شدد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، على أهمية التعليم الديني في المؤسسات الرسمية التعليمية والعملية مهما كان نوع الدراسة التي يتلقاها طالب العلم أو الوظيفة التي يقوم بها المواطن، مشيرًا إلى أنه كلما كان النسق المعرفي ممنهجًا موضوعًا على قاعدة علمية صحيحة، ومحاط بإطار منطقي وعلمي سديدة على أيدي العلماء المتخصصين في مجالات عديدة ؛ أثمر غايته المنشودة وحقق ثمرته المرجوة . وقال مفتي الجمهورية خلال كلمته الرئيسية التي ألقاها، اليوم في مؤتمر"تدريس التربية الإسلامية في المؤسسات الرسمية"، الذي يعقد في العاصمة الجزائرية الجزائر تحت رعاية الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة : أن ترك التعليم الديني لحالة الممارسة الفردية العشوائية قد تسبب في أضرار بالغة بأبنائنا وبناتنا الذين تلقوا تعليمًا خاطئًا فيما يتعلق بأمور الدين والشرع الحنيف ، فخرج علينا من يتشدد ومن يتطرف ومن يكفر ومن يفجر باسم الإسلام ، والإسلام من كل ذلك براء ، لذا يجب أن تكون هناك منهجية وتخصص في وضع مناهج التربية الإسلامية للطلاب والطالبات ، بل للموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة ، وبناءً على ذلك نضع القواعد والمناهج للوصول إلى تلك الغايات ، فلا شك أننا نتوخى تربية أجيال تتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتحيا بهدي السلف الصالح سلوكًا وفكرًا وحالًا لا زمانًا ولا مكانًا ولا هيئة . وتابع مفتي الجمهورية :"نحن بالتأكيد لا نريد أن ننتج ذلك النموذج الذي يتلقى الدين بطريقة سطحية تعتمد على مجرد الحفظ والتلقين وترديد العبارات دون فهم لمعانيها أو تعمق في مقاصدها ؛ لأن مجرد التلقين دون إيجاد القدوة والمثال لن يرتقي بالوجدان والروح شيئًا يُذكر ، ولن تحقق هذه العملية السطحية الوظيفة المعرفية التي أرادها الله من عباده حين أرسل الرسل وأنزل الكتب {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ: 46] . وأوضح مفتي الجمهورية ، أننا إذا حددنا غايتنا من خلال مناهج التربية الإسلامية ، ألا وهي تخريج الإنسان المفكر المبدع الذي تشكل وجدانه بالنموذج المعرفي القرآني ، الذي تتكامل فيه القراءة المتعمقة للقرآن الكريم والمؤسسة على الفهم اللغوي والبلاغي للغة العرب مع القراءة الكونية التأملية لكتاب الله المنظور بكل معارفه وأسراره وما أودعه الله فيه من براهين قدرته وآيات حكمته كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]، سوف نؤسس لشخصية الإنسان المسلم الذي يتصالح مع الكون والحياة والعلم ، والذي يرى أن العلم الكوني التجريبي ، ما هو إلا وسيلة من وسائل المعرفة التي قررها القرآن الكريم والتي نتج عنها حضارة علمية أبهرت العالم وأفادت البشرية ونشرت الخير حيثما أشرقت شموسها . وأشار مفتي الجمهورية ، إلى أن هناك قيمًا أخرى نحتاج لإدراجها في مناهجنا التربوية الإسلامية ، كقيمة التعايش ، وهي قيمة كبرى تندرج تحتها الكثير من القيم الأخرى كالتفاهم والحوار والتسامح وقبول الآخر مهما اختلفنا في الفكر والرأي والعقيدة ، وهذه قيمة قرآنية مضمنة في قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] ، وفي قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] ، وأيضًا هي ماثلة ظاهرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رغم ما كان بينه وبين كفار قريش من اختلافحيث رسخ صلى الله عليه وآله وسلم قيمًا عظيمة من قيم الإسلام الكبرى ألا وهي التسامح وأداء الأمانات وعدم الانتقام أو التشفي فقد وضع صلى الله عليه وآله وسلم عند هجرته للمدينة دستور للتعايش والتسامح بين كافة التشكيلات الفكرية والعقدية التي كانت موجودة في المدينةالمنورة على نحو أكثر تعقيدًا مما كان عليه الحال في مكة شرَّفها الله . وبين مفتي الجمهورية ، أن الإسلام لم يأت لكي يلغي وجود الآخر ولا لكي يستأصل شأفة المخالفين له ، بل أتى لدلالة الناس على الخير والحق بالحكمة والموعظة الحسنة ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وإذا كان الإيمان والكفر أمرًا اختياريًا بنص القرآن الكريم ، فمن ثم لا بد من إيجاد صيغ وقوانين التعايش المشترك الذي فيه الخير والسلام للنوع الإنساني بصفة عامة . واختتم فضيلة المفتي كلمته بقوله: "إن التربية الإسلامية الصحيحة المؤسسة على ما ذكرناه من مؤسسية وتخصصية ومنهجية وقيمية لكفيلة بإذن الله تعالى أن تخرج لنا إنسانًا يعرف دينه عقيدة وأحكامًا وسلوكًا ، لا يتأثر بالدعوات الهدامة التي يبثها أهل الإرهاب والتطرف محاولين سلخ الشباب عن دينهم وعن سماحتهم ، مستغلين فقر المعرفة الدينية ، مع توفر الطاقة والحيوية والاندفاع لدى الشباب ، وها نحن نرى نتائج هذا التعليم المشوه في الشباب الذي سارع بالانضواء تحت لواء هذه الجماعات الضالة المنحرفة" .