الكنيسة مثلها مثل الجامع، فهى مكان ترفع فيه الصلوات وسط جماعة المؤمنين الذين يجتمعون بنفس واحدة وقلب واحد، وقديما كانت المنازل الخاصة، لفئة من الناس القادرة، تستعمل للعبادة المسيحية، وبعدها بدأ التوجه إلى بناء دور خاصة لممارسة الطقوس المسيحية. وأصل كلمة كنيسة، عبراني، مأخوذ من كلمة «كنيسي» ومعناها «مجمع»، والبعض يقول إن أصلها يونانى من الكلمة اليونانية (إكليسيا) أو (إكليسيا) ومعناها جماعة المؤمنين. ويعرف عن كنيستنا، أنها كنيسة قبطية طقسية نظامية تقليدية، والطقوس فيها ليست أمورًا شكلية مادية جافة كما يظنها بعض الخارجين على الكنيسة، وإنما الطقوس لها معانٍ روحية عظيمة، ولكل طقس، بل ولكل جزء من كل طقس حكمة روحية، والذى لا يعرف حكمة الطقس لا يعرف للطقس معنى، ويسمى الطقس بالنسبة له جسدًا بلا روح. «البوابة نيوز» تحاور المهندس الاستشارى منير عبده فام، صاحب تصميم الكاتدرائية الجديدة، والتى تعرف بكاتدرائية الميلاد فى العاصمة الإدارية الجديدة، ليتحدث عن أشكال بناء الكنائس، وعن تصميماتها من الداخل والخارج، وعن قواعد بناء الكنائس فى بلاد المهجر. نص الحوار.. - حدثنا عن تاريخ بناء الكنائس؟ الكنيسة هى سفارة لطائفتها، والكنيسة مكان يجتمع فيه المؤمنين للصلاة، وبناء الكنائس يرجع إلى العصور الأولى فى المسيحية، خاصة العصر الثالث والعصر الرابع الميلادى، كما أن بناء وتصميم الكنائس يجب أن يكون بناء على تصميمات بها مزج بين القديم والجديد، وبين التقليدى وبين الحديث، ويجب أن تحتوى على الرموز القبطية التى لها تاريخ منذ مئات السنين. - وما الفرق بين الكنائس قديمًا وحديثًا؟ الكنائس قديمًا كانت متأصلة من الأمور القبطية، وتعبر عن الطقس الكنسى الصميم، فقديمًا كان حامل الأيقونات بكل رموزه وطقسه يعبر عن هوية قبطية، وحتى الأشكال التى نقشت عليه تعبر عن دراسة عميقة، فقديما كانت كل تلك النقوش يدوية ويقوم بها بعض الأشخاص المختصين فى هذا الأمر، ويتضح ذلك فى الإيقونات المحفوظة فى المتحف المصرى، الذى يحتوى على كنوز قبطية، كل أيقونة منها رسالة مسيحية ومدلول خاص لا يمكن تجاهله. كما أن البعض منها يحتوى على تعاليم السيد المسيح وعظاته والمعجزات التى كان يقوم بها. والكنائس اليوم تستخدم الطراز القديم ولكن بصورة حديثة ولكن يشترط فيها المحافظة على الطراز القديم. - ما الأشكال التى تتخذها الكنائس فى بنائها؟ الكنائس تبنى على 4 أشكال من الناحية الطقسية، ويتم اختيار شكل واحد منهم حسب المساحة المتاحة للبناء عليها وحسب الإمكانيات المتاحة، ولا يتطلب أن تبنى الكنيسة على مساحة كبيرة أو بتكاليف باهظة حتى تصبح مميزة، فكل الكنائس على نفس القدر من الأهمية لأنها تهدف لهدف واحد وهو الصلاة المشتركة بين جماعة المؤمنين. والأشكال الطقسية التى تبنى عليها الكنائس، أولها شكل سفينة، وهذا الشكل يرمز للنجاة من شرور العالم، كما أنها رمز لفلك نوح الذى خلص نوح وبنيه من الطوفان، كذلك الكنيسة هى التى تخلصنا من خطايانا عندما نحتمى بداخلها. أما الشكل الثانى فهو شكل الصليب، حيث تتخذ الكنسية عند بنائها شكل الصليب، رمزًا لأننا نلنا الخلاص بالصليب، كذلك الكنيسة تصل بنا إلى الخلاص، ومن أبرز الأمثلة على الكنائس التى تتخذ هذا الشكل، الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فهى عبارة عن قبوين متقاطعين وفى المنتصف قبة وشكل الصليب من الأشكال المنتشرة بين كنائسنا خاصة فى مصر. أما الشكل الثالث فهو شكل دائري، حيث تبنى الكنيسة على شكل دائرة، رمز لأن السيد المسيح ليس له بداية أو نهاية، والدائرة هنا تظهر من خلال المسقط الأفقى الذى يقوم عليه التصميم، وأبرز الأمثلة على هذا الشكل هو كنيسة القديس جاورجيوس والأنبا أنطونيوس بمصر القديمة. أما شكل المربع، يظهر فى تصميم الكنيسة التى تبنى وفى منتصف البناء يتم تغطية القبب، ومن أمثلة الكنائس التى تتخذ هذا النوع من أشكال البناء، هى كنيسة الملاك بشيراتون وكنيسة الرحاب. - وكيف يتم الاستقرار على نوع من الأنواع الأربعة لبناء الكنيسة؟ يقوم المهندس برؤية المساحة المتاحة من الأرض التى سيتم البناء عليها، ثم يقدم أكثر من بديل للتصميم، ويتم الاتصال بالإيبارشة التابعة لتلك المنطقة للتنسيق مع أسقفها أو بطركها، لاختيار التصميم المناسب. ويعرف أن البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية هو المسئول عن التصميمات الجديدة التى تبنى فى منطقة القاهرة الكبرى. - حدثنا عن التصميمات الداخلية المطلوبة لإنجاز مبنى كنسى؟ الديكور من أهم التصميمات الداخلية فى الكنائس، ومن أهمها حامل الأيقونات الذى يلاقى اهتمامًا كبيرًا وفترة من العمل، لأنه يحمل الهوية القبطية القديمة ولكن بشكل حديث. وحامل الأيقونات يوجد داخل الكنيسة من الناحية الشرقية وهو الذى يفصل بين صحن الكنيسة والهياكل، ويصنع من الخشب أو من مادة الرخام، ويوضع عليه مجموعة من الأيقونات بشكل طقسى معروف فى كل الكنائس. كما يجب أن تحتوى الكنائس على شبابيك، والتى تسخدم للتهوية ويتم استخدام الزجاج المعشق بها، كما يتم توزيع الأيقونات داخل الكنيسة بشكل طقسى أيضًا، ولا يجب أن يكون هناك أى تدخل لأفكار جديدة أو دراسات جديدة، فكل شىء داخل الكنائس قائم على الطقس الكنسى الذى نسير على خطاه منذ مئات السنين. ولا ننسى شغل الأرضيات، فنجد أن هناك زخارف يتم رسمها، خاصة فى الممرات، وهى عبارة عن أشكال هندسية تصنع من الرخام، والأسقف تكون عبارة عن رسم حائطى بها زخارف تم تركيبها بطريقة معينة. وتصنع أرضيات الهيكل من الرخام، والحوائط تكون من الخشب، وتوجد صورة السيد المسيح فى الناحية الشرقية داخل الهيكل، وعلى الهيكل توضع القباب التى تشير إلى السماء، ويعتبر الخشب من المواد المفضلة للاستخدام وذلك لسهولة تشكيلها. - وماذا عن شكل الكنيسة من الداخل؟ تقسم الكنيسة من الداخل، إلى صحن الكنيسة، وهو مكان متسع يوجد به خورس الشمامسة، وهو المنطقة التالية بعد الهيكل مباشرة، وتلك المنطقة تكون مرتفعة بمقدار ثلاث درجات من المكان الذى يجلس به الشعب، كما أن الهيكل يكون مرتفعًا عن الخورس بمقدار درجة واحدة، وغالبًا ما تكون هناك بعض الغرف الملحقة بالهيكل والتى تستخدم كاستراحة لبعض الدقائق أو الساعات فقط للكاهن. ولا ننسى المعمودية، والتى تبنى فى الناحية الشمالية الغربية داخل مبنى الكنيسة، وهذا الاتجاه له دلالة طقسية، وهو أن الإنسان المعمد بعد نوال سر المعمودية ينتقل من ناحية الغرب إلى ناحية الشرق، كما أنها رمز إلى التوبة، وهنا البعض يبنى فى مكان ملحق بالكنيسة مبنى المعمودية، والذى يكون على هيئة جرن، وغالبا يكون لها بابان، باب لدخول المعمد وأهله، والباب الآخر لصحن الكنيسة، حيث ينضم المعمد إلى حضور صلوات القداس الإلهى بعد الانتهاء من صلوات سر المعمودية. ويصنع جرن المعمودية من الرخام الأبيض، وهو على شكل إسطوانى ومساحته تناسب الأطفال، وهناك فى بعض الكنائس يتم بناء جرنين فى المعمودية واحد للأطفال الصغار الذين يتم تعميدهم، وآخر أكبر حجمًا وذلك للمؤمنين الذين يدخلون المسيحية وهم كبار السن أو من مضى عليه وقت ولم ينل سر المعمودية. وحديثا يحتوى مبنى الكنيسة على بعض الغرف، التى يتم فيها انتظار الأطفال الصغار أثناء صلوات القداس الإلهى، والذى يتطلب الهدوء وعدم الضجيج، وتحتوى تلك الغرف على شاشات تليفزيونية يمكن من خلالها متابعة صلوات القداس الإلهى والحفاظ على هدوء الكنيسة. - ما التكلفة المتاحة التى تستخدم لبناء الكنائس؟ سأعود إلى جملتى الأولى، وهى أن الكنيسة هى جماعة المؤمنين، ومكان فقط لاتمام الصلوات، وهذا الأمر لا يرتبط بتكاليف كبيرة أو قليلة، المهم أن يكون هناك مبنى محدد ومخصص بشكل طقسى تتم فيه الصلاة، حتى أن هناك بعض الكنائس التى لا يتم إنجازها فى فترة قصيرة، وذلك حتى تتوافر النقود لبنائها، والاختلاف ما بين الكنائس من حيث الحجم أو الزخارف المستخدمة حسب الماديات التى تتوفر لهذا البناء، ولكن جميع الكنائس والكاتدرائيات تتساوى من الناحية الروحية. - وما قواعد بناء الكنائس فى المهجر؟ تقوم كنائس المهجر على احترام قوانين البلد التى تبنى فيه، ويجب أن يوضع معه بعض الضوابط، منها أن يكون هناك مكان لانتظار السيارات، وكذلك يجب أن يكون هناك تنظيم فى حركة دخول وخروج المصلين بعد انتهاء القداس الإلهي. وتصميم الكنائس فى المهجر يختلف عن كنائسنا هنا فى مصر من حيث التصميم، فلا تستخدم الخرسانة فى البناء، بل تستخدم مواد البناء التى لا تطلب عمالة ولا وقت، لأن كل الأشكال تكون من مواد جاهزة للتركيب مباشرة، وهناك شركات متخصصة فى تلك الشئون، ويجب الاهتمام باستخدام المواد العازلة فى البناء، والتى تمنع خروج أصوات الصلوات إلى الشوارع وذلك حفاظا على حقوق المارة. كما أن الكنائس عند بنائها يجب أن تتضمن قاعة تسمى «قاعة أغابى» حيث يجتمع المصلون بعد انتهاء القداس الإلهى لتناول الأغابى، وهو المقصود منها الطعام مع بعضهم البعض وبعض الكنائس ترفق بها صالة للألعاب الرياضية. أما عن الأجراس، فهناك مدن تسمح بوضع الأجراس على الكنائس مثل أوروبا، أما كندا وأمريكا فتمنع استخدام الأجراس فى الكنائس.