انطوى عام وبدأ عام جديد تدعو فيه أسئلة المستقبل مصر لثقافة الأمل والعمل فيما عالم الشمال يدخل ثورة صناعية جديدة قد تكرس تقسيم العالم إلى سادة وعبيد في العصر الرقمي !. هذا عالم يمضي بالفعل موغلا بعيدا بعيدا في مدهشات الابتكار واستعارة المفاهيم وتفاعلها بين مجالات قد تبدو متباعدة للغاية لكنها في الواقع امست قريبة بشدة من بعضها البعض في ظل العلاقات الشبكية ومنجزات شبكة الانترنت. عالم يندفع بايقاع شبكة الانترنت نحو مستقبل تتصارع القوى الكبرى الآن على تحديد ملامحه وقد تتفق على صيغة ما لتقاسم غنائمه رغم محاولات مثقفين كبار في الغرب للبحث عن معنى اكثر انسانية لهذا المستقبل ومحاولة اضفاء طابع اخلاقي على الثورة الصناعية الجديدة والاقتصاد الرقمي. وهاهو كريس اندرسون يتناول في كتابه الجديد "صانعون: الثورة الصناعية الجديدة"مفهوم "الانسان المشروع" اي ذلك الذي يحمل مشروعا هو في الحقيقة جزء من المشروع الكبير او الحلم الجمعي لبلده و"يوتوبيا واقعية لامكان فيها لعاطل". والثورة الصناعية الجديدة في تنظير كريس اندرسون تقوم على شبكة الانترنت وتعتمد تماما على مفاهيم العصر الرقمي و"معامل الابتكار" و"جسارة الخيال" مع توظيف التقنية الرقمية بما يتناسب مع مواهب كل فرد وميوله وقدراته. والمهم في هذا السياق انها تتيح للفرد الواحد او حسب تعبيره "الكائن المنتج" ان يتحول بالفعل الى مؤسسة بمفردها او مشروع اقتصادي وبالتالي توسع من نطاق حريته ضمن علاقات شبكية مع بقية افراد المجتمع المنتج . الغرب وفي طليعته الولاياتالمتحدة لا يغفل لحظة عن توظيف كل جديد في التقنية ضمن علاقات شبكية تخدم مصالحه ومعاركه وفي مقدمتها المعركة الاقتصادية الكبرى مع الصين حتى ان هناك من يعتبر هذه "الثورة الصناعية الجديدة" التي تعني التفعيل الانتاجي الكامل للمجتمع السلاح الموعود لهزيمة الصين في منازلة هذا القرن والتي تجمع مابين تحولات الاقتصاد والجيبوليتيك. انه الصراع الكبير والسؤال الخطير :"من يملك المستقبل" والغرب الأن بات بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة اكثر اصرارا على فلسفة الاتقان واكثر حرصا على معايير الجودة وافكار القيمة المضافة في كل مجالات الانتاج. وهكذا تتولد مفاهيم وتطبيقات جديدة لثقافة العصر الرقمي مثل مايسمى "بالتصنيع بالاضافة" وتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد التي تشكل ثورة في مجال التصميم الصناعي وهي تقنية ليست كما قد يوحي اسمها تتعلق بقضايا الطباعة المتعارف عليها او التي ترد للذهن لأول وهلة . ودون الدخول في تفاصيل فنية قد تبدو معقدة فان هذه التقنية التي تعرف بالطباعة الثلاثية الأبعاد تدخل في مجالات انتاجية عديدة بل وتشمل الطب والفضاء وتحسن جودة المنتج بالجمع بين التصميم والتصنيع كما تخفض من تكلفته و تشكل المدخل الجديد لعالم المستقبل. ومن قبل اصدر كريس اندرسون كتابه "الذيل الطويل" الذي نحت فيه ايضا مصطلحات جديدة مثل "اسواق المشكاة او الكوة الجديدة للفرص التي تتيحها شبكة الانترنت " فيما تستعيد الذاكرة الطازجة للعام الذي مضى كتاب "من يملك المستقبل ؟" لمؤلفه جارون لانيير. وجارون لانيير عالم كمبيوتر وصاحب فتوحات في دنيا الحاسوب ومثقف مهموم باشكالية الافتقار للعدالة المعلوماتية في عصر الاقتصاد الرقمي وانعكاسات هذه الاشكالية بما تنطوي عليه من "استعمار او امبريالية معلوماتية جديدة "على المستقبل . وقد نحت جارون لانيير في هذا الكتاب الذي اثار جدلا ثقافيا كبيرا في الغرب مصطلح "نظام الاقطاع المعلوماتي" الذي يحقق مكاسب مالية كبيرة للفئة المالكة بجشعها المفترس للعبيد او الأقنان في هذا النظام الجديد بظلاله المستقبلية القاتم. وتعرض جارون لانيير لقضايا مثل مآلات القيمة الاقتصادية ومساراتها في عصر المعلومات فيما المعلومات تتجاوز من حيث اهميتها للاقتصاد اهمية العمالة البشرية ويناقش كذلك اهمية المعلومات التي يولدها الانسان المعاصر ذاتيا والتغير في مفاهيم انسان العصر الرقمي مثل مفهوم السعادة . ونحن!..اين نحن من هذه المتغيرات الخطرة في العالم والاقتصاد الرقمي؟!..نحن في لحظات اختلطت فيها على نحو غير مسبوق الثوابت بالمتغيرات واوغل البعض في لعبة خلط الدين بالسياسة والأيديولوجيات وتأويلات التاريخ والموروث وكلها واجهات تخفي صراع المصالح بقدر ما تشكل ستار دخان كثيف يكاد يحجب المستقبل عن المنطقة وفي القلب منها مصر على امل تحويلها للأرض الخراب. وكمثقف ثوري يشغل الأن موقعا وزاريا كنائب لرئيس الوزراء ووزير للتعليم العالي حدد الدكتور حسام عيسى في مقابلة صحفية مع جريدة الشروق اهم العقبات التي لمسها عن قرب في "الوضع الاقتصادي" وقال:"اذا اردت ان تحقق اهداف ثورتين في ظل هذه الظروف الاقتصادية فلابد وان ينتج الشعب...الدولة العاجزة لاتستطيع ان تطعم ابناءها". واذا كانت الأماني قد غرت القوى المعادية لمصر وامتها العربية والبعض يرغب في تحويل ماعرف بالربيع العربي الى فجيعة جديدة تضاف لتاريخ فجائعي عربي فان مصر مدعوة هذا العام بالحاح لثقافة الأمل والعمل واستشراف المستقبل بعين بصيرتها التاريخية . ومصر ثورتها في الأصل مهمومة بالمستقبل والعالم الآن بمثقفيه الكبار مهموم باسئلة كبيرة وتساؤلات قلقة حول سدنة الاقطاع المعلوماتي الجديد بأقنعة انترنتية متعددة في شبكة عنكبوتية ليست محايدة كما يتصور البعض!. هذا عام نلمح فيه البشارة لمصر لأن الحياة غلابة والأمل القائم على المعرفة وقود الى مستقبل قادر على زمانه كما ان هناك تاريخا لدى هذا الشعب يزكي ويرجح ويطمئن المتشوقين بلهفة لما ينتظرونه باستحقاق. لكن ثمة حاجة واضحة لمستويات جديدة من النضج والانضباط والمسؤولية الجماعية لبناء مستقبل مصري ولاوقت نضيعه في المتاهة الخرساء رغم الضجيج الظاهر حتى لانستجير في انتظار رحمة الامبريالية الجديدة في العصر الرقمي. تلك فاتحة عام يعجز فيها "اي قاريء كف للمستقبل" عن النطق بشييء محدد عن افاق المنطقة ومآلات المصير العربي قبل ان يتموضع العالم مجددا ويرفع الستار صراحة عن الصراع الكوني الكبير وتحولات الجيبوليتيك بوسائل غير تقليدية بين "الجبابرة" على جانبي المحيط الهادي وفي شرق اسيا . هو عام الحسم بالفعل وذروة الصدام في المنطقة العربية بين مشاريع متعارضة ومتناقضة وفي معادلة الصراع وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود تبقى مصر الرقم الصعب والمستعصي ابدا على كل القوى المعادية للأمة. بالعقل الحر والفكر المبدع وبثقافة الأمل والعمل تنفتح نوافذ النور وشرفات الأمل هذا العام في مصر لتبدأ في جني ثمار ثورتها الشعبية بموجتيها في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وتتجسد خيارات العدل والحرية في ارض الكنانة. فتحية للمصريين في عامهم الحاسم هذا..عام المصير والانتصار المأمول لامكانية التقدم بعقلانية الممارسة الثورية على اهدار الامكانية بفعل جحافل الفوضى المجرمة ومغتصبي معاني الثورة وتشويش اذناب الاستعمار وخدم القواعد العسكرية الأجنبية وبهلوانيات التنظير الفضائي المنتشي بالدم العربي . تحية للرجال مع اقتراب ساعة انفجار المفاجآت وهم يواجهون بالأمل والعمل التحديات الجسام ويخوضون معركة يالها من معركة!..معركة تحدد هل يكون الانسان في هذه المنطقة حرا وسيدا ام عبدا خانعا في العصر الرقمي والثورة الصناعية..ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ربنا ولاتحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا .