شارك كل من الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، ووزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بأعمال المؤتمر العلمي الدولي السابع، عن: "الإسلام في زمن العولمة... التراث الإسلامي وحوار الثقافات" بالعاصمة الروسية موسكو، الذي انطلق الأحد الماضي، واختتمت فعاليات أمس. وأكد "علام" أن المؤسسات الإفتائية والمجامع الفقهية والشرعية تمارس دورًا مهمًّا في تأليف قلوب بني البشر وقيادة العمل الحواري بين الأديان؛ ولا شك في أن العلماء هم قادة الحوار وبهم ينجح ويحافظ على مساره الصحيح ويمارَس بالشكل الذي يحقق النتائج المرجوة منه؛ ومن أهمها تحقيق التعايش الحضاري ونزع فتيل الفكر التكفيري وتحقيق السلم في حياة الشعوب كلها. وأضاف، أن النموذج المعرفي الإسلامي يدعو إلى عدم الالتفات إلى وجود فروقات لغوية أو عرقية أو طبقية، وإنما يتفاضل الخلق بأعمالهم التي يكونون قريبين فيها من الخالق جل وعلا؛ قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}. وأشار المفتي إلى أن المسلمين قد استطاعوا عبر كل المراحل التاريخية تفعيل هذه الرؤية والرسالة بمشاركة الحضارات والأمم بما تحويه من ثقافات متنوِّعة وأديان متعدِّدة وأعراف مختلفة، مشاركة تأصلت وتأكدت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً». وقال مفتي الجمهورية، إن المنهج الإسلامي في التعايش والحوار مع الأديان والثقافات قد ظهر في سائر أرجاء التراث الفكري الإسلامي؛ فهذا التراث يُعد منبعًا غضًّا لاستخراج وسائل تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات". وأوضح أن الاستفادة بهذا التراث الفكري في هذا السياق يتعلق بعامِلَين متلازمين: أما الأول فهو فَهم الموروث الإسلامي، وذلك يأتي بعد المعرفة الكاملة به وتحليله واستخراج المنهج الكامن وراء نصوصه ومساءلة، والوقوف على الدافع وراء هذه النصوص والقضايا والأحداث المتعلقة بالحوار مع الأديان والثقافات، مشيرًا إلى أنه لا بد في هذا السياق من معرفة عناصر العقلية التراثية، وكيف كانت رؤية المفكِّر المسلِم للعالَم؟ وما رأيه في قضايا التعايش والحوار مع الآخر؟ ولفت المفتي إلى أن العامل الثاني الذي تتعلق به الاستفادة بالتراث الفكري الإسلامي في تعزيز الحوار بين مختلف الأديان والثقافات هو امتلاك الأداة الضرورية اللازمة لفهم آليات التعامل معه، وذلك باستنباط النظريات والمناهج العلمية المتعلقة بذلك وإعادة النظر فيها وبناء أنساق تطبيقها على الواقع المتغيِّر، فالمتأمل في التراث الفكري الإسلامي يعرف أنه ككائن حي يتطور ويتفاعل مع محيطه؛ ويؤثر ويتأثر بمتطلبات عصره في ظل نموذج معرفي متكامل. وأوضح أنه في مجال الشريعة الإسلامية إذا أمعنا النظر في صنيع فقهاء الصحابة وكبار التابعين والفقهاء المتبوعين، علمنا أنَّ مراعاة المقاصد الشَّرعية والأصول الكلية والنظر إلى المآلات في سائر التصرفات كان منهجًا واضحًا مطردًا يساعدُ على معرفة الحكم المناسب للواقع، وتجاوز ما لم يعُد ملائمًا وإن كان موروثًا، مشددًا على أن أول الآليات اللازمة لاستخدام التراث الفكري الإسلامي عامة هو أن نتعامل مع هذا التراث بطريقة تتجاوز الظاهرة الصورية أو الاجترارية إلى المنهجية الواقعية، ونعني بالظاهرة الصورية أن ننظر إلى الموروث بشكل عام باعتباره مقدسًا صالحًا لكل زمان ومكان، فنُنَزِّل الفقه والاجتهاد البشري مثلًا منزلة الشريعة المعصومة، وهذا خطأ منهجي بالغ. وفي كلمته التي ألقاها "جمعة" مساء الإثنين، بحضور عموم المفتين بدولة روسيا الاتحادية وجمع من القيادات الدينية والثقافية من روسيا ومختلف دول العالم بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس الإدارة الدينية لعموم مسلمي روسيا، والذكرى الخامسة عشرة بعد المائة لتأسيس المسجد الجامع بموسكو، أكد على ضرورة احترام عقد المواطنة بين المواطن والدولة واحترام كل شعارات الدولة الوطنية من علمها ونشيدها الوطني وسائر شعاراتها المادية والمعنوية سواء أكان المسلم يعيش في دولة ذات أغلبية مسلمة أم يعيش في دولة ذات أغلبية غير مسلمة، مبينًا أن الفهم الصحيح للدين يعزز قيم الولاء والانتماء الوطني ويرسخ أسس العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، وبين الناس جميعا دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق. وأشاد الوزير بما لمسه من علاقة متميزة بين الإدارة الدينية لعموم مسلمي روسيا برئاسة سماحة الشيخ راوي عين الدين رئيس مجلس شورى المفتين بروسيا وفهمه المستنير للعلاقة بين الدين والدولة، مؤكدًا على أن هذه العلاقة تنطلق من فهم واع وصحيح لرسالة الأديان. كما شدد الوزير على أهمية العمل في الإسلام وأن مفهوم عبادة الله لا ينحصر في مجرد إقامة الشعائر التعبدية، إنما يتسع لكل الأخلاق الكريمة والقيم الإنسانية النبيلة، كما يتسع لعمارة الكون وبناء الحضارات.