رحل كبير الصحافة المصرية والعربية، رحل الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير ومجلس الإدارة الذى حقق الأرقام القياسية فى كل شىء فى مهنة الصحافة والإعلام لأكثر من نصف قرن. كان الأكثر إنجازًا حوّل الجريدة العريقة التى أسسها آل تكلا فى الإسكندرية إلى مؤسسة إعلامية، تغطى كل مجالات الإعلام الحديث بل سبق مؤسسات إعلامية أوروبية وأمريكية بمراكز الدراسات والبحوث فى كل مجالات الإعلام والسياسة والاقتصاد، وإصدارات متنوعة غطت كل الاحتياجات للقراء من المرأة والشباب والطفل إلى الشئون العربية والدولية، وأصبحت الأهرام فى عهده بيت الخبرة والمتخصصين تفكر للرئيس وللدولة وللرجل الشارع العادى وللفلاح وللصناعى، وتراعى الأبعاد الفكرية والثقافية والاجتماعية وكل الاتجاهات من يسارية وإسلامية معارضة وحكومة فى توافق نادر الحدوث فى عالمنا المعاصر، ولذلك وصف الرجل بصاحب القدرات والإمكانيات الخارقة. وكان يؤدى عمله بهدوء يحسد عليه وبدون تباهٍ عكس أقرانه، فهو يعمل بإتقان وكفاءة عالية، ويرفض كل أشكال الإثارة، وكأنه لا يعمل شيئًا وكان الاكثر حصولاً على الأخبار والانفرادات، يثق فيه كل المصادر فى الداخل والخارج، كان نافع برنس الصحافة، مصادره من زعماء الدول، والمسئولون هم الذين يتفاخرون بلقائه، وهو الصحفى المستفيد هو وصحيفته، يقول هذا هو الشىء الطبيعى لنا، وعندما كنت أتفاخر أمامهم بأى انفرادات أو أحاديث يقول لى ده ماضي الجرنال خلص، وبكرة فيه جرنال جديد ليس أمامنا فرصة الاحتفال ومعني احتفالك هو سقوطك كنت أتصور أن الأستاذ يقلل مما فعلت. وعندما عملت رئيس تحرير الأهرام عرفت أن الصحافة غول يأكل ولا يشبع، وأن ذاكرة القارئ تنسى دائمًا أمس وتفكر فى اليوم والغد قلت له إنها مهنة تقصم العمر، ولا وقت فيها للفرح، فالإنجاز دائمًا ناقص أو ينتظر الكثير ولايشبع والقارئ لا يرضى وأعتقد الآن أن هذه الفلسفة الصعبة فى العمل هى التى مكنت الأستاذ نافع لتحقيق الأرقام القياسية فى أعمالة الصحفية والإدارية والنقابية، وهى التى جعلته يتحمل موجة الحقد والكراهية التى تفشت فى بر مصر مع خروجه من الأهرام فى2005، والتى وصلت ذروتها بصعود التيارات الهامشية والإخوان للسلطة فى مصر ما بعد 2011 إلى أن صحح الشعب والجيش الأوضاع ما بعد ثورة يونيو 2013، وبالقياس لم يكن الأستاذ نافع يحقق الأرقام القياسية في التوزيع والموارد والأحاديث مع الكبار فى عالمنا بل كأن أكثر رؤساء التحرير والإدارة مكوثًا فى هذا المنصب وأكثر نقباء الصحفيين المصريين انتخابًا وأكثر البناءين فى تأريخ المهنة. الأستاذ نافع دفع ثمن تفوقه ونبوغه المهنى، فأراد أعداؤه التطاول عليه والانتقام، من الذين حلموا أن يتبوأوا جميعا مقعده الذى حسدوه عليه واستفادوا من أصوله التى أضافها للأهرام والنقابة، لكن ظهر أمام الجميع عجزهم وضآلتهم أمام قامة نافع، فكالوا إليه الاتهامات، متناسين أن النجاح والتفوق فى كل شىء لن يعجزه أن يستثمر موارده وهو الخبير الدولى الذى عمل لسنوات فى البنك الدولى، وما زلت أتذكر الأساتذة القيسونى والسياحى والناظر وعبد الرزاق عبدالمجيد وسعيد النجار وإبراهيم شحاتة وهم يشيدون بقدرة نافع على إنشاء الشركات وإدارة الأصول وتحويل المال إلى سلع وخدمات، إنها قدرة وإمكانيات يا عالم وليست فهلوة أو شعارات، كما أنها ليست مقالات أو بحوثا، فكان الأستاذ نافع يجيدها بل يتفوق فيها وبها نجح فى الأهرام والنقابة وبها اقتنصه حساده وكارهو النجاح وتقدم البلاد وبناء المؤسسات.