«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمةُ الأَبِ البَطريركِ الأنبا إبراهيم إسحق حول فضيلة القوَّة ومحبة الله
نشر في البوابة يوم 18 - 05 - 2020

قال الأَبِ البَطريركِ الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر، خلال عظة من إكليريكيَّة القدِّيس لاون الكبير، بالمعادى، نشرت عبر الصقحة الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، اليوم الاثنين: "إن فضيلة القوَّة مَحبَّةُ اللهِ الآب، ونعمة الابن الوحيد، وعطية الروح القدس تكون مع جميعكم الأبناء الأحباء".
وتابع: "أشكرُ الله معكم على نعمةِ هذا الوقت، وقت القيامة والفرح، لأنَّه أحبَّنا فوهبنا نعمة الحياة، ودعانا أن نكون على مثاله. في عالم اليوم، نواجهُ تحدياتٍ كبيرةٍ حتَّى نعيشَ إيمانَنا المسيحيّ كما يجب، وحتَّى تقومَ الكنيسةُ برسالتِهَا كما أرادَهَا المسيحُ. فهناك فتورٌ في الحياةِ الرّوحيَّةِ، وانفلاتٌ أخلاقيّ وعنفٌ منتشرٌ وحرِّيَّةٌ غيرَ مسئولة، ولا نغفلُ أيضًا التَّأثيرَ السَّلبيّ لسوءِ استخدامِ التُّكنولوجيا الَّذي يُفقدُ الإنسانَ إنسانيَّتَه وكرامتَه وقيمتَه".
وأضاف، كما أن هناك خطرًا أن تتحوَّلَ المسيحيَّةُ إلى مجرَّدِ أفكارٍ نظريَّةٍ، لكن والحمد لله، رغم سوء المشهد، لا يمكن إنكار وجود قدِّيسين وقدِّيسات في أناس اختبروا حبَّ الله فعاشوه بكلِّ قوَّةٍ ومازالوا له شهودًا في كلِّ مجالات الحياة. فالمسيح دخل إلى العالم ولم يخرج منه ولن يغادره.
وقال نستعدُ هذه الأيَّام للاحتفال بعيد العنصرة، وهو حلول الروح القدوس على الرُّسل الَّذي هو عيد ميلاد الكنيسة المرسلة للشَّهادة بالمسيح القائم.
وأضاف قائلا: نقرأُ ونسمعُ كثيرًا عن الفضائل الإلهية: الإيمان والرَّجاء والمحبَّة، الَّتي يذكرها القدِّيس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (13: 13). هناك أيضًا ما نسميه هبات الروح (عطايا الروح) أو الفضائل الأدبيَّة أو الإنسانيَّة: الحكمة، والفهم، والمشورة، والقوَّة. الواردة في سفر أشعياء (أش11: 1-2). والَّتي أضاف إليها آباء الكنيسة فضائل أخرى: العلم، التَّقوى، الاعتدال، الأمانة، التَّواضع، القناعة...إلخ. وهناك أيضًا ثمار الروح:... مَحبَةُ، فَرَحُ، سلامُ، صبرُ، لُطْفُ، كَرَمُ أَخْلاق، إِيمانُ، وَداعةُ، عَفاف" المذكورة في رسالة بولس الرَّسول إلى أهل غلاطية، (غلا5: 22-23). إذن هناك: الفضائل الإلهية الثَّلاثة وهبات الروح وثمار الروح.
نتناول الحديث اليوم عن فضيلة القوَّة الَّتي هي هبة من هبات الروح وإحدى الفضائل الإنسانيَّة أو الأدبيَّة. في البداية نوضِّح ما هي الفضيلة؟ وما هو هدفها؟ وماذا تعني عبارة "إنسانٌ فاضلٌ"؟
أوَّلًا: ما هي الفضيلة؟ ما هو هدفها؟ وماذا تعني عبارة "إنسانٌ فاضلٌ"؟
بحسب التَّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيَّة، " الفضيلة هي استعدادٌ باطنيّ ثابت لفعل الخير تتيح للشَّخص ليس فقط أن يفعل أفعالًا صالحة وإنَّما أن يعطي أفضل ما فيه. والإنسان الفاضل يسعى بكلِّ قواه الحسيَّة والرّوحيَّة إلى الخير، ويمضي وراءه ويختاره في أفعال واقعيَّة" (التعليم المسيحيّ فقرة 1803).
أمَّا هدف الحياة الفاضلة فهو "أن نصير مثل الله" كما يقول القدِّيس غريغوريوس النيصي (في التطويبات 1). وبالطبع فالفضيلة هي موقف اختيار حرّ وليس فرضًا أو أمرًا، وهذا الاختيار الحرّ هامٌّ جدًا لأنَّه لا بد وأن تتبعه اختيارات أخرى عديدة والتزامات متجددة. كما أنَّ الفضيلة ليست مجرَّد مقاومة الخطيئة ورفضها، بل هي السُّلوك في عمل الخير. فلا يكفي أن لا أضرّ النَّاس، بل بالأكثر أن أخدمهم وأعينهم وأتعب من أجلهم.
كما أنَّ الفضيلة ليست مجرَّد فكرة ولا مثل أعلى، بل هي كالروح في الجسم يتفاعل معها الإنسان ويعيشُها في عراكٍ مع ذاته. فلا حياة للفضيلة إن لم تُصبح واقعًا حيًّا وتاريخًا شاهدًا؛ فحياة الشَّجرة في داخلها، ولكنها تعبِّر عن وجود الحياة فيها بالخضرة والثمر. ونحنُ نريدُ الفضيلةَ المثمرةَ بالعملِ الصَّالحِ وبالكلمةِ الطَّيبةِ والسُّلوكِ الحسنِ، والمحبَّةِ العمليَّةِ والقدرةِ المؤثِّرة.
عكس الفضيلة الرَّذيلة: وهي "موقف باطني وعادة سلبية تخدِّر الضمير وتُظلمه، وتفتح الإنسان على الشر وتجعله مستعدًا بشكل اعتيادي لاقتراف الشَّرّ والخطيئة".
في كلُّ مرَّةٍ نتحدَّثُ فيها عن فضيلةٍ ما، علينا أن نوجِّهَ عيوننا صوب الروح القدس كنز المواهب والفضائل ونصلِّي إليه طالبين العون ليحرِّك فينا المحبَّةَ فنعيشَ الفضائلَ من أجلِ استقامةِ الحياةِ ونجاحِها؛ وننظرَ إلى القدِّيسين، الَّذين يجسِّدون ربَّنا يسوع المسيح المثال والنَّموذج، وبالأكثر أمنا مريم العذراء، أم الكاهن الأعظم وأم الكنيسة.
ليباركَ الرَّبُّ بشفاعتها وبصلواتكم مسيرتَنا معًا هذه الأيَّام، فنتكلَّم لأنَّنا التقينا الحقَّ، والحقّ يُحرِّرُنا (يو8: 32)، ولأنَّنا نحاولُ أن نجدَهُ كلَّ يومٍ من جديد ونتأمَّلَ فيه، على أنَّه يخصُّ حياتَنا كمعمديِّنَ ومسيحيِّينَ أوَّلًا ثمَّ كمسؤولينَ في أيّ موضع نتواجدُ فيه أو أيّ خدمةٍ نقومُ بها.
ثانيًا: فضيلة القوَّة
1-فضيلة القوَّة لا تقوم في العنف
إنَّ أوَّل ما يتبادر إلى ذهننا، عند سماع كلمة القوَّة هو القوة العضلية، السيطرة، السلاح والعنف، وهذا طبقًا للمفهوم البشريّ، أمَّا فضيلة القوَّة التي يهبها الروح فهي مختلفةٌ تمامًا.
لأنَّها قوَّةٌ داخليَّةٌ تحيي ولا تميت وتجعلُ الشَّخصَ أكثر شجاعة ليس ضد الأخرين وإنَّما ليختبر انتصار الخير على الشَّرّ، وفي نفس الوقت تجعلُهُ متواضعًا لأنه لا ينسب شجاعتَهُ إلى نفسه بل إلى روح الله العامل فيه، "على أَنَّ هذا الكَنْزَ نَحمِلُه في آنِيَةٍ مِن خَزَف لِتَكونَ تِلكَ القُدرَةُ الفائِقَةُ لِلهِ لا مِن عِندِنا". (2كور4: 7) كما يقول بولس الرسول.
إذا كانت هبة المشورة تعملُ على مستوى العقل أيّ أنَّها تساعدُ على معرفةِ واكتشاف إرادة الله، فإنَّ هبة القوَّة تعملُ على مستوى الإرادة، لأنَّ عملَ ما يوحي به الروح يحتاجُ إلى إرادةٍ تفوقُ قدرتَنَا الطَّبيعيَّة. وهبةُ القوَّة تمكِّن الإنسان من العمل في وسط المحن والمضايقات، وهي لا تُلغي مجهودَنَا الشَّخصيّ بل تُعيِّنُ ضُعفنَا ونقصنا لمواجهة الصِّعاب والخوف، وتجعلُ في قلبنا سلامًا عجيبًا ليس من هذا العالم "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ، سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ، لا كَمَا يُعْطِيه الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا، لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تفزع" (يو 14: 27).
إليكم بعض الأمثلة على فضيلة القوَّة كهبة من الروح:
قرار يوسفَ أن لا يُشهرَ أمرَ مريم العذراء (مت1: 19).
قرارُ الشُّهداء تفضيلُ الموتِ على إنكار المسيح.
قرارُ صاحبِ عملٍ يَرفضُ صفقةً مُربحةً بالغشِّ والاحتيالِ.o في سرِّ التَّوبةِ والاعترافِ نحتاجُ إلى شجاعةٍ داخليَّةٍ للإقرارِ بخطايانا وطلبِ المغفرةِ، كما نحتاجُ أيضًا إلى شجاعةٍ وقوَّةٍ داخليَّةٍ لمسامحةِ الأخرين والغفران لهم.
2-فضيلة القوَّة شجاعة وصمود
مَنْ منَّا لم يختبر الخوف؟ مَنْ منَّا لم يعرف ساعات الألم والصراع وتجربة الهروب عندما يُريد القيام بعمل الخير؟ فغالبًا ما يمنعنا الخوف من إنجاز ما نراه خيرًا أو عدلًا. وبالتالي فإنَّ فضيلة القوَّة ضرورية لمقاومة التهديدات على اختلافِ أنواعها، وتجاوز الخوف ومواجهة الإعياء والملل من الحياة. وهبة القوَّة تمنح الإنسان الثِّقة والشَّجاعة والمثابرة الَّتي تناقض العناد والوهم والقساوة، ذلك لأنَّ قلب الإنسان يكون ثابتًا بالرَّبِّ. فالقوَّة المسيحيَّة ليست تجميع كل الطاقات النفسيَّة والأخلاقيَّة للقيام بعملٍ بطوليّ، إنَّما هي قبل كلّ شيء تسليم هادئ للذات إلى الله وانتصاره، وهي انشراحُ القلبِ وسلامٌ داخليّ. (عمل قداسة)
يؤكِّدُ التَّقليدُ المسيحيَّ أنَّ فضيلةَ القوَّة تُعبِّرُ عن نفسها بالوجه الأفضل، لا في الهجوم أو العدوانيَّة بل في المقاومة والصُّمود. فالمقاومة تكون في وجه اليأس الباطنيّ والحزن والملل، وهي حالات تشكل عقبة أمام إيفاء الخير حقّه. فالانتصار الدَّاخليّ يسبق الانتصار الخارجيّ، على حدّ قول القدِّيس توما الأكوينيّ: "إنَّ بعضهم عندما يقاومون الحزن، يُعتبَرون أقوياء على وجه الخصوص".
يَظهرُ سموّ نفس المسيحيّ وقدرتُه على تحمُّل الظُّروف الأشد قساوة في الحياة اليوميَّة. فبفضل هبة القوَّة يتجسَّد الصُّمود والوفاء لواجباتنا بالرغم من الأتعاب الجسديَّة والمعاناة النفسيَّة (الدراسة-العمل-الحياة الزوجيَّة-العلاقات الأسريَّة). وعند الالتباسات وانعدام الفهم والعبارات المؤذية والنميمة، نقاومُ بوجهٍ مسالمٍ. ففي ذلك تكمن ضرورة عطية القوَّة في مجتمع غير متماسك يسيطرُ عليه الخوف، وهكذا فإنَّ القوَّة المسيحيَّة هي سلامُ النَّفس حتَّى في صُلب الأوضاع المثيرة للخوف.
3-فضيلة القوَّة: شهادةٌ حتَّى الاستشهاد
إنَّ الموتَ هو الجُرح الأكبر الَّذي يتعرَّض له كلِّ إنسان، والخوف منه هو مصدر كلّ أنواع الفزع، وهو يَظهرُ في إطار الآلام والمآسي والأمراض الَّتي تسبق الموت. في الواقع نحن لا نهرب من الموت الجسديّ فقط، بل نرفض المذلات ونخاف الاتهامات والافتراءات والسجن والعزلة.
وهكذا فإنَّ فضيلة القوَّة التي يهبها الروح، تتيح لنا مواجهة كلّ رسائل الموت دون خوف "أستطيع كلّ شيء بالمسيح الذي يُقوِّيني" كما يقول بولس الرسول (فل 4: 13). فالموت يفعل فعله فينا إلا أننا نحافظ على ثقتنا بالله. فهبة القوَّة تتيح لنا ألّا نغرق في مواجهة الشدة والعواصف، حتى في حضرة الموت عينه، "...يُضَيَّقُ علَينا مِن كُلِّ جِهَةٍ ولا نُحَطَّم، نَقَعُ في المآزِقِ ولا نَعجِزُ عنِ الخُروج مِنها، نُطارَدُ ولا نُدرَك، نُصرَعُ ولا نَهلَك، نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ يسوع لِتَظهَرَ حياتُه في أَجسادِنا". (2كور4: 7-10). لماذا؟ لأنَّنا ننظرُ إيجابيًّا إلى العون الَّذي يمدنا به الله، والخير الَّذي نحن مدعوون إلى إتمامه، والقوَّة الَّتي تأتينا من فوق.
إنَّ آباء الكنيسة الأوائل اعتبروا الاستشهاد فرصة سانحة، تعبِّر فيها فضيلة القوَّة بالمفهوم المسيحيّ عن نفسها بالوجه الأسمى، فهو الفعل الأشد خصوصية وامتيازًا في القوَّة المسيحيَّة. ومثال على ذلك استشهاد القدِّيس إسطفانوس "فدَفعوهُ إِلى خارِجِ المَدينة وأَخَذوا يَرجُمونَه. أَمَّا الشُّهود فخَلَعوا ثِيابَهم عِندَ قَدَمَي شابٍّ يُدْعى شاول. ورَجَموا إسطفانوس وهُو يَدْعو فيَقول: «رَبِّ يسوع، تَقبَّلْ روحي». ثُمَّ جَثا وصاحَ بِأَعْلى صَوتِه: «يا ربّ، لا تَحسُبْ علَيهم هذهِ الخَطيئَة». وما إِن قالَ هذا حتَّى رَقَد"(أع7: 58-60). فمن هو الأقوى القاتل أم الشهيد؟
مثالٌ آخر: بولس وسيلا في السجن "وعِندَ نِصفِ اللَّيل، بَينَما بولُسُ وسيلا يُسَبِّحان اللهَ في صَلاتِهما، والسُّجَناءُ يُصغونَ إِلَيهما، إِذ حَدَثَ زِلزالٌ شَديدٌ تَزَعزَعَت له أَركانُ السِّجْن، وتَفَتَّحَتِ الأَبوابُ كُلُّها مِن وَقْتِها، وفُكَّت قُيودُ السُّجَناءِ أَجمَعين. فاستَيقَظَ السَّجَّان، فرأَى أَبوابَ السِّجْنِ مَفتوحَة، فاستَلَّ سَيفَه وهَمَّ بِقَتْلِ نَفْسِه لِظَنِّهِ أَنَّ المسَجونينَ هَرَبوا، فناداهُ بولُسُ بِأَعلى صَوتِه: «لا تَمَسْ نَفْسَكَ بِسُوء، فنَحنُ جَميعًا ههُنا». (أع16: 25-28). هنا تصل القوَّة ببعدها الإلهي بالقوَّة البشريَّة إلى كمالها، «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، فَإِنَّ قُدْرَتِي تَكْمُلُ فِي 0لضُّعْفِ» (2كو12: 9). وذلك يجعل من القوَّة بمفهومها المسيحيّ عطية ونعمة تأتي لتملأ النفس وتمدُّها بالسلام. وهي هبة علينا أن نطلبها متواضعين كلّ يوم، عارفين أننا لا نستطيع اكتسابها بمجهوداتنا الشخصية وحدها، إذ أن نتائج الخطيئة الأصلية، الخوف والأنانية والسعي إلى التراخي والهشاشة والمنفعة الخاصة قد أصابتنا.
في زمن يسعى فيه الكثيرون إلى التسويات السهلة والحالات الَّتي توافقنا، ورفض كل ما يقتضي التضحية والتخلي عن الذات والسير عكس الاتّجاه، لا يستطيع أحد عمل الخير بوجه كامل من دون هبة القوَّة التي يمنحها الروح. وعندما نفقد فضيلة القوَّة يُصبح مجتمعنا جماعة أفراد مستائين محبَطين، لأنَّ من يشعر بالضعف يستسلم إلى الإحباط.
في صلاة الأبانا نقول "لا تدخلنا في تجربة" كما لو كنا نقول "تصرَّف يا ربّ بحيث لا أجد نفسي في حالة تدفعني إلى إنكار إيمانيّ" ثم نضيف "بل نجنا من الشرير" كما لو كنا نقول "تصرَّف يا ربّ بحيث تكون أنت لي الخير الأعظم فلا أنكرك على الإطلاق مهما كانت الأسباب والظُّروف.
ثالثًا: اقتراحات لممارسة فضيلة القوَّة
لكي نعيش فضيلة القوَّة إليكم بعض العوامل المُساعدة:
1-شُكر وعرفان:
أشكر الله على كل ما هو إيجابي في حياتي.
أشكر الله على كل المواقف المعاكسة الَّتي يمكن أن تطرأ على حياتي
(على كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال).
أشكره لأنه يعرف كيف يخرج من الجافي حلاوة أي من الشر خيرًا.
2-تساؤل:
هل أشعر بأنني قوي أم ضعيف؟ وما هو مصدر قوَّتي؟ وسبب ضعفي؟
ما هي التأثيرات السلبية والدوافع التي تعوقني عن العمل بمشيئة الله بصورة ثابتة؟
ما معنى هذه الصعوبة التي أمر بها؟
الله يُحبُّني، ماذا يريد الرب أن يقول لي عبر ما يحدث؟
3-صلاة وتأمُّل: (الكتاب المقدس هو مصدر حقيقي ويومي للقوَّة)
الامتلاء من الله بالصَّلاة والعلاقة الحميمة، ففي الله وحده قوتي، وهو وحده حصني وملجأي وترسي وخلاصي. (مز92: 2)
التَّأمُّل في شخص يسوع المعلَّق على الصليب والقائم من الموت. "لنسبح بمجده، نحن الَّذين جعلوا رجاءهم من قديم الزمان في المسيح" (أف1: 12)
كيف أستطيع أن أُطور فضيلة القوَّة أمام الإخفاقات والتحديات والألم والموت؟
صلاة إلى الروح القدس مانح الهبات
أيُّها الروح القدس الرَّبّ المحيي.
أنت روح الحقّ، علِّمني أن أطلب يسوع الحقّ والحياة.
أنت غذاء كلّ فكر عفيف، هلمَّ وكن معلِّمي.
أنت ثراء الفقراء وأنا أفقر الفقراء.
أنت ارتواء للعطاش وأنا دومًا في عطش إلى الله الحي.
أنت عزاء الغرباء وأنا غريبٌ على الأرض،
أتابعُ مسيرتي نحو الوطن السَّماويّ.
أيُّها الروح القدس يا مانح القوَّة،
هلمَّ وامنحني القوَّة والثبات والغلبة على أعداء نفسي.
أخرجني من الظلمة إلى النُّور ومن الكسل إلى النشاط،
من التردد إلى الثبات ومن الكذب إلى الصدق.
اجعلني شبيهًا بالمسيح، واطرد عني الخوف والتَّشاؤم والاضطراب.
نمِّ فيَّ الكراهية للخطيئة، وازرع في قلبي المحبَّة والفرح والسَّلام.
علِّمني أن أنشدَ لك وللآب والابن نشيدًا جديدًا بكامل إيماني وحبِّي،
بكامل عقلي وإرادتي وطموحي، بصدق توبتي وقصدي،
فأسير في المحبَّة سيرة المسيح الحي
المالك معك ومع الآب إلى دهر الدهور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.