للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية. فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم «البوابة» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مُرتاديها. خرجت منه أصوات المنشدين والمبتهلين والمقرئين، وارتبطت أصواتهم فى وجدان الشعب المصرى، فى جميع الاحتفالات الدينية كليلة الإسراء والمعراج وفى ليالى شهر رمضان الكريم، لا سيما ليلة القدر، حافظًا على طقوسه وشعائره، والتى بدأت منذ العصر الفاطمى وحتى عصرنا الحالى، إنه مسجد وضريح «أبى الفضل الوزيري» أحد أهم وأشهر مساجد المحلة الأثرية. أنشأه محمد أبوالفضل الوزيرى الذى كان نائبًا للأبروشية، بسويقة النصارى، فى القرن الثامن الهجرى، وقد تم بناء المسجد بجوار ضريح قديم لأحد أولياء الله الصالحين، وهو أبوعبدالله النفيس بن الأسعد فضائل، والذى عاش فى العصر الأيوبى فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، فيقال إن المسجد كان جزءًا من «كنيسة مار جرجس»، وكان قديمًا خارج حدود المدينة، وهو المكان الذى كان يخلو فيه إلى ربه متعبدًا متأملًا. وفى داخل أحد أركان المسجد يوجد ضريح يضم رفات الشيخ محمد أبوالفضل الوزيرى، ومعه سيدى على السياف ثم الشيخ أحمد أبورزقه، والذى جاهد طويلًا فى سبيل تجديد المسجد ليصل إلى الصورة الرائعة التى عليها الآن، والضريح عبارة عن بناء صغير مربع الشكل تعلوه قبة تقوم على مقرنصات فى الأركان تشبه إلى حد كبير قباب الدولة الفاطمية الموجودة فى جبانة أسوان القديمة، وقد اندثرت القبة فى العصر الحالى، ولم يبقَ منها غير عمود القبر «شاهد القبر» والتى سجل عليها اسم صاحب الضريح وتاريخ وفاته، حيث كان الحفر بالخط النسخى البارز. وأقام الشيخ أبوالفضل مسجده فى القرن الثامن الهجرى، وقد تغيرت الكثير من معالمه أثناء ترميمه فى العصر العثمانى، فى سنة 1278 ميلاديًا على يد محمود الشعار، كما تعرض المسجد لأعمال إزالة من قبل وزارة الأوقاف فى النصف الثانى من القرن العشرين، حينما وجدت مبانيه قد تصدعت ولم تتحمل أعمال الترميم، وأقامت مكانه مسجدًا جديدًا، ويُعد تحفة معمارية فنية، احتوت على كل مميزات عمارة المساجد فى مصر خلال القرن العشرين، كما قامت بزيادة مساحة المسجد الجديد عن مساحة المسجد القديم، كما قام الأهالى بالتنازل عن منازلهم التى كانت مجاورة للمسجد لكى تضاف إلى المساحة، كما تركوا أمامه مساحة كبيرة تفصله عن المبانى المجاورة له. ويتكون المسجد من تخطيط مربع تقريبًا، يحتوى على ست بوائك من الأعمدة، قسمت المسجد إلى سبعة أروقة موازية لحائط القبلة، وتحمل الأعمدة عقودًا مدببة يعلوها سقف مسطح من الخشب طلى بنقوش زيته مكونة من زخارف هندسية، قوامها الطبق النجمى، أما فى وسط المسجد فتوجد قبة تقوم على أربعة دعائم وبين كل دعامتين يوجد عمودان، ويعلو هذه الدعائم والأعمدة رقبة القبة وبها ثمان نوافذ معشقة بالزجاج الملون، أما باطن القبة فقد طليت بزخارف زيتية مماثلة لسقف المسجد، والمسجد جميع أركانه قد شغلت بالزخارف الهندسية والنباتية. ويُعد مسجد أبى الفضل من المساجد الكبرى التى يقبل عليها المصريين من شتى أنحائها، ليستمعوا إلى أصوات المنشدين والمدحيين، وكان من بين تلك الأصوات هو أسطورة المنشدين الشيخ سيد النقشبندى، والذى أشدى بابتهالاته وإنشاده ليالى رمضان والاحتفالات الدينية خلال فترة السيتينيات، وتستمر الاحتفال بليالى رمضان حتى الآن بأصوات المنشدين الجدد، ومنهم القارئ والمبتهل أحمد الحسينى والقارئ محمد سمير، الشيخ عبدالوهاب ندا.