الانتهاء من استعدادات المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب    قومي المرأة يدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات النواب    رئيس الوزراء يشهد بدء التشغيل التجريبي للخط الأول للقطار الكهربائي السريع    مراسل "إكسترا نيوز" يرصد خول المساعدات إلى قطاع غزة    إعصار فونج-وونج يصل مقاطعة أورورا شمال شرقى الفلبين    توافد جماهير الأهلي والزمالك على ملعب محمد بن زايد لحضور نهائي السوبر    مقتل مزارع بطلق نارى فى ظروف غامضة بإحدى قرى مركز قوص بقنا    خالد عبدالغفار يبحث مع ممثلي منظمة الصحة العالمية تعزيز جهود مواجهة الكوارث    وزير الكهرباء يشهد مراسم توقيع اتفاقية مبادلة الديون بين مصر وألمانيا    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية بالخارج    ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية    مصرع سائق وإصابة 5 أشخاص في تصادم بالقناطر الخيرية    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    ب«مفيش راجل بيتخطف».. اَيتن عامر تثير الجدل بفيديو على «السوشيال ميديا»    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    الداخلية تطلق خدمة VIP إكسبريس لتصاريح العمل.. استلام الكارت المميكن خلال ساعة واحدة    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حد الفلسفة.. فلسفة الحد
نشر في البوابة يوم 17 - 11 - 2018


فذلكة
الإجابة السريعة للسؤال عن جوهر الفلسفة ستكون هى فهم القوانين المسيرة للعالم، وربما سيوضع إلى جانبها المعنى النهضوى للإصرار على ضرورة فهم طريقة حدوث هذا الفهم.
ولكنه معنى سيعود إلى الخلف بشكل عميق، فالفلسفة ستجوب الكتب والموسوعات الحديثة مطولا باحثة عن تعريف يلبس الجبة الكلاسيكية للشمولية، قبل أن تقتنع بأن العصر الحالى يحب التجربة دون أن يولع بالدروس، مثلما يحب النظر دون أن يرى، ويحب المعلومات بلا هاجس المعرفة، مثلما كان يصفه الماركسيون منذ قرن بأنه عالم يطور الإنتاج دون تطوير سبل العدالة فى التوزيع. ستقتنع الفلسفة بأننا نعيش زمنا يضيق بالتعريفات الشمولية. الشىء الذى لن يمنع محاولات لتأطير فعل التفكير (ابن للفلسفة المدلل الآخر)، وفى ذلك سيكرر ميشال فوكو، مرارا بأن الحقيقة أو الواقع نوع من السرد، أى أنها ترتيب خاضع لاستراتيجية لأشياء الحياة، ففى كل مرة نصف واقعة، أو ننظر ثم نلقى حكما أو نجيب على سؤال أو نعطى خبرا أو نصور حادثا فى التليفزيون، تكون وراء هذا التقديم التلقائى للأشياء استراتيجيات معقدة لا شك فيها تحدد موقفا غير برىء من العالم.
تنويعات
يبدو أن كبار الفلاسفة قد ظلوا منشغلين باستمرار بفكرة تطوير سبل فهم ميكانيزمات الفهم نفسه هذه، فى محاولة فاشلة ولكن غير يائسة للارتفاع بمفاتيح تحليل النفس البشرية إلى مدارات عالية، وكان أنهم قد وثقوا، قديما، ولفترات مديدة، فى المقاربة العلمية التجريبية المنهجية، قبل أن يحل القرن العشرون بكل الشرور التى جرها، والتى راجعت ثقة عصر النهضة أولاً ثم عصر الأنوار ثانيًا فى الإنسان عموما...
من جهة أخرى، يلاحظ كارل ياسبرز، أن المنهج العلمى يواجه إشكاليتين: النقص العميق الملازم لنتائجه لأنها تولد دائما إشكاليات جديدة ووجهات نظر مستحدثة تعزز الأسئلة حول العالم، أكثر مما تعزز الأجوبة التى يبدو الإنسان مهجوسا بها كرديف للفهم.
الإشكالية الثانية التى يلاحظها «ياسبرز» هى أن «المقولات العلمية ووجهات النظر العلمية من التعدد بشكل يمتنع معه تماما ورود إمكانية لخلق جبهة فهم واحدة... وهو معنى ما كان «ياسبرز» يبشر به من تفضيله لتعريف الفلسفة من وجهة النظر التى تتضافر فيها الوجودية مع الظاهراتية، لاقتراح وصف العمل الفلسفى على أنه «توجه صوب العالم» بهدف «إنارة الوجود» بدلا من العناوين الضخمة فارغة المحتوى للمنهج العلمى، والكشف عن الحقيقة والنظر الموضوعى...إلخ إلخ..
تستدرجنا هذه الخلفية إلى اتجاهين اثنين: واحد هو نشأة الفلسفة كنشاط هيرمينوطيقى، وميلها صوب استقصاء النصوص الأدبية كطرق ناجعة لتحصيل «حقيقة ما»؛ ولا يهم كونها الحقيقة لا تملك أدوات التعريف «الحقيقة». والاتجاه الثانى: هو ذوبان البحث الفلسفى فى تقصى الطريق الذى أهملته الفلسفة منذ أقدم الأزمنة: النظر فى الحقيقة الفنية. والغالب عند الفلاسفة الظواهريين والوجوديين هو تبنى وجهة نظر ياسبرز التى تعد: «الفن إضاءة كلية للوجود الإنسانى». فالحقيقة الفنية تنشئ معرفة شعرية تقول مضامين جديدة تبدو خارج دائرة «اللوغوس»، من منطلق أن اللوغوس الغربى يقارب الإنسان مقاربة تقليدية، فهو يعمل حسب أنظمة معدة سلفا. فى الحين الذى يقر الفلاسفة على طريق ياسبرز بأن «حقيقة الإنسان تتجاوز إمكانياته لمعرفة نفسه». فى المنظور نفسه، يقر غابرييل مارسيل «أشعر دائما وفى كل لحظة من حياتى بأنني أتجاوز تماما كل محاولة بحث أقوم بها لوصف نفسى أو يتولى القيام بها غيرى»، وفى المقولة دعوة لتأمل هامش الغرابة الذى ينتبه إلى نقطة مركزية فى الفكر الفلسفى، هى ميل ماضى الفلسفة إلى الاهتمام بالمؤتلف على حساب المختلف الذى يشذ دائما فيما وراء أسيجة التجربة المتكررة والنماذج القابلة للوصف.
السؤال المنطقى هو: كيف تخلق نظرية للشاذ الهارب من القاعدة والمستعصى على الاستقراء؟ يجيب سورن كيركجارد، بطريقته الفريدة: «الحقائق والمبادئ العلمية التى تغرى العقل باتباعها، لأنها ضرورية وتحظى بالتصديق الواسع، هى حقائق قاصرة تماما، ولا أشعر بأنها تحيط بوجودى المتفرد الناشز عن كل حقيقة خارجية، إنها فى الواقع لا تجيب عن أى من أسئلتى القلقة حول نفسى. حقيقتى ومصيرى»... ولكن الإضافة الأكثر جدارة بالتوقف عندها هى ما عرف به جيل دولوز الفلسفة قائلا: لا نظرية فى الفلسفة، إن هى إلا حيل لترتيب وقائع الفهم، فالفلسفة فى عرفه «مجرد ابتكار للمفاهيم»، وفى الحين الذى تخوف «كانط» من مواجهة حقيقة أن الفلسفة ترى نفسها بعين لا وجود لها خارج أسوار كليات الفلسفة، وأن هذا الوضع، وضع عليه أن يتغير، فاعترف من خلال عنوانه «تقد العقل الخالص» بوجود عقل خالص أصلا، ترى جيل دولوز يقول إن التعريف الأرسطى ينبنى على أكذوبة كبرى هى الجواهر القديمة، أو القوانين الأولى التى تنظم الوجود، والتى درجت العادة أن يغرق الفلاسفة فى فهمها أو محاولة فهمها. إبداع المفاهيم الدولوزى هذا يحدث أن ينسف القواعد الأولى بلا وعى منه أصلا.
خلاصة القول
يواجهنا هنا السؤال: ماذا نفعل بتاريخ الفلسفة فى هذه الحالة؟ هل نرسله إلى المتحف مثلما قال هوايتهيد وبرتراند راسل؟ أم أننا نتخذها مناسبة لنقد مشاريع بالية قديمة وبناء مشاريع حديثة تستجيب للقلق العميق الذى يملأ صدر هوسيرل؟ ما بعد الحداثة طرحت الأمر بشكل مختلف تماما: فكل الخطابات تشكل ورايات حول العالم وادعاءات حول الحقيقة، ولسنا مطالبين بشىء آخر عدا تشكيل قصتنا الخاصة. من خلال استثمار هذا التاريخ النصى، فمنظرو ما بعد الحداثة يصرون على خلق علاقات التحويل مواقف جديدة إزاء التركيبة الجديدة للخطاب، والتى هى اجتماع سرد اليوم بسرد الأمس، مواقف تسمح للكاتب بتفجير طاقات «الصيغة» (أو طرق العرض) وتسمح للقارئ باستحداث نظرة جديدة صوب الأشياء أو رواية مفارقة للعالم، رواية يشارك فيها أصحاب التجارب الحدية، والملامح عسيرة التأطير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.