نشر مركز البحرين للدراسات والإعلام، دراسة حول الفوارق الواضحة بين حقوق الإنسان في العالم العربي وبين حقوق الإنسان في بقية دول العالم.. والحقيقة أن هذه الفروق لا تعنى هذا التمايز بين أوضاع ومكتسبات هذه الحقوق في العالم العربي وبين أوضاعها وضماناتها في بقية دول العالم. ولكن، ما يعنيه المقال هو ذلك الفهم المغلوط الذى يثار بشأن أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي، فنجد أن المنظمات الدولية المعنية بهذه القضايا وكذلك مواقف بعض القوى السياسية التي تحاول أن تعطى لنفسها صفة المعارضة للنظم الحاكمة لديها خلط فى الفهم أو فهم مغلوط ومشوش بشأن منظومة حقوق الإنسان. فعندما جاهد المفكرون والفلاسفة ضد الامبراطوريات الحاكمة لانتزاع حق الشعوب وحرياتها لم يكن فى مخيلتهم أن تكون حقوق الأفراد وحرياتهم على حساب كيان الدولة واستمرارها، فإذا كان صحيحًا أن ثمة حقوق للأفراد داخل الدولة وعلى أجهزة الدولة حمايتها والذود عنها وعدم انتهاكها تحت أي مزاعم أو مبررات، فإنه من حق الدولة أن تبسط سيطرتها وسلطتها على مؤسساتها لضمان أداء كفء للمواطنين، ولكن أن تفهم هذه المنظمات الدولية والإقليمية وكذلك بعض القوى السياسية أن الحديث عن حقوق الإنسان يعنى فحسب الحديث عن حقوق مجموعة من الأفراد في المجتمع، حيث ينصرف الفهم في هذه الحالة إلى الأفراد المعارضين للسلطة، فكل ما يصدر عنهم من أفعال أو تصريحات مقبولة وتأتى تحت بند حماية حقوق الإنسان، متغاضين في ذلك عن أمرين: الأول حق الدولة في تطبيق القانون وسيادته على الجميع، أما الأمر الثاني فيتعلق بحق بقية أفراد المجتمع في التعبير عن آرائهم بكل حرية والدفاع عن مواقفهم دون وصمهم بأنهم من اتباع السلطة فلا حقوق ولا حريات لهم. ولكن ما يجرى في بعض البلدان العربية إن لم يكن كلها هذا الفهم المغلوط، ففي مصر على سبيل المثال حينما تخرج أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسى بمظاهرات مخالفة لما أوجبه القانون، ويُرتكب خلالها الكثير من جرائم القتل والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وحينما تتدخل أجهزة الدولة المعنية لمنع تلك التجاوزات والانتهاكات خاصة إذا ما حدث اشتباكات بين هؤلاء المتظاهرين والمواطنين الرافضين لمواقفهم، نجد أن بيانات المنظمات الدولية تدين الموقف الحكومي وتعتبره انتهاكًا لحقوق الإنسان، ولم يختلف الأمر كثيرًا إذا ما نظرنا إلى الموقف في مملكة البحرين، فالإرهاب الذى تمارسه جمعية الوفاق ورفاقها والعنف الذى ترتكبه والاعتداءات المستمرة على الجميع، لم نجد هناك منظمة دولية معنية بحقوق الإنسان تصدر بيانًا تدين فيه مثل هذه الممارسات كونها تخالف حقوق الإنسان أيضًا لأنها مثلت اعتداء على الدولة وكذلك اعتداء على حقوق بقية أفراد الشعب الرافضين لمواقفها وسياستها، فعلى سبيل المثال حينما يأتى تقرير منظمة العفو الدولية (المعروفة اختصارًا امنستى) فى أوائل ديسمبر الجارى ويتهم السلطات البحرينية بإساءة معاملة الأطفال، فإلى أى مدى يتفق هذا مثل هذا التقرير مع الواقع البحرينى؟ فهل استندت المنظمة فى تقريرها إلى ما سجلته الوثائق الحكومية فى تعاملها مع هؤلاء الأطفال أم استندت إلى حكايات جمعية الوفاق وأعضائها طالما اعتبرتهم المنظمة هم المدافعون عن حقوق الإنسان. خلاصة القول أن النظرة غير الواعية إلى كيفية تحقيق المعادلة فى منظومة حقوق الإنسان بين حق المواطن فى العيش بحرية وكرامة وبالحصول على كل استحقاقاته، وبين حق الدولة فى تطبيق القانون وفرض سيادتها على المخالفين لأحكامه، تمثل الفارق فى رؤية المنظمات الدولية لقضية حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، تلك الرؤية التى تتباين عن رؤيتها تجاه ما يجرى فى الدول المتقدمة، فحينما تقوم السلطة فى الولاياتالمتحدة وبريطانيا بالتعامل بكل حزم وقوة مع المتظاهرين فى حالة مخالفتهم للقانون، ترى المنظمات تدافع عن حق الدولة فى هذا الخصوص، وإذا ما حدث الأمر ذاته فى العالم العربى تجد الإدانات والشجب والمطالبة، ليؤكد ذلك أن الازدواجية فى المعايير هى الحاكمة فى وضع تقارير هذه المنظمات الدولية التى تصطف لجانب من الشعب ضد بقية الشعب، فهل هذا مقبول فى بلادنا؟.