«لا نملك أن نغير الجغرافية».. بتلك العبارة رد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، عن سؤال حول علاقة بلاده بدولة إيران، العبارة التى افتتح بها الرد جاءت لتشير إلى ديمومة العلاقة القطريةبإيران، فطالما أنها لا تملك تغيير الجغرافية فستحافظ على الحليف الطبيعى (وفق العقلية القطرية) التى يتشارك معها فى «حقل غاز ضخم»، لكن الأهم من ذلك ما أشار إليه لاحقًا، حيث قال «نستخدم المجال الجوى الإيرانى الذى يُعد المجال الوحيد المفتوح أمامنا بعد الحصار العربي». تشهد العلاقات القطرية مع إيران أخيرًا، مراحلها الأكثر حيوية وتعاونًا، وفيما تحاول الدولة القطرية ارتداء ثوب «المضطر» فى علاقتها بالإيراني، فى ظل غياب الخيارات المتعددة حول التجارة أو المجال الجوى بعد قرار الرباعى العربى «مصر، الإمارات، السعودية، البحرين» قطع علاقته مع النظام القطري، يكشف تتبع العلاقات الإيرانية – القطرية الراسخة قبل سنوات من القرار، عن حقيقة الحلف القطري- الإيرانى لهدم دول وزعزعة استقرار المنطقة، بحثًا عن أدوار إقليمية، وأملًا فى زعامة على حساب دول راسخة فى المنطقة. القرار العربى بالمقاطعة، جاء رد فعل على تعاون قطرى - إيرانى يدعم جماعات إرهابية بهدف زعزعة الاستقرار فى المنطقة، سواء جماعة الإخوان فى مصر أو الحوثى فى اليمن، وغيرها من التنظيمات الإرهابية. النوايا الإيرانية فى المنطقة معلومة للجميع، وفيما حاولت الدول العربية تحجيمها بالضغط على العنصر العربى (قطر) لتعديل سياساته، جاء رد الفعل القطرى مرسخًا علاقاته أكثر، وأكثر بالحليف الإيراني. وتجدر الإشارة إلى أن قطر كانت تستخدم علاقتها بإيران قبل قرار المقاطعة، بحثًا عن أدوار فى المنطقة، إذ حملت الدعوة إلى حوار «خليجى - إيراني» على مدى سنوات ما قبل الأزمة، ويقول الباحث فى العلوم السياسية فى جامعة الإسكندرية أحمد أمين عبدالعال فى دراسة حديثة حول «العلاقات القطرية - الإيرانية» (صادرة عن المركز الديمقراطى العربى للدراسات)، إن قطر تصدرت فى لعب دور الوسيط بين دول الخليج وإيران، وهو ما أكدت عليه القيادة القطرية أكثر من مرة سواء فى مجلس التعاون الخليجى أو فى جامعة الدول العربية أو فى الأممالمتحدة؛ حيث طالبت ببدء حوار بين دول الخليج وإيران بهدف حل الأزمة طويلة الأجل فى المنطقة». وتابع: ومن ثم فإنه يمكن القول بأن السبب الرئيسى لقيام قطر بتعزيز العلاقات السياسية مع إيران يتمثل فى الرغبة القطرية الدائمة فى إثبات وجودها الإقليمى ولمواجهة الضغوط الخليجية، وامتلاك أداة سياسية متمثلة فى تحالف إقليمى بينها وبين تركياوإيران بهدف دفع دول المقاطعة للتراجع عن قراراتها بخصوص المقاطعة. كما رصدت الدراسة نفسها تعميق العلاقات القطرية مع إيران على مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والعسكرية، عقب قرار المقاطعة العربي. وبذلك يخلو تاريخ العلاقات بين البلدين «قطروإيران» من أية توترات سوى «قرار الدوحة مطلع عام 2016 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وقامت بسحب سفيرها على خلفية أحداث اقتحام السفارة السعودية فى طهران؛ سعيًا منها لتخفيف الضغوط الخليجية عليها». وعقب أقل من عامين عادت العلاقات الدبلوماسية فى أغسطس 2017، أى بعد نحو شهرين من قرار المقاطعة العربي، فى تحدٍ لافت. وتبرز العلاقات الاقتصادية ضمن محاور الطفرات التى تشهدها العلاقات بين البلدين، ويوضح عبدالعال إن إيران استغلت حالة المقاطعة التى منيت بها الدوحة لتقوم بزيادة صادراتها إليها، ليزداد حجم التبادل التجارى ما بين البلدين بنحو 2.5٪؛ حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 250 مليون دولار فى مع نهاية السنة المالية الإيرانية شهر مارس الماضي، وعلى الجانب الآخر شارك نحو 15 شركة إيرانية فى معرض قطر الدولى الزراعى الذى استضافته الدوحة مؤخرًا؛ ما يدلل على مدى تطور العلاقات الاقتصادية ما بين البلدين». وعسكريًا، تشهد العلاقات تطورات أخرى، وفيما كان التعاون العسكرى يتم فى السابق فى الخفاء، بات محورًا آخر فى التحدى القطرى لدول التحالف، وكانت الدوحة استضافت فى «مارس الماضى وفدًا من القوات البحرية للحرس الثورى الإيرانى برئاسة نائب القوة البحرية بالحرس العميد على رضا تنكسيرى، وذلك على هامش المعرض الدولى السادس للدفاع البحرى ديمكس 2018 الذى انعقد بقطر.. قائلًا إن بلاده تعتزم استعراض أسلحة إيرانية فى المعرض مستقبلًا» وفق الدراسة. وفيما تبدو العلاقات متناغمة بين قطروإيران، لكنها لا تخلو من التحديات، فمن جهة استمرار المقاطعة العربية لقطر، ومن أخرى احتمالات الصدام مع الحليف الأمريكى لقطر، إذ تقبع قطر حاليًا بين قوتين متصارعتين «أمريكاوإيران»، وباتت الدوحة مهددة بفرض عقوبات أمريكية عليها فى ظل عدم التزامها بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بعد إلغاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للاتفاق النووى مع إيران فى مايو الماضي.