يأتي عيد القيامة هذا العام، وعالمُنا يرزح تحت وطأة المعاناة من وباء سريع الانتشار، فيروس الكورونا، الذي ترك آثارًا وخيمة على كل مناحي الحياة؛ صحيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا؛ فمئات الآلاف أصيبوا وعشرات الآلاف توفوا متأثرين بهذا المرض، وقرأنا عن تهديدات اقتصادية عنيفة بسبب الحجر المنزلي، وصار التباعد الاجتماعي ضرورةً لتجنب العدوى، وضع هذا الوباءُ قيمَنا وحضارتَنا الإنسانية على المحك. الخوف من الحاضر والمستقبل، التباعد الاجتماعي، الخوف من العدوى والمرض والموت، أصبحت هي ملامح الوقت الراهن. ربما تبدو الصورة قاتمةً، والرجاء بعيدًا. عادةً في مثل هذه الظروف، تتدافع الأسئلة في أذهاننا حول الله وأين هو في وسط هذه الأزمة؟ ولماذا لا يتدخل لإنقاذ الإنسان الذي خلقه وكرمه؟ في وسط هذه الظروف، يأتي احتفال القيامة ليعلمنا أن في نهاية كل طريق آلام توجد قيامة. لكن على أية حال، دعونا نقرأ أحداث القيامة بعين الأزمة الحالية. بعد صلب المسيح وموته ودفنه، انتابت التلاميذ حالةً من الخوف والفزع، وربما شعروا أن أحاديث السيد المسيح حول الملكوت وحول الخلاص محض أوهام. مزيج من مشاعر الحزن والخوف من مستقبل مجهول، وشعور بقلة الحيلة. حالة من العزل الاجتماعي، إذ يقول الكتاب إن أبوابهم كانت "مُغلَّقة" (يو 20: 19-31). ربما راودتهم الأسئلة حول جدوى هذه السنوات التي تبعوا فيها السيد المسيح، عن تعاليمه، عن وعوده بالخلاص... من قلب الخوف والحزن تأتي بشرى القيامة للتلاميذ، إذ يرصد لنا الأصحاح الرابع والعشرون من إنجيل لوقا بداية قصة القيامة، وظهور السيد المسيح للتلاميذ، والذي كان بهدف إعلان القيامة، وتشديد التلاميذ وانتشالهم من الخوف والاكتئاب. ومن هذه الظهورات تأتي قصة تلميذين تقابل معهما السيد المسيح في الطريق إلى عمواس. يُفتتح الأصحاح باكتشاف عدم وجود جسد السيد المسيح في القبر، ثم بعد ذلك ينتقل المشهد إلى تلميذين كانا في طريقهما إلى قرية تدعى "عمواس"، التي تبعد عن أورشليم حوالي 12 كم. ينقل إلينا لوقا رحلة هذين التلميذين من اليأس إلى الرجاء والفرح، من التوتر والارتباك إلى اليقين والحق. وبينما هما سائران في طريقهما يتكلمان ويتحاوران، ينضم إليهما السيد المسيح نفسه ويمشي معهما، لكن يقول الكتاب إن أعينهما "قد أُمسِكت عن معرفته"، تحاور السيد المسيح معهما حول ما حدث في أورشليم خلال الأيام الثلاثة السابقة، وهما لا يعرفان هويته، ربما في أوقات الحزن والخوف والارتباك لا نستطيع تمييز الرجاء القريب منا. كان السيد المسيح يريد أن يسمع منهما أولًا فسألهما عن سبب اكتئابهما وحزنهما، فأخبراه بكل ما حدث من صلب المسيح ودفنه، قائلين إنه كان المزمع أن يكون الفادي. لكن عن أي فداء يتحدثان؟ ربما كانت فكرتهما عن مخلص سياسي يحارب الرومان ويخلص الشعب من ذل الاستعمار ويمسك بزمام السلطة. لكن على مدار مسيرته معهما أخذ السيد المسيح ينير أعينهما من خلال شرح ما جاء في الكتب المقدسة والنبوات حول المسيح. أراد السيد المسيح إن يبني رجاءهما بناءً صحيحًا على الوعي والاستنارة بحقيقة الأمور، وأن يحررهما من الخوف والحزن والارتباك. شرح لهما قصة الفداء من أولها وكأنه يؤكد على ضرورة قراءة اللحظة الراهنة في إطار عمقها التاريخي، وعمل الله عبر التاريخ. هكذا يُبنى الوعي الحقيقي وتتكون الاستنارة. لم يتعرف التلميذان على السيد المسيح سوى عندما كسر الخبز معهما، فالشركة مع الله قادرةٌ على أن تزيل الخوف، وتتعامل مع الحيرة والشك. تنتهي القصة بتغير حقيقي لمسه التلميذان، وتحولا من شخصين هاربين وخائفين إلى مبشرين بالقيامة. هكذا يفعل حضور الله، إذ يمنحنا الرجاء، وينير عقولنا باستنارة حقيقية، يقودنا إلى قراءة الأزمة في إطارها وسياقها وخلفياتها، حتى تنفتح أعيننا، لتحول الخوف والارتباك والحزن إلى يقين وثبات وقدرة على التعامل مع الأمور بحكمة وقوة. ربما تبدو الظروف في هذه الأيام مقلقة لكن التأمل في حدث القيامة يلهمنا للتعامل مع هذه الأزمة، تمنحنا القيامة رجاءً وجوديًا عميقًا قادر على تغيير رؤيتنا للحياة والآخر. هذا الرجاء الذي تعطيه لنا القيامة هو رجاء عملي ويمكن ترجمته في مساعدة الآخر وعمل الخير. فإن كانت كنائسنا قد أغلقت، وخدمات العبادة توقفت، إلا أننا رأينا عبادةً وسجودًا من نوع مختلف تمامًا تمثل في خدمة الجميع بلا تمييز ومعاونة المتضررين جراء الأزمة. لقد خرجت الكنائس إلى الشارع وشاركت المجتمع في حمل صليب الأزمة، وهذا تجسيد حيٌّ لقوة الرجاء الذي تمنحه لنا القيامة، أن نذهب ونشدد اليائسين ونرسم البسمة على وجه المجتمع، ونساعد الآخرين. أصلي أن يعيننا هذا الرجاء الحقيقي في تجاوز أزمتنا الحالية، أصلي لأجل صناع القرار في بلادنا، الرئيس والحكومة، من أجل أن يعينهم الله لاتخاذ القرارات الحكيمة للحفاظ على بلادنا، وأصلي من أجل شفاء لكل مصاب، ومعونة حقيقية لأهالي المصابين، أصلي لأجل كل الأطباء والعاملين في القطاع الطبي من أجل سلامتهم وحمايتهم من كل عدوى، أصلي لأجل كل العاملين في الجيش والشرطة، وأصلي لأجل كل من تهددت أرزاقهم جراء هذه الأزمة. وأثق أن الله برحمته الغامرة وقدرته الفائقة سيعبر بنا هذه الأزمة.