يترقب الجزائريون الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 ديسمبر الجاري، والتي تعد خامس انتخابات تعددية تشهدها البلاد منذ عام 1995، وال11 منذ الاستقلال عام 1962، والتي من المنتظر أن تنهي الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ فبراير الماضي. ويتنافس في الانتخابات المقبلة خمسة مرشحين، هم: عز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وعبد القادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني، ورئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، وعلي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات، وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل. وتتميز الانتخابات الرئاسية المقبلة بثمانية أسباب جعلتها تاريخية في نظر الشارع الجزائري والمحللين والمراقبين، وهي: الحراك الشعبي تعد الانتخابات الرئاسية المقبلة هي أحد النتائج المباشرة للحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير الماضي وأجبر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على سحب ترشحه لفترة رئاسية خامسة، كما رفض تمديد الفترة الرابعة التي كان مقرر أن تنتهي في 18 أبريل الماضي، وأجبر بوتفليقة على تغيير الحكومة ثم الاستقالة في 2 أبريل الماضي. وكان إجراء انتخابات رئاسية نزيهة على رأس مطالب الحراك الذي طالب بإقصاء رموز نظام بوتفليقة عن المشهد السياسي قبل إجراء الانتخابات، وهو ما تم بشكل كبير، إذ لخص الحراك الشعبي مطالبه بإقالة رموز نظام بوتفليقة في مصطلح "4 باءات" في إشارة للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ومعاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني، والطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري، ونجح الحراك حتى الآن في إجبار كل من بوشارب وبلعيز على الاستقالة. وأعرب الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس الأركان أكثر من مرة منذ بداية الحراك عن رفضه لإقالة كافة المسؤولين في الدولة المحسوبين على النظام السابق، ووصفه بأنه "مطلب غير منطقي". غياب مرشح الجيش اعتاد الشارع الجزائري على أن الجيش دائما ما يؤيد مرشحا في السباق الانتخابي، إلا أن هذه المرة الفريق قايد صالح حرص على التأكيد على أنه لا مرشح للجيش في هذه الانتخابات، نافيا وجود أي طموح سياسي لقيادات المؤسسة العسكرية. ويؤكد الفريق قايد صالح طوال الوقت أن الجيش ملتزم بمهامه الدستورية، ويؤدي دوره في حماية الحراك ودعم مؤسسات الدولة، وخاصة قطاع العدالة فيما يخص محاسبة الفاسدين. غياب حزب جبهة التحرير الوطني يعد حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الحاكم في الجزائر منذ الاستقلال عام 1962، وجاء غيابه عن تقديم مرشح باسمه أو دعم أحد المرشحين الخمسة في الانتخابات المقبلة، نظرا لسوء صورته في الشارع الجزائري نتيجة الممارسات التي اقترفها مسؤولو الحزب خلال العشرين عاما الماضية، والتي تم بناء عليها إحالة اثنين من أمناء العموم للحزب، هما محمد جميعي وجمال ولد عباس، إضافة إلى عدد من قياديي الحزب للمحاكمة بتهمة الفساد المالي. لجنة الوساطة والحوار الوطني شكل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح تلك اللجنة في يوليو الماضي لتقوم بمهمة الحوار مع كافة الأطراف والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية بهدف الوصول على توافق يفضي إلى انتخابات تأتي برئيس منتخب للبلاد. وجاء تشكيل اللجنة عقب فشل الدعوة للانتخابات الرئاسية في 4 يوليو الماضي بسبب عدم تقدم أي مرشح لها لرفض الأحزاب والحراك الشعبي إجراء الانتخابات تحت إشراف حكومة نور الدين بدوي، الذي كان وزيرا للداخلية في عهد بوتفليقة. وأنهت الهيئة عملها مطلع سبتمبر الماضي باقتراح 120 تعديلا على قانون الانتخابات الحالي، واقتراح تشكيل السلطة المستقلة للانتخابات، وقدمت في تقريرها النهائي كافة مقترحات الأطراف التي التقت بها، حيث التقت الهيئة 23 حزبا من أصل 50 حزبا، كما التقت بأكثر من 5670 حزبا وجمعية وشخصية وطنية، باعتبارها كيانا للتنسيق وليس للتفاوض. السلطة المستقلة للانتخابات تشرف على الانتخابات المقبلة، لأول مرة في تاريخ البلاد، جهة مستقلة عن الدولة تم استحداثها كأحد مخرجات لجنة الوساطة والحوار الوطني من أجل الإشراف ومراقبة كافة مراحل العملية الانتخابية، وهي السلطة المستقلة للانتخابات، التي تشكلت بقرار رئاسي يوم 14 سبتمبر الماضي، وذلك بعد مصادقة البرلمان على تأسيسها، برئاسة محمد شرفي وزير العدل الأسبق. وآلت للسلطة الجديدة كافة صلاحيات الانتخابات التي كانت من اختصاص وزارتي الداخلية والعدل والمجلس الدستوري "أعلى هيئة دستورية في البلاد". وتتولى السلطة الجديدة كافة مراحل العملية الانتخابية بدءا من مراجعة القوائم الانتخابية واستلام ملفات المرشحين والفصل فيها، مرورا بإجراء ومراقبة والإشراف على العملية الانتخابية، وصولا إلى إعلان النتائج الأولية للانتخابات على أن يعلن المجلس الدستوري النتائج النهائية. وتتشكل السلطة من مجلس ومكتب ورئيس، وتضم 50 عضوا، هم: 20 عضوا من كفاءات المجتمع المدني، 10 أعضاء من الكفاءات الجامعية، 4 قضاة من المحكمة العليا ومجلس الدولة، 2 محاميين، 2 موثقيين، 2 محضرين قضائيين، 5 كفاءات مهنية، 3 شخصيات وطنية، 2 ممثلين عن الجالية الجزائرية بالخارج. تعديل قانون الانتخابات يعد أيضا من مخرجات هيئة الوساطة والحوار الوطني التي أوصت بها في تقريرها النهائي، حيث جاءت التعديلات لتسحب أغلب صلاحيات الإشراف على الانتخابات من وزارة الداخلية والمجلس الدستوري لصالح السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي سيتم استحداثها بموجب قانون جديد، بالإضافة إلى مشروع قانون لتأسيس السلطة الوطنية. ويعد تعديل قانون الانتخابات أحد أبرز المطالب للحراك الشعبي والأحزاب السياسية، التي كانت ترى أن القانون الجديد يضع الانتخابات تحت الإشراف الكامل للحكومة، وهو ما جعلهم يشككون في نزاهة الانتخابات، التي يرون أنها في حال إجرائها تحت إشراف حكومة بدوي فإنها ستعيد إنتاج النظام السابق. إحالة العصابة للمحاكمة كان الجزائريون يخشون من تأثير الدائرة المقربة من بوتفليقة على الانتخابات المقبلة، وهي الدائرة التي أطلق عليها الفريق قايد صالح اسم "العصابة"، ولكن ومنذ استقالة بوتفليقة، تم ملاحقة عدد من رموز نظامه قضائيا، أبرزهم شقيقه السعيد بوتفليقة والجنرال محمد مدين الشهير باسم "الجنرال توفيق" والجنرال عثمان طرطاق المعروف باسم البشير بتهمة التآمر على سلطة الدولة والجيش، وحكم على كل منهم في سبتمبر الماضي بالسجن 15 عاما. كما تم ملاحقة أحمد أويحيى وعبد المالك سلال رئيسي الوزراء السابقين وعدد من الوزراء والولاة وكبار المسؤولين السابقين والحاليين بتهمة الفساد المالي بالاشتراك مع عدد من رجال الأعمال بتهم الفساد المالي، وأودع عدد منهم قيد الحبس المؤقت في سجن "الحراش" بالجزائر العاصمة، فيما وضع آخرون قيد الرقابة القضائية. الميثاق الأخلاقي للحملة الانتخابي وقع المرشحون الخمسة للانتخابات ورئيس السلطة المستقلة للانتخابات وممثلو وسائل الإعلام على الميثاق الأخلاقي للحملة الانتخابية، الذي يحدد آليات وحقوق وواجبات كل طرف خلال الحملة الانتخابية، وهو أمر مستحدث بدأته السلطة المستقلة لكي تمر فترة الحملة الانتخابية التي انطلقت يوم 17 نوفمبر الماضي، وتستمر 25 يوما، على أن تتوقف قبل الاقتراع بثلاثة أيام يسود خلالها صمت انتخابي.