هكذا إذن يودّع الناقد هذه الدنيا دون أن يهتم لشأنه أحد، هو ليس نجمًا تلفزيونيًّا، ولا ماركة غنائية مسجلة، هو ليس أحد دهاة الدراما أو الفيديو كليب، هو الناقد والكاتب المسرحي، المربي بقسم الدراسات المسرحية، الرجل السوري الذي لطالما أخذ بيد طلابه وطالباته نحو أضواء المسرح، هناك في العتمة الحنونة لخشبات القباني والحمراء ومسرحي سعد الله ونوس وفواز الساجر في المعهد العالي الذي شهد عطاءاته المديدة حتى فارق الحياة في شتاء 2014 وقلبه موجوع على بلاده التي أحبها في الغربة وفي الاغتراب عنها.. "رحل نديم معلا محمد الباحث المجتهد والأستاذ القدير، والناقد المتمكن"، معلا "أسس قسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية وأول رئيس له، ليعمل بعدها نحو أربعة عشر عامًا أستاذًا في المعهد العالي للمسرح في الكويت ما بين (1993– 2007)، ويثري سلسلة «المسرح العالمي» بترجماته المهمة لنفائس الأعمال المسرحية الروسية، إذ كان الراحل نديم معلا محمد مُحكمًا لأبحاث المسرح في مجلة "عالم الفكر"، التي نشر أغلب أبحاثه على صدر صفحاتها، مشاركًا في عديد من الندوات الفكرية المرافقة للمهرجانات المسرحية، كاتبًا المئات من المقالات النقدية في الصحف الكويتية وتحديدًا (القبس– الرأي– النهار- العربي) خلال فترة عمله في الكويت، حيث كان له حضور إعلامي مهم في مختلف المنابر الصحفية الورقية، المسرحية والثقافية، وللراحل ما يزيد على عشرين بحثًا ودراسةً نقدية محكّمة، وله ثمانية مؤلفات وترجم أحد عشر مؤلفًا إلى العربية، ومن أهم مؤلفاته العلمية: «دراسات نقدية» 1980، «الجدران الأربعة» 1980، «الأدب المسرحي في سورية نشأته وتطوره» 1986، «مسرح فواز الساجر» 1988، «دراسات في النقد» 1990، «مقالات نقدية في المسرح» 1991، «قضايا مسرحية» 1995، «في المسرح العربي» 2000، «لغة العرض المسرحي» 2004، «وجوه واتجاهات» 2008. أما في النقد والسينما فله عدة مؤلفات منها: «الفكرة الإخراجية» 1986، «بوريس جودونوف» 1994، «الهوفمانية» 2003، «الصورة» 2006، «شكسبير في السينما» 2009. نديم معلا محمد الأستاذ الذي رحل صامتًا في قريته الصغيرة قبالة بحر طرطوس كان قد حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من أكاديمية الفنون والآداب «غيتس» في موسكو، وأسس مهرجان «المسرح السوري المدرسي»، وعمل أستاذًا في معهد الفنون المسرحية في سوريا منذ افتتاحه 1977، وأسس مجلة «الحياة المسرحية» مع سعد الله ونوس ونبيل الحفار 1977، وفي عام 1983 نال د. نديم الدكتوراه في النقد المسرحي، وسعى لتأسيس قسم الأدب والنقد المسرحي في العام 1984 وكان أول رئيس له. الفنان أيمن زيدان قال على صفحته الشخصية على "فيسبوك" عن رحيل صديقه معلقًا على تجاهل نبأ وفاة معلا: «وسط زحمة الموت الذي يأبى الترجل عن صهوة جنونه، رحل بصمت شبه مطبق الدكتور نديم معلا محمد وهو واحد من أهم نقاد الحركة المسرحية السورية في العقود الثلاثة الماضية.. بقدر ما أحزنني رحيله آلمني الصمت المطبق الذي خيم على هذا الرحيل وتفجر في رأسي ذلك السؤال الصعب.. هل نحن فعلا أجحد أمة أخرجت للناس؟». بينما قال الكاتب والناقد نذير جعفر على صفحته في الموقع الأزرق مودعًا رفيق العمر الجميل: «للرحيل المفاجئ والصادم لصديق الفكر الدكتور نديم معلا محمد الذي عايشته اثني عشر عاما في الكويت في هذه التراجيديا السورية الناشزة أثرٌ كبير، تهجيره من بيته قرب دمشق دليل آخر على أن العبث انتقل من خشبة المسرح الذي كتب عنه إلى كل حياتنا.. نديم عهدتك جادًا حتى في ضحكتك، وكان عليكَ ألا تمزح معي هذه المزحة وترحل يا صديقي قبل أن نلتقي في مقهى الروضة حال وصولك إلى دمشق!». وقال الناقد السينمائي الفلسطيني بشار إبراهيم: د. نديم معلا محمد الصديق الجميل.. الهادئ.. الأنيق صديق الجلسات الرائقة برفقة الرائع بندر عبد الحميد الجلسات.. الحوارات.. الصوت العميق ثقافةً وبساطةً، وداعا إنه زمن النهايات يا صديقي".