أصدرت المؤسسة المصرية الروسية كتاب الحرب العالمية الثانية من وجهة النظر السوفيتية، من تأليف جي ديبورين وإعداد الجنرال زوبكوف وتعريب وتعليق خيري حمّاد. تمر هذه الفترة 75 عامًا على الحرب العالمية الثانية، أو "الحرب الوطنية العُظمى"، كما يُطلق عليها في روسيا، والدول المحيطة، وكما كان يُطلق عليها إبّان حقبة "الاتحاد السوفيتي" والدول الاشتراكية السابقة، نظرًا لما تكبدته شعوب هذه المنطقة من آلام، وما دفعته من ثمن باهظ، بلغ نحو عشرين مليونًا من الشهداء والضحايا، فضلًا عن الخراب والتدمير الهائلين، اللذان حققا بالمدن والمصانع والطرق والجسور، وسائر مكونات البنية الأساسية، في هذه البلدان. يرصد مُعَرَّب هذا الكتاب في مقدمته افتقار المكتبة العربية لدراسات وكتب تعرض وجهة النظر السوفيتية في الحرب العالمية الثانية، ف "جميع الكتب التي تُرجمت إلى العربية عن هذا الموضوع تعرض وجهات نظر غربية مختلفة، منها الإنجليزية والأمريكية والألمانية والفرنسية والإيطالية"، لاسيما وأن هذه الكتب، كما يقول: " لم تعكس الدور العظيم، الذى مثّله الاتحاد السوفيتي وجيشه وشعبه في الحرب العالمية الثانية وفي القضاء على القوى الفاشية التي تزعمتها ألمانيا الهتلرية"، ومن هنا تبرز أهمية هذا الكتاب على الصعيد الثقافي العربي، فهو أول كتاب يعكس وجهة النظر السوفيتية في الحرب العالمية الثانية، وهى " وجهة نظر في منتهى الأهمية، لأنها تمثل الدور الضخم والعظيم، الذى أداه الاتحاد السوفيتي في كسب هذه الحرب، وإنقاذ الجنس البشري من ويلاتها، كما تعرض الصورة الصحيحة لهذا الدور الذى حاول المؤرخون الغربيون، وكُتّاب اليوميات والمُذكرات، التقليل من قيمتها، انسجامًا منهم مع اتجاهاتهم الأيديولوجية، ونزعاتهم البرجوازية المعادية الاشتراكية ". يشرح الكتاب الأسباب العميقة التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، وهى أسباب لا تخرج عن عاملين أساسيين، كما يُوضح المؤلف، أولهما: التناقضات الضخمة التي تقوم بين الدول الإمبرياليّة في العالم اصطراعًا منها على المصالح الاحتكارية، والأسواق الاستعماريّة، والموارد الأوّليّة، وثانيهما: الرغبة العارمة، لدى هذه الدول الإمبريالية التي تمُثل النظام الرأسمالي السائر في طريق الانحلال والانهيار، للقضاء على النظام الاشتراكي، (الذى كان قائمًا آنذاك)، والذى يُمثل الخطر الأكبر الُمهدِّد للاحتكارات العالميّة وأهدافها الإمبرياليّة، ومطامعها التوسعيّة والاستعماريّة، ولعل هذا يُفسر لنا المساعي الخبيثة المحمومة التي قامت بها القوى الإمبرياليّة العالميّة، لبعث القوة العسكريّة الألمانيّة بعد الحرب العالمية الأولى ودعمها، وإيصال الحزب النازي إلى الحكم، وذلك لاستخدام ألمانيا الفاشية وقوّتها العسكريّة في محاربة الاتحاد السوفيتي التي رأت فيه الإمبرياليّة الخطر الأول الذى يُهددها. لكن التناقضات الإمبرياليّة، بين ألمانيا الفاشيّة التي يرجع الفضل في خلقها وتقويتها إلى الاحتكارات الأمريكيّة والبريطانيّة والفرنسيّة، وبين الدول الغربيّة، ما لبثت أن طفت على السطح، ووجهت العدوان الألماني الذي جاء نتيجة طبيعية لسياسات الغرب، إلى الدول الغربيّة نفسها. ويُرَكِّزُ الكتاب أول ما يُرَكِّزُ على الدور العظيم الذي مثّله الاتحاد السوفيتي في الحرب العالميّة الثانية، أو "الحرب الوطنية العظمي" كما كان يسميها الاتحاد السوفيتي السابق، وتُسميها الدولة الروسيّة الآن، مؤكدًا على أن الفضل الأول والأكبر في تحطيم القوة العسكريّة الألمانيّة الرهيبة، التي تمكَّنت من اجتياح القارة الأوروبيّة كلها والسيطرة عليها، يعود إلى الاتحاد السوفيتي، وجيشة وإلى شعبه وإلى نظامة الاشتراكي الذى مكَّنه من الصمود أمام التفوق الذى حقّقته ألمانيا في بداية الحرب، في الإنتاج، وميادين الإعداد والتسليح، وهو هنا، كما يذكر المُعَرِّبُ: " يرد على المؤلفات الغربيّة البرجوازيّة، التي خرجت عن الحدود الموضوعيّة وحاولت التقليل من أهمية الدور العظيم الذى قام به الاتحاد السوفيتي في تحقيق النصر النهائى، لا على ألمانيا وحسب، بل وعلى اليابان أيضًا". فالكتاب يعرض، على سبيل المثال، معركة ستالينجراد عرضًا عسكريًا رائعًا، ويُبيِّنُ أن هذا المعركة التاريخية هي التي قلبت موازين الحرب وحوّلتها لمصلحة التحالف المناوئ للفاشية. فمنذ اللحظة التي مُنى بها الجيش الألماني بهزيمته التاريخية أمام صمود هذه المدينة الجبارة، والتي أفقدته مئات الألوف من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى نحو أربعمائة ألف وقعوا في أسر الجيش السوفيتي، تحوّل سير الحرب لمصلحة الجيش الأحمر. كذلك فإن عرض المؤلف الشامل لمعركتي موسكو وليننجراد، ولمعارك الدون والقوقاز، والفسنولا، وبوادبست، وبرلين، لا يقل في شموله واستناده إلى الحقائق العسكرية عن عرضه لمعركة ستالينجراد، فقد كانت هزيمة الألمان أمام موسكو في الشتاء الأول للحرب الألمانية السوفيتية نقطة التحوّل في أوضاع الحرب وظروفها، إذ حطمت المخططات التي كانت القيادة العليا الألمانيّة قد وضعتها لإلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفيتي في غضون بضعة أسابيع. ومن أهم ما عنى به الكتاب والمؤلف، كما يوضح المُعَرِّبُ إبراز دور الشعب في هزيمة المحور، لا في أوروبا وحدها، بل وفي آسيا أيضًا. فلولا المقاومة الجبّارة التي أبدتها شعوب الاتحاد السوفيتي، سواء في جبهات القتال، أو في المؤخرة، لما تمكن الجيش السوفيتي من تحقيق انتصاراته العظيمة، بعد أن فقد جزءًا كبيرًا من أراضيه ومناطقه الصناعية وموارده الأوّليّة. ولا شك في أن الأرقام والدراسات التي ساقها المؤلف عن تطور الإنتاج الحربي السوفيتي إبّان سني الحرب، تقيم الدليل على أن الجهد الجبار الذي بذله الشعب السوفيتي، كان له الفضل الأكبر في تحقيق تلك الانتصارات. ولا ينسى المؤلف أن يؤكد أيضًا على دور الشعوب في النضال الجبّار الذي خاضته أوروبا ضد الاحتلال النازي، والذي استنزف الكثير.