إلى التسبب في غرق الكثيرين، ويجعل البحر مكانا غير آمنا للعوم أو السباحة به. وأوضح أنه لحل تلك المشكلة فلا بد من وجود متابعة من قبل اللوادر التى يجب أن تؤدى عملها بصورة دورية، بإزالة الرمال الزائدة التى توجد على الشاطئ وهو ما سيحقق حالة لا بأس بها من الأمن والأمان، ويمنع تواجد تلك الدوامات أو يقلل وجودها لأكبر درجة.