حالة من الذعر تنتاب المصريين هذه الأيام بسبب الحديث عن عودة ظهور نوع من الأنفلونزا الموسمية والتي يسمونها حيناً أنفلونزا الطيور وحيناً آخر أنفلونزا الخنازير"، والتي سبق أن هاجمت مصر منذ نحو 5 أعوام وأوقعت خسائر كبيرة بشرية ومادية. ولعل ما يزيد حالة الفزع التي تنتاب قطاعات عريضة التخبط الكبير والارتباك الواضح فيما بين أجهزة الدولة ففي حين تؤكد وزارة الصحة ثبوت حالات انتشار الأنفلونزا ووفاة 24 حالة خلال 3 شهور وإصابة المئات، تنفي نقابة الأطباء وجود أنفلونزا خنازير في مصر. ذعر غير مسبوق يرى البعض أن ما يزيد المشهد تخبطاً قرار وزارة التعليم تأجيل الدراسة لمدة أسبوعين، بعد أقل من 24 على النفي القاطع الذي أعلنه د. محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم الذي أقسم بأغلظ الأيمان أنه لا تأجيل للدراسة، ورغم تأكيد الوزارة أن قرار مد الإجازة صدر لإعطاء فرصة "لم شمل" الأسرة إلا أن هذا التبرير لم ينطل على أولياء الأمور الذين ربطوا على الفور بينها وبين أشياء ما خطيرة من بينها الخوف من انتشار وباء أنفلونزا الخنازير على نطاق واسع. ورغم تراجع الخوف طيلة السنوات الماضية من انتشار أنفلونزا الخنازير إلا أن الرعب عاد بدون مقدمات، ومعه حالة ضبابية حول ما إذا كان الفيروس القاتل، هو الأنفلونزا الموسمية، أم أنه فيروس "H1N1 " المعروف بأنفلونزا الخنازير. وأيا كانت نوعية الفيروس فالرقم المعلن عن ضحاياه مثير للخوف، فقد أعلنت وزارة الصحة أن عدد المصابين بالأنفلونزا الموسمية بلغ 195، توفى منهم 24، وسواءً كان الفيروس أنفلونزا موسمية أم غيرها فالرقم مخيف، وهناك توقعات بزيادة العدد. هناك من يقول إن أرقام وفيات الأنفلونزا سنويا لا تقل عن هذا الرقم وأضعافه، وكل ما فى الأمر هو مدى الإعلان والدعاية لهذا الفيروس، لكن نقابة الأطباء، وغيرها تصدر بيانات عن الإهمال ونقص الإمكانات، وسوء أحوال المستشفيات، وتم الإعلان عن وفاة أطباء بالفيروس، ووزارة الصحة قالت إنه لا يوجد أطباء ماتوا بالمرض، وأن وفاتهم لأسباب أخرى. وحين نتذكر التحذيرات المخيفة التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية عام 2009 والإجراءات المشددة، التي لم تتوقف عند ذبح الخنازير، وقبلها الفراخ، وقوائم من التحذيرات والاحتياطات، وكميات من عقار التاميفلو، دفعنا فيها ملايين، وكالعادة تحول الحدث إلى تجارة، وسوق سوداء، وتشكلت اللجنة العليا لمواجهة أنفلونزا الخنازير، وقبلها اللجنة العليا لأنفلونزا الطيور. والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن .. لماذا وكيف عادت أنفلونزا الخنازير رغم ما عرف ب"محرقة الخنازير" التي شهدتها الأعوام الماضية والتي من المفترض أن أجهزة الدولة استأصلت خلالها أي وجود لهذه الخنازير من جذورها بحيث لم يعد هناك أي وجود لأي "خنزير" على أرض مصر.. فهل عادت "الحلاليف" ونحن لا ندري. تحريم لحم الخنزير يؤكد علماء الأزهر أن لحم الخنزير محرم على المسلمين كما جاء بالنص القرآني ، وثبت في الصحيحين أن الخنزير نجس، وبالتالي فلا يجوز الاتجار به أو الالتفات للانتفاع بشيء منه كما فعل اليهود حين حرم الله عليهم الميتة فأخذوا شحمها وأجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه. ويشير العلماء إلى أن أكل لحم الخنزير يصيب الإنسان بعدد من الأمراض ، منها مرض الشعرية الذي تسببه الديدان التي تعيش في لحم الخنزير ، والإصابة بالدودة الشريطية التي تسبب الهزال والصرع ، فضلا عن الالتهاب السحائي المخي ومرض ثعبان البطن الخنزيري وتسمم الدم الناتج عن الإصابة بالميكروب السبحي الخنزيري. ويشدد العلماء على أن حكمة التحريم حكمة تعبدية وينبغي أن نمتثل لها دون أن نسأل لماذا تم التحريم ، لأن الخالق يختار ما فيه مصلحة العباد. وتشير الأبحاث إلى أن الخنازير تعتبر وسيط ناقل خطير فيمكنها حمل عدوي فيروس أنفلونزا الطيور والأنفلونزا البشرية وقادرة علي المزج والتلاحم بينهما وانه من الممكن أن يتحور عن الفيروسين السابقين فيروس جديد قادر علي مهاجمة الإنسان وإصابته والانتقال إلي آخرين ، وطالب التقرير باتخاذ كافة الوسائل العلاجية والوقائية لمنع وصول فيروس أنفلونزا الطيور إلي مزارع الخنازير وانه في حالة إصابة هذه المزارع ستتحول إلى مصانع جديدة لفيروسات محورة وقاتلة. رأي العلم وللوقوف على الأبعاد الخطيرة لوباء أنفلونزا الخنازير تعرض "البوابة نيوز" دراسة منشورة أعدتها الدكتورة إيمان بسطويسي، باحث بقسم الفيسيولوجى بمعهد بحوث صحة الحيوان، تؤكد من خلالها أن أنفلونزا الخنازير "swine influenza" مرض تنفسي حاد ذو نسبة اعتلال عالية ودرجة هذا المرض من الخطورة تعتمد على ضراوة عترة الفيروس والعدوى التابعة له بعد ذلك بالبكتريا secondary Bacterial infection وضعف مقاومة الجسم. وحسب ما توضحه الدراسة فإن المسبب لأنفلونزا الخنازير هو فيروس أنفلونزا نوع (أ) الذي يتبع عائلة أورثوميكزو الفيروسية والفيروس له غطاء (envelope) ومادة وراثية بداخله من الحمض النووي رن أ (RNA) والغطاء يتكون من نوعين من البروتين هما هيماجلوتينين (H) ونيورامينيداز (N) حيث الصفات الأنتيجينية لهما هي أساس تقسيم الفيروس إلى عترات. وتكمن خطورة هذا الفيروس في أنه يصيب الإنسان عند تعرضه للإفرازات الأنفية للخنازير المصابة بالمرض والهواء المحيط بها وتكون حدة المرض حسب ضراوة عترة الفيروس مما قد ينتج عنه وبائيات محلية وعالمية حيث تم تسجيل وفيات آدمية في القرن الماضي مثل وباء الأنفلونزا الأسبانية حيث توفى بين 20 إلى 40 مليون حول العالم ، وفى عام 1976 وجدت حالات أعراض تنفسية حادة وفى كلتا الحالتين كان السبب هو فيروس الأنفلونزا (أ) المنتقل من الخنازير للإنسان. وليس هذا فقط هو دور الخنازير بالنسبة للصحة العامة لكن الدور الأكثر أهمية هو كون الخنازير عائل وسيط بالنسبة لفيروسات الأنفلونزا (أ) حيث تعتبر بمثابة وعاء لخلط عتراتها التى تصيب الإنسان وعتراتها التى تصيب الطيور فعلى سبيل المثال إذا أصيبت الخنازير بعترتين من فيروسات الأنفلونزا (أ) أحدهما من الإنسان والآخر من الطيور ، فتظهر عترة جديدة ربما تكون أكثر ضراوة من العترتين وقد تؤدى إلى وبائيات أو وفيات آدمية . وهذا يرجع لوجود مستقبلات لفيروسات الأنفلونزا (أ) التى يصاب بها كل من الإنسان والطيور على أسطح خلايا قصبتها الهوائية معطية وسطاً مناسباً لتكاثر هذه الفيروسات وتبادل (reassortment) أجزاء مادتها الوراثية (RNA) التي تتميز بكونها مقسمة إلى أجزاء (Segmented RNA) . ويزيد احتمال ظهور عترات جديدة ربما أكثر ضراوة من العترات المحلية إذا كانت الخنازير ترعى فى مكان مفتوح أو مخالطة للطيور البرية ولاسيما المهاجرة منها التى غالباً ما تحمل عترات جديدة على المكان . وتؤكد الباحثة أن تشخيص هذا المرض معملياً إما أن يكون بالطرق المباشرة بعزل الفيروس على خلايا الزرع النسيجي أو فى أجنة بيض الدجاج أو الكشف عن الحمض النووي رن أ لهذا الفيروس أو الكشف عن الانتيجن للفيروس باختبار الإليزا حيث يوجد الفيروس المسبب فى مسحات الأنف فى الحالة الحادة للمرض وعند انتهاء فترة الحالة الحادة للمرض يصعب العزل والتشخيص بالطرق المباشرة . لذا يكون التشخيص معملياً بالطرق الغير مباشرة (السيرولوجية) مثل الإليزا واختبار منع التلزن واختبار التعادل لفحص وجود الأجسام المضادة للفيروس حيث تؤخذ عينتين من المصل بينهما خمسة عشر يوماً ، الأولى فى فترة الحالة الحادة للمرض والأخرى فى دور النقاهة لملاحظة الزيادة الحقيقية فى معدل الأجسام المضادة من عدمه للتأكد من أن الإصابة حديثة وليس نتيجة عدوى سابقة أو تحصين . ونظراً لعلاقة هذا المرض بالصحة العامة لابد من استمرار السيطرة عليه ويكون هذا بمعرفة العترة المسببة للمرض والتحصين ضدها لتجنب ظهور أي وبائيات حيث يوصى بمعرفة العترة المسببة للمرض.