قدم الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، والمخرج جمال عبدالحميد، رائعة تليفزيونية فى مطلع تسعينيات القرن الماضى، من خلال مسلسل «أرابيسك»، الذى دارت أحداثه من خلال شخصية حسن النعمانى أو حسن أرابيسك، التى جسدها الفنان ابن البلد صلاح السعدني، وهى الشخصية التى تتسم بالرجولة والشهامة ومساعدة كل من يحتاج إليه. غير أن هذا النموذج المصرى الأصيل يتعرض لزلزال اجتماعى ونفسى خاص به من خلال علاقة زوجية فاشلة، ينتج عنها تصدع فى أخلاقيات هذا النموذج المصرى ليتحول إلى شخص مدمن لمخدر الحشيش، ومهمل فى عمله وفى حياته الشخصية ليعيش دنياه بالطول وبالعرض، دون النظر لأى اعتبارات أو حساب للمستقبل، مع احتفاظه واعتداده بمهنته كفنان صناعة الأرابيسك التى ورثها عن جدوده منذ جده الأكبر الذى تم تسفيره إلى الأستانة عاصمة الدولة العثمانية للاستفادة من مهارته فى صناعة الأرابيسك. تم عرض هذا العمل فى عام 1994 عقب تعرض مصر لزلزال من أكبر الزلازل التى تعرضت لها فى تاريخها عام 1992، وأدى إلى خسائر كبيرة فى الأرواح والمنشآت، وعقب هذا الزلزال بعامين قرر الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة أن ينقل هذا الزلزال من الواقع إلى الدراما التليفزيونية، ليصرخ من خلاله صرخة قوية فى وجه الزلزال الأخلاقى والدينى والوطنى الذى يهدد المجتمع المصري، خاصة فى مرحلة النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضي، من خلال مسلسل «أرابيسك.. أيام حسن النعماني»، الذى قام بإخراجه المخرج جمال عبدالحميد، ودارت أحداثه داخل حارة من إحدى حوارى القاهرة الفاطمية، التى يتصف أهلها بالشهامة والرجولة والنخوة والدفاع عن الحق. والى جانب الزلزال الشخصى لحسن أرابيسك، يعرض العمل زلزالا أعم وأشمل ضرب بالحارة المصرية ومكوناتها الوطنية والدينية المعتدلة، ليقضى هذا الزلزال على هذا النموذج، ويظهر بدلًا منه النموذج المتطرف والمغالىِ فى الدين بفهم مغلوط، فينتج عنه الإرهاب والقتل والتفجير الذى أصاب حارة النعمان، الذى قابله على النقيض نموذج الشباب المغيب المدمن للمخدرات من خلال شخصية «سامبو» الذى يتاجر فى المخدرات، ويعيش فى فقاعة من الفقاعات المغيبة للعقل والوعى. وفى إشارة من الكاتب أسامة أنور عكاشة إلى أصالة ونبل المعدن المصرى الأصيل، فإنه يضع حسن أرابيسك فى اختبار حقيقى للبحث عن وطنيته الساكنة فى جزء مظلم بداخله، رغم كل ما يحيط به من أحداث مؤسفة، فيتعرف أرابيسك على أحد العلماء المصريين العائدين من الخارج، وهو الدكتور «برهان صدقي» الذى جسده الفنان الكبير كرم مطاوع، والطامح فى بناء فيلا سكنية تمثل تاريخ الشعب المصرى بمختلف أحقابه التاريخية ومدارسه الفنية من الفرعونية والقبطية والإسلامية، وخلال عمل حسن أرابيسك بهذه الفيللا يعلم أن هذا العالم معرض لخطر من إحدى الدول الأجنبية، فيظهر الأصل المصرى الشهم بداخله ويقرر حمايته وإخفاءه بالحارة التى يعيش فيها بعيدًا عن أعين المتربصين به. وتنتهى أحداث المسلسل بالزلزال الذى ضرب مصر فى عام 1992، وجاء ليدمر كل ما سعى حسن أرابيسك إلى تنفيذه داخل فيلا الدكتور «برهان صدقي»، لتنتهى الأحداث بتصدع الفيلا وانهيارها نتيجة الزلزال الذى ضرب مصر، فى إشارة من المؤلف إلى الاحتياط من الزلزال الأخلاقى والتعليمى والدينى والاجتماعى والثقافى والفنى والسياسى الذى يضرب مصر، ويصل إلى جذورها ويسعى لاقتلاعها ليستبدلها بجذور فساد وتطرف وانحدار أخلاقى وقيمى وفنى.