تعتبر سوريا من أقدم البلدان الحضارية فى العالم؛ حيث يُشير هورست كلينكل مدير معهد تاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم فى كتابه «آثار سوريا القديمة»، والصادر عن منشورات وزارة الثقافة السورية عام 1985، إلى أن البحوث الأثرية والتاريخية فى العقود الأخيرة قدمت الدليل تلو الآخر على عراقة سوريا وحضارتها، ولا سيما التي ازدهرت قبل الإسلام، معددًا الفترات والمراحل التاريخية التى مرت بها سوريا منذ العصر الحجري، مؤكدًا أنه ورد ذكر سوريا فى النصوص المسمارية الرافدية والنقوش الهيروغليفية المصرية لأول مرة فى الألف الثالث قبل الميلاد، أى خلال عصر البرونز القديم. وأشار «كلينكل» فى كتابه إلى أن سوريا من أول البلدان التى بدأت بها بعثات التنقيب الأثري، ففى العام 1911 بدأت بعثة ألمانية برئاسة البارون ماكس فون أوبنهايم أعمال التنقيب الأثري فى تل حلف الجزيرة السورية، والتى أسفرت عن كشف آثار تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، إضافة إلى آثار قصر لأحد الملوك الآراميين، وكانت التماثيل والمنحوتات المكتشفة فى هذا القصر دليلًا ماديًا على المستوى الراقى، الذى وصلت إليه الفنون مطلع الألف الأول قبل الميلاد. وباشرت بعثة أثرية فرنسية برئاسة عالم الآثار بيزارد عام 1921، أعمال التنقيب فى تل النبي، القريب من حمص، وأسفرت أعمالها عن كشف أجزاء من مدينة قادش، التى ورد ذكرها فى نصوص الألف الثانى قبل الميلاد كمسرح للمعركة الفاصلة بين الحيثيين وجيوش الملك رمسيس الثاني. كما أجرت بعثة أثرية، برئاسة دومينسيل دوبوبيسون، فى 1924 تحريات أثرية فى تل المشرفة الواقع إلى الشمال الشرقى من حمص، والتى كانت تجرى عن مدينة قطنة التى ورد ذكرها فى نصوص الألف الثانى قبل الميلاد. وأجرت بعثة تشيكوسلوفاكية بحوث أثرية فى تل رفعت الواقع على بعد 35 كم شمال غرب حلب، وكانت من نتائج أعمالها الكشف عن آثار مملكة «أرباد» الآرامية، لكن تحريات البعثة الأثرية البريطانية التى استأنفت البحوث فى الموقع نفسه خلال الستينيات، كشفت أن الإنسان استقر فى تل رفعت منذ العصر النحاسي «الألف الخامس قبل الميلاد». كما عثرت بعثة أثرية فرنسية خلال أعمال التنقيب قرب حلب بين عامى 1926 و1927، على شواهد كتابية «مسمارية» ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، وحقق عالم الآثار الفرنسى دومينسيل دوبويسون فى 1930 اكتشافا أثريا فى تل خان شيخون الواقع على الطريق العام بين حماة ومعرة النعمان. ويؤكد مدير معهد تاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم، أن مدينة حماة التى اشتهرت بمبانيها التاريخية، كان يقوم فى وسطها تل أثرى امتدت إليه معاول التنقيب فى الثلاثينيات، وقد تبين من البحوث التاريخية أن السُكان تعاقبوا على حماة عبر مختلف العصور القديمة حتى العصر الحجرى الحديث «الألف السادس قبل الميلاد»، كما اتضح من الدراسات المسحية أن حماة كانت عاصمة لمملكة آرامية لعبت دورًا مهمًا فى مطلع الألف الأول قبل الميلاد. ورصد الكتاب العديد من المواقع الأثرية السورية، وكان على رأسها مدينة تدمر التى تتوسط الطريق الواصل بين الفرات وسواحل بلاد الشام التى تكثر على شواطئها الموانئ والبلدان، وكانت اللغة اليونانية دارجة نطقًا وكتابة فى تدمر، وتجلى ذلك فى التعريفة الجمركية التى نقشت بنودها على حجر عرضه 5 أمتار محفوظ فى متحف ليننجراد، ويعود تاريخ هذه الوثيقة المهمة إلى سنة 137 بعد الميلاد. ورغم ما تزخر به سوريا من مواقع أثرية قديمة- قبل الإسلام- أو مواقع أثرية إسلامية، مثل المسجد الأموى، إلا أن العديد من هذه المواقع شهد عمليات تدمير على نطاق واسع من قبل تنظيم «داعش» الإرهابى منذ بداية الأعمال العدوانية التى شهدتها العديد من المدن السورية. وكان فى مقدمة المعالم الآثرية التى تم تدميرها، مئذنة المسجد الأموى الذى يُعد من روائع الفن المعماري الإسلامي، ومدرج فى لائحة التراث العالمى باليونسكو، وهو جامع بنى أمية الكبير، والذى يُعرف اختصارًا بالجامع الأموي، وهو المسجد الذي أمر الوليد بن عبدالملك بتشييده فى دمشق، ويُعد رابع أشهر المساجد الإسلامية بعد حرمى مكةوالمدينة والمسجد الأقصى، كما يُعد واحدًا من أفخم المساجد الإسلامية. وكان لمدينة تدمر نصيب كبير من أعمال التدمير والتخريب، وهى المدينة المدرجة على قائمة التراث العالمي، ودمر التنظيم الإرهابى أجزاء من أحد أشهر معالم المدينة الأثرية، وهو «التترابليون» بالإضافة إلى واجهة المسرح الروماني الذى يعود للقرن الثانى الميلادي. ودمر التنظيم الإرهابى آثارًا أخرى فى المدينة بما فى ذلك قوس النصر الذي يبلغ عمره 1800 عام، خلال احتلاله الأول للمدينة. ورغم ما شهدته المعالم الأثرية السورية من أعمال تدمير وتخريب على يد التنظيمات الإرهابية التى تُعادى الحضارة والمدنية وتقف لها بالمرصاد، إلا أن سوريا تظل رغم ذلك واحدة من أقدم بدان العالم حضاريًا، التى تضرب جذور مواقعها الأثرية فى أعماق التاريخ.