تتكثف المشاورات في بغداد بحثاً عن بديل لرئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي، على وقع مساع يخوضها حلف طهرانبيروت لإقناع القوى السياسية الشيعية والسنية بالسير بأحد المرشحين وسط استمرار أعمال العنف في جنوب البلاد. وحتى قبل أن يعلن البرلمان الأحد موافقته رسمياً على استقالة عبد المهدي وحكومته، بدأت الأحزاب السياسية اجتماعات و"لقاءات متواصلة" للبحث في المرحلة المقبلة. ورغم أن معظم الشارع العراقي المتظاهر اليوم، يندد بالسيطرة الإيرانية على مفاصل الحكم ويطالب بكف يد الجارة عن أي سلطة مقبلة، لا يبدو أن طهران تنوي تسجيل خسرة سقوط عبد المهدي، الذي كان يحظى بدعمها، في سجل سياساتها في المنطقة. وقال مصدر سياسي مقرب من دوائر القرار في العاصمة العراقية لوكالة فرانس برس، إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني "موجود في بغداد للدفع بترشيح إحدى الشخصيات لخلافة عبد المهدي". وأشار المصدر نفسه إلى أن "مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني، يلعب أيضاً دوراً كبيراً في إقناع القوى السياسية من شيعة وسنة في هذا الاتجاه". لكن على صعيد آخر، يشير مراقبون إلى قلق بعض الشخصيات من تسلم المنصب في خضم الأزمة، تخوفاً من السقوط السياسي على غرار رئيس الوزراء المستقيل. ولا يزال على الأخير التعاطي مع الأزمة حالياً رئيساً لحكومة تصريف أعمال، والتصدي لمسائل عدة منها الحشد الشعبي، والعقوبات، والميزانية، وقتلى التظاهرات الذين تخطوا 420 ضحية، وفق مصدر حكومي لفرانس برس. والثلاثاء حضت ممثلة الأممالمتحدة في العراق جانين هينيس بلاسخارت السلطات العراقية على الاستجابة لتطلعات الشعب العراقي، مؤكدة مجدداً أن استخدام القوة ضد العراقيين أمر "لا يمكن التسامح معه". ودعت بلاسخارت القادة السياسيين إلى تفادي "إضاعة مزيد من الوقت والارتقاء إلى مستوى الأحداث". لكن عبد المهدي أكد عشية استقالته، أن تصريف الأعمال "مضيعة للوقت"، وبالتالي قد تؤول الأمور موقتاً، ودستورياً، إلى رئيس الجمهورية برهم صالح. ورغم أن صالح، الكردي، كان من الداعين إلى انتخابات مبكرة، وبالتالي الإطاحة بعبد المهدي، الذي كان يعتبر حليفه قبل التظاهرات، فإن الأكراد ينظرون بترقّب كبير إلى نتاج ما يدور من مشاورات في بغداد. والثلاثاء أعربت حكومة كردستان العراق عن أملها في تطبيق اتفاق مبدئي،وُقّع قبل أيام من استقالة عبد المهدي رصد لها حصة في ميزانية 2020 مقابل تصدير النفط الخام عبر قنوات حكومة بغداد. وتركز المساعي الكردية امس، حسب الباحث في كلية الدراسات العليا في العلوم السياسية بباريس عادل بكوان، على "ضمان ألا يؤثر أي إصلاح محتمل للدستور على ما تعتبره الأحزاب السياسية الكردية مكاسب". ويضيف "على سبيل المثال: الهوية العراقية، اللغة الكردية، المادة 140 من قانون بريمر للمناطق المتنازع عليها، وغيرها". ويعمل الأكراد على توحيد الصف في البرلمان للوقوف في وجه أي قرار يطال تلك المكاسب. ويسعى البرلمان بدوره إلى درس قانون انتخابي جديد يفترض أن يؤدي إلى مجلس نواب أقل عدداً وأوسع تمثيلاً. وفي المقابل يبقى الشارع ثائراً، وتتواصل التظاهرات في بغداد ومدن جنوبية، داعية إلى إنهاء نظام المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب. وبعدما كانت مقتصرة على الدعوة الى توفير فرص عمل، وخدمات عامة، تصاعدت مطالب المحتجين الذين لا زالون يسيطرون على ساحات التظاهر، لتشمل إصلاح المنظومة السياسية التي أرستها الولاياتالمتحدة بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003. وأصبح تغيير الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، وتبخر ما يعادل ضعف الناتج المحلي للعراق الذي يعد من أغنى دول العالم بالنفط، مطلباً أساسيا للمحتجين. وتواصل العنف في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين لدى الشيعة في جنوبالعراق، حسب ما أفاد به مراسلو فرانس برس. ففي النجف التي دخلت في دوامة العنف مع إحراق القنصلية الإيرانية مساء الأربعاء الماضي، حاول متظاهرون دخول مرقد محمد باقر الحكيم رجل الدين العراقي الشيعي البارز. وجُرح 35 شخصاً في صفوف المحتجين بعدما أطلق مسلّحون بملابس مدنية أعيرة نارية، وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، وفق ما أفاد شهود. وتحاول شخصيات عشائرية بارزة منذ أيام عدة، التفاوض على آلية للخروج من الأزمة، بينما ناشد محافظ النجف سلطات بغداد، وقف العنف، الذي تقول قوات الأمن المحلية، إن لا حول لها فيه ولا قوة. ودعا زعماء العشائر الثلاثاء، رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومقاتليه من سرايا السلام، إلى التدخل. لكن الصدر لم يستجب حتى الساعة، وهو الذي أنزل رجاله بأسلحتهم في بغداد في بداية أكتوبر، وتعهد ب"حماية" المحتجين. وفي كربلاء، وقعت مواجهات جديدة ليلاً بين المتظاهرين والشرطة التي أطلقت الرصاص، والقنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، حسب مراسل فرانس برس. ونشرت الشرطة تعزيزات في الناصرية التي قتل فيها أكثر من 40 محتجاً يومي الجمعة والسبت، وفي مدينة البصرة. ووصل نحو 500 عنصر من قوات الأمن إلى الناصرية، ونحو 150 إلى البصرة لتعزيز أمن السجون أين يقبع متطرفون، تحسّباً لأي محاولة استفادة من الفوضى القائمة للفرار. وفي بغداد أعلنت السلطات الثلاثاء إطلاق سراح 16 متظاهراً أوقفوا في الاحتجاجات.