ماذا يدور بخلدك عندما تقرأ أو تسمع جملة "أدب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة"، يمكن أن تذهب مخيلتك إلى ظهور جنس أدبي جديد، تحت هذا المسمى أو أن هناك أطفالا من ذوي الإعاقة قاموا بعمل إصدارات أدبية للأطفال، أو أن كبار الكتاب ورواد أدب الطفل استهدفوا في أعمالهم الأطفال من ذوي الإعاقة. وبعيدًا عن أزمة المصطلح الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة والتي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي اعتُمدت في عام 2006 ودخلت حيز التنفيذ في 2008، أو وفقًا للقانون الذي وقع عليه رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي "القانون رقم 10 لسنة 2018 "قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة". فقد كان لمؤتمر أدب الأطفال ذوي الإعاقة والذي أقامه مركز توثيق وبحوث أدب الطفل التابع لدار الكتب والوثائق القومية خلال الفترة من 21 وحتى 22 نوفمبر "الدورة الثالثة" وتحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وبمشاركة أكثر من 30 باحثا وباحثة وأكاديميين وكتاب وأدباء ومثقفين بأبحاث علمية، وتحت إشراف اللجنة العلمية لمركز توثيق وبحوث أدب الطفل وهم الدكتور جمال شفيق أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، والدكتورة إيناس محمود حامد أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس، والدكتور مختار مكي أستاذ أصول التربية بجامعة سوهاج، ورائد أدب الطفل الكاتب يعقوب الشاروني "مقررا اللجنة" والدكتور أشرف قادوس مدير عام المركز "أمين اللجنة " ومها حسين كبير باحثين بالمركز "سكرتيرًا للجنة". وعلى الرغم من كل تلك الأسماء الرنانة والتي لها باع طويل إلا أن الأبحاث التي قدمت ليس لها علاقة مباشرة بموضوع أو عنوان المؤتمر -إلا من رحم ربي- ما جعل الكاتب الكبير يعقوب الشاروني للتدخل أثناء انعقاد الجلسة الثانية للمؤتمر لفك الاشتباك والخلط في بعض المفاهيم ردًا على أحد المتحدثين بالمؤتمر، ليقول أنه لا يوجد ما يسمى بأدب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة".. وهو التدخل الذي يثير الدهشة ويدعوا إلى التساؤل في نفس الوقت؟ كيف هذا الاعتراض على مؤتمر هو أحد أعضاء لجنته العلمية. ألم يتسن الوقت الكافي للجنة حتى تقرأ الأبحاث التي قدمت وعما إذا كانت تلك الأبحاث متعلقة بالموضوع، أم أن المؤتمر كان يجب أن يخرج إلى النور بغض النظر عن الهدف الذي أقيم من أجله؟ أم أن السنة المالية قاربت على الانتهاء؟ أم أن عام الإعاقة 2018 قرب على الانتهاء دون أن يدلو مركز توثيق الطفل التابع لدار الكتب والوثائق بدلوه في هذا العام الذي أقره رئيس الجمهورية؟ وقال الكاتب الكبير يعقوب الشاروني خلال مداخلته: "إنه بحكم علاقتي واطلاعي الأدبي سواء في مصر أو الدول الأجنبية لا يوجد كتاب مكتوب للمعاقين، كما أنني قمت بالبحث كثيرًا ولم أجد، واحب هنا أو أوضح شيئين أولا هناك ما يسمى بالعمر الزمني، والعمر العقلي، حيث ان هناك شخص عمرة الزمني 11 عامًا، وإنما عمره العقلي 3 سنوات، وفي هذه الحالة أقدم له كتابًا يتناسب مع عمره العقلي وهو أن نقوم بتقديم له كتاب الطفل من عمر 3 سنوات والذي يستهدف الطفل بوجه عام سواء كان من ذوي الإعاقة أو طفل سليم، أما باقي الإعاقات فنحن لا نقوم بتقديم كتاب خاص بالأطفال ذوي الإعاقة البصرية وإنما أقوم بتقديم نفس الكتاب الأدبي ولكنه مطبوعًا بطريقة برايل، أما الأطفال من ذوي الإعاقة السمعية فيتم عمل كتب بلغة الإشارة وهذا موجود في أمريكا، فالمسألة هنا ليست متعلقة بطريقة الكتابة أو الجنس الأدبي وإنما هي كيفية تحويل الكتاب العادي جدًا لكي يصبح مناسبًا للطفل حسب نوع إعاقته، وبالتالي ليس هناك أدب في العالم خاص بذوي الإعاقة، وإنما الموضوع هنا يتعلق بالناشر وتكلفة طباعة الكتب بهذه الطرق". وتابع الشاروني: "أن الكاتب يكتب إبداعه دون أن يضع في ذهنه أي توجه، ولكنه يكتب للأطفال بشكل عام بغض النظر عما إذا كان الطفل معاق أو سوى". وفي سياق متصل قال الشاعر أحمد سويلم، أحد المشاركين بمؤتمر أدب الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة بورقة بحثية حول موضوع "الفكر العربي وأصحاب الإرادة" في تصريحات خاصة ل "البوابة نيوز": "إنه لا يوجد ما يسمى بأدب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن كل الأبحاث التي قدمت في المؤتمر لا تتحدث عن أدب خاص بذوي الاحتياجات الخاصة وإنما حول الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وقضيتهم، وأن معايير الكتابة لأدب الأطفال فقط، وذلك يجب ان نعمل على تأسيس منهج نقدي لأدب الأطفال ليقوم بفرز الأدب هل هو مناسب لأدب الطفل أم لا مثلما يحدث مع أدب الكبار". وتابع بقوله: "إن القضية هنا موضوع النظرة لذوي الإعاقة هل هم "مرضى" أم أسوياء، وأن الكاتب عندما يكتب لا يضع في ذهنيه فئة بعينها في الكتابة، وإنما يكتب لتحقيق فكرة بعينها، كما أن الثقافة الخاصة بذوي الإعاقة، وكان لي في هذا الشأن تأليف كتابين، والذي تناولت من خلالهم إلقاء الضوء على بعض النماذج من الكتاب والفنانين والمثقفين من الأشخاص من ذوي الإعاقة، ومنها كتاب "مسلمون هزموا العجز"، وكتاب "عباقرة الصبر والإرادة"، وفيها تم طرح نماذج إنسانية تخطوا وتحدوا محنهم وأصبحوا عظماء مثل أبو العلاء المعري، ابن سيرين، حسان بن ثابت، وأبو الأسود الدؤلي، وطه حسين". وأضاف سويلم: "فحينما يكتب الكاتب لسن أو فئة عمرية عمرية معينة فيجب عليه أن يدرس سيكولوجية الطفل الذي يكتب له بغض النظر عن نوعه أو سنة". فمنذ ظهور أدب الأطفال والذي وجد اهتمامًا كبيرًا في مطلع القرن العشرين وعكوف علماء النفس والتربية والاجتماع على دراسة نفسية الطفل بوجه خاص من خلال الملاحظة السلوكية، ولما لمرحلة الطفولة من حياة الإنسان استقلاليتها وخصوصياتها ومميزاتها، ووجهت الحركة الأدبية جهودها إلى تأسيس أدب خاص بالطفل، له قواعده وأساليبه وفنياته، لتزخر المكتبات العالمية والعربية بنصوص موجهة للصغار تُراعي مُستواهم العلمي وتتماشى مع مُتطلباتهم الثقافية والتربوية. وكان لابد أن يكون هدف مركز توثيق وبحوث أدب الطفل التابع لدار الكتب والوثائق القومية أن يراعي ما يجب أن يتم مناقشته خلال مؤتمراته العلمية القادمة لاسيما وان أدب الطفل بوصفه ظاهرة إبداعية؛ بات ضرورة ملحة، لاسيما في عصر لم تعد فيه الأسرة هي المسئول الوحيد لشخصية الطفل وفكره. وإذا كان أدب الطفل في الغرب قد بلغ الغاية، وهذا وفقا لما قدمته الكاتبة منى لملول خلال بحثها الذي تناول موضوع "ذوي الاحتياجات الخاصة في الكتب الادبية والتربوية المملكة المتحدة نموذجا"، والتي خلصت من خلاله أنه لا يوجد ما يسمى بأدب ذوي الاحتياجات الخاصة وإنما القصص التي تحدثت عنها وبعض الكتب التربوية قد تناولت مضمون التسامح والتعايش مع الآخر مهما كان بوصفه مختلفًا أو لديه أي نوع من أنواع الإعاقة الجسدية أو الذهنية، وكيفية إدماجهم بالمجتمع. ونحن بحاجة إلى دفعة قوية تتعلق بالإبداع الأدبي الموجه للطفل بشكل خاص وللمجتمع ككل، بالإضافة إلى افتقار دراسة أدب الطفل إلى الاهتمام الأكبر والعناية باعتبار لا يقل أهمية عن أدب الكبار، بل قد يفوقه.