سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صور| رمضان في الريف.. الفلاحون في الحقول.. معاناة وشقاء صيام تحت أشعة الشمس.. حاملو الفأس: الثواب أكبر من الجوع والعطش.. والرجل والمرأة سواء في قانون الأرض
تعلو فوقهم أشعة الشمس الحارقة ويتناثر التراب حولهم ويتصبب العرق من جبينهم صبا، فقد عانوا من حرارة الجو وشقاء العمل والجوع والعطش من إثر الصيام، إنهم "الفلاحون في شهر رمضان" الذين يمضون حياتهم في كد وتعب في زراعة الأرض وحصاد المحصول وأغلب مجهوداتهم تكون خلال ساعات الذروة. هنا ترى فلاحا يزرع أرضه وآخر يرويها وآخر يجني ثمار تعبه طيلة أشهر، فهم الطبقة الأكثر اجتهادا وكدا في عملهم، وهم الأقل عائدا ماديا لكنهم رغم ذلك أكثر الناس في الرضا والتفاؤل والصبر. في إحدى قرى القليوبية، تجولت "البوابة نيوز" لرصد معاناة الفلاحين عن قرب خاصة خلال الشهر الكريم ومجابهة حرارة الشمس والعطش والرجوع للبيت بعد آذان المغرب. جمال المساحات الخضراء وشقاء الوجوه والأيدي التي لم تعرف للنعومة طريقا، عكس طبيعية الحياة الريفية وجسد قول الإمام محمد عبده -رحمه الله- عندما قال: "اللهم ارزقني إيمان الفلاح البسيط، الذى يأكل من العشب، وينام على العشب، ويصلى على العشب، ويموت على العشب". الأرض زي الابن يلبي "عم حسين" احتياجات أرضه يوميا، فهي كما وصفها مثل أبنائه وأن مكانتها وقدرها في قلبه لا تقل عنهم، فدائما يزورها ويقضي الكثير من أوقاته معها، منفذا ما تحتاجه وحامدا شاكرا لما تعيطه له في النهاية. ويقول "حسين" إن الأرض تحتاج للحراثة للتنشيط حتى تستطيع استقبال زرعا آخر، فيستلزم تحريك تراب الأرض وقلب عاليها سافلها لكي تصل الشمس إلى كل أجزاء الأرض لتستفيد منها. وأضاف أن التراب المحروث تتخلله المياه بشكل أكبر وأنه في حالة عدم حراثة الأرض فإن مياه الري تبقى على سطح الأرض فتتعرض للتبخر، كما أن تقليب الأرض وحراثتها يعمل على استئصال الحشائش من الأرض التي تعيق نمو النباتات وتمتص غذاءها وماءها. بدأ شغف "عم حسين" بعمله وتقديره لمجهوده وعرفانه بأرضه، واضحا كوضوح الشمس مما دفع ابنه "محمد" صاحب الستة أعوام للإنصات بشدة لكلام أبيه وتعلوه نظرات الإعجاب به، فكان ينصت إليه وينظر إلي عيني والده مباشرة وممسكا يده اليمني، مما دفعني لمقاطعة أبيه موجهة السؤال إليه "لماذا أتيت مع والدك اليوم رغم درجة الحرارة العالية وسألته السؤال السخيف المتعاد هل أنت صائم اليوم"، فأجاب أنه يقدر تعب والده ولذلك يأتي لمساعدته ووصف ذلك بعبارة تبدو أكبر من سنه، قائلا أبي يتعب من أجلنا فلماذا لا نساعده في ذلك. وأضاف أن الصيام مرهق في هذا الجو الحار وبالفعل أعاني من الحرارة والعطش ولكن ما يحثني على الصبر، هو ما أخبرني به والدي ذات يوم؛ وهو أن الثواب على قدر المشقة، وأن الثواب في بعض الأحيان يفوق بمراحل الإحساس بالجوع والعطش. قيلولة بجوار الترعة لتخفيف الحر ظل يغطي المكان ونسائم تحرك الشجر هنا وهناك وهواء رطب أهدته المياه لمن يجلس بجوارها، فهنا قرر الصبي "محمود" تخفيف حدة الشمس، باللجوء إلى استراحة بجانب "الترعة" المقابلة لأرضه، فترى من حولك تحرك الرياح مع حفيف الشجر، وكأنما تأخذه نومته البسيطة إلي جدران بيته. فيقول "عبد الرحمن" صاحب ال 11 ربيعًا، أنه يأتي مع والده لمساعدته خاصة وأنه قد أتم فترة الامتحانات واصفا ذلك بفرحة شديدة لأنه قد أبلى بها بلاء حسنا، وأضاف أن الذهاب للأرض والجلوس بجوار المياه التي تظللها الأشجار بعد إرهاق شديد، يُنسيه عذاب الصيام كما أن المسافة التي يقطعها ذهابا وإيابا تشعره أن نصف يوم الصيام قد ولى. وأضاف "عبدالرحمن" أن إحساسه تجاه أرض أبيه التي ورثها عن والده مثل إحساسه ببيته، فقد قضى فيها أوقاتًا طويلة منذ طفولته فكان يستمتع بين شجيراتها باحتفالات الربيع مع أسرته، ولطالما جاء إليها مع أصدقائه وأشار في نهاية حديثه أنه يحب المدرسة كثيرًا كما أن معلميه يقدروا اجتهاده، وأنه يطمح أن يكون مهندسًا في المستقبل، لكنه أوضح أنه لن يتخلى عن الأرض مثلما فعل والده ولم يتخلى عن إرث أبيه. قانون الأرض.. الشغل للست زي الراجل توجد قوانين مختلفة للأرض الزراعية، ودائما تفرض شروطها على الجميع، فهنا لا يختلف الرجل عن المرأة من حيث الشقاء في الزراعة والري والحصاد، وذلك بسبب كثرة الواجبات واحتياجات الأرض التي لا تنتهي، فترى السيدات يعملن مثل الرجال لمساندتهم، فهنا حملت هذه السيدة حزمات من "البرسيم" لإطعام المواش. وأكثر ما يميز الأسرة الريفية التقليدية، هو أن جميع أفراد الأسرة وأحيانًا العائلة يعملون معًا ويعيشون في بيوت تسمى "بيوت العائلة"، فيزرعون ويقومون بتربية الماشية وصنع منتجات الألبان وحراثة الأرض وريها وحصادها دون تخصص في العمل أو تقسيم أو تفرقة بين رجل وامرأة، فيتم تجنيد جميع أفراد الأسرة للعمل، وذلك لما تقتضيه طبيعة العمل من توفير الأيدي العاملة. فالمرأة في المجتمعات الريفية الزراعية تساهم في كل مراحل الإنتاج الزراعي، ولم يكن أحد يعارض عمل المرأة في الحقل إلى جانب زوجها، وكدحها بشكل عفوي وتلقائي، ربما كان ذلك لأن الإنتاج التقليدي القائم على استثمار الأراضي الزراعية يستلزم بقاء نظام القرابة ويحرِّض على التماسك العائلي، على أساس أن الإنتاج الاقتصادي في هذه الحالة مطبوع بطابع الاقتصاد الذاتي، وهو الإنتاج الذي تسهم فيه المرأة بدور قد يفوق دور الرجل. راعي الغنم رياح معبأة بالأتربة، فالغبار يكسو الهواء من حوله، وأغنام وخراف تأكل من حشائش الأرض، وراعٍ ممسك بعصا طويلة يهش بها على غنمه، وشمس حارقة تبعث حرارتها على كل هؤلاء. هنا يقف الراعي "حمدي سليمان" صاحب الثمانية وثلاثين عامًا، وبجواره قطيع من الأغنام في أرضه، قائلا أنه يأتي بهم يوميًا إلى الأرض رغم شدة الحرارة والصيام والمجهود البدني، ولكن ذلك يحسن من نموهم على حد وصفه. وأضاف "سليمان" أنه ورث مهنة الرعي عن والده وإخوته الأكبر منه سنًا ويعمل بها منذ أكثر من 20 عامًا، وأضاف أن إخوته قد التحقوا بوظائف وتركوا الرعي، ليصبح هو الوريث الوحيد لمهنة والده، ولكنه أشار أنه لا يتمنى لأولاده هذه المهنة نظرا لما عاناه طيلة حياته من شقاء وكد وقلة مردود مالي والتجول تحت أشعة الشمس تارة وتحت الأمطار تارة أخرى، ومواجهة الأيام العاصفة والمليئة بالغبار. وأوضح أن أطفاله يتلقون تعليما في المدارس ويتمنى لهم فرص عمل في القطاع الحكومي أو الخاص، لتضمن لهم حياة كريمة، لئلا يعانوا مثله من حياة الكد والتعب. وقال "سليمان" إن الأغنام والخراف تحتاج للتجول في الأراضي ولا يكفيها الطعام والشراب فقط في أماكن مغلقة، بل تُترك على طبيعتها تتجول وسط الرياح ونور الشمس والحشائش الخضراء، وأيضًا لأن ذلك يجعل الناس تشتري منهم في الوقت الحالي، حيث إن معظم الفلاحين يفضلون اقتناء الأضحية قبل ذبحها في عيد الأضحى المبارك بعدة أشهر، وأضاف "حمدي" أنه على الرغم من عمله بالرعي منذ أكثر من 20 عامًا، إلا أنه يعاني من الصيام والحر والعطش الشديد، خاصة أنه يتجول بهم طيلة ساعات النهار، مشيرًا إلى أنه يقوم برش الماء على وجهه من الحين للآخر وأحيانًا يبلل ملابسه من مياه "الترعة" لتخفيف حدة الحرارة.