تبدأ كنيسة الروم الأرثوذكس، صوم الميلاد يوم 15 نوفمبر وينتهي الصوم يوم 25 ديسمبر، الموافق لعيد الميلاد المجيد، ولم يعرف صوم الميلاد الصرامة التى للصوم الكبير، بل كان منذ البدء مثلًا يُسمح فيه للرهبان الذين يعملون خارج بناء الدير أن يتناولوا وجبتين فى اليوم (ظهرًا ومساءً) وليس وجبة واحدة فقط، وكان يسمح أيضًا بأكل السمك باستثناء يومَى الأربعاء والجمعة، والممارسة الحاليّة تسمح بثلاث وجبات لمن يريد. وحول أهمية صوم الميلاد، يقول الأب ديمسكينوس راعى كنيسة رؤساء الملائكة لطائفة الروم الأرثوذكس بالقاهرة: «إنّ هذا الصوم ملزم لمن وعى التزامه وكان قادرًا جسديًّا على ممارسته، وهناك بعض الأيام المتفرقة التى نعفّ فيها عن أكل الزفَرَيْن (اللحوم والبياض) وهى يوما الأربعاء والجمعة من كل أسبوع (باستثناء الأسبوعين اللذين يليان الفصح والعنصرة، وما بين عيد الميلاد وبرامون الظهور الإلهي، والأسبوع الذى يلى أحد الفريسى والعشار)، عيد رفع الصليب الكريم (14 سبتمبر)، ذكرى قطع رأس السابق يوحنا المعمدان (29 أغسطس)، وكأن هذه الأصوام مجتمعة تشير إلى طبيعة كنيسة الروم الأرثوذكسية التى تتطلع إلى الإنسان بكلّيته نفسا وجسد، إنها صائمة فى العالم وعنه وشاهدة لملكوت الله الذى ليس هو «طعاما وشرابا» وقداستِهِ». ويرتضى بعض الناس صوم الفصح (عيد القيامة) لأنه يحملهم على تذكّر السيد المسيح الذى تألم ومات، لأنهم يريدون أن يعبّروا بطريقة الجوع عن مشاركتهم فى هذا الألم، وقد يكون سببُ تجاهلهم الأصوام الأخرى تجاهلا تاما، لاعتقادهم بأنها غير مرتبطة بهذا الحدث، وبعض الناس تجنبا لوخز الضمير يلتزمون بأحد الأصوام و ببعض أيام منه، فالكثيرون يصومون رغبة بالتألم. فالصوم فرح وحرية، هو فرح إن استطعت أن تقبله كمرقاة إلى الآب أو ك«خلوة»، كما يقول السيد المسيح فى العظة على الجبل «أمّا أنت متى صمت.. لا تظهرْ للناس صائما بل لأبيك الذى فى الخفاء»، ففى هذا الخفاء يراك الرب فى جواره. والصوم حرية لأنه يعتق الذين يتقبّلونه من شهوة الجسد، فلنلاحظ، ليس الصائم هو عبدا للجسد بل المكبَّل بشهوة الطعام هو العبد، الصائم حرّ طليق يعلو عمّا هو أرضيّ لا كرها به بل حبا بالوصية وطاعةٌ لها. وبالنسبة لصوم الميلاد -على سبيل المثال- لا ينتهى بحلول عيد الميلاد، بحسب قول راعى كنيسة الروم الأرثوذكس، لأن كل الجهادات الروحية التى يعملها المؤمن الحقيقى تنتهى عندما لا يبقى شيء يُنتظر، أى عندما يصبح الله «الكل فى الكل»، وذلك لأن مجيء الله إلى العالم ليس حدثا وقع مرة فى التاريخ ومرّ عليه الزمن فطواه. واختتم الأب ديمسكينوس قوله بإن الرب أتى وهو الآتي، هذه هى فرادة المسيحية أنها تقيمنا فى شركة مع الله الآن وهنا، وتجعلنا من جهة أخرى فى حالة انتظار مستمرة له حتى يكتمل كل شيء فى أبدية نرجوها. وهذا يعنى أنّ ارتضاءنا حضور الرب لا نعبّر عنه فقط خلال أربعين يوما نقضيها فى شكل روحيّ خاص تنتهى بالتعييد، ولكنا فيما نحن ننتظر الرب فى مجيئه الأخير نعلنُ –فى صوم الميلاد- أننا قابلون ميلاده المجيد ومجيئه دائما.