من جديد.. تعود الجرائم الإرهابية باستهداف الكنائس في محاولة من تلك العناصر الإجرامية لنشر الرعب بين المصريين.. وبالنظر في كيفية ارتكاب تلك الحوادث سنجد قاسمًا مشتركًا في وسيلة نقل الإرهابيين.. فإذا كانت تلك العناصر تستخدم سيارات الدفع الرباعي في المناطق المفتوحة بسيناء والواحات.. فإن الدراجات النارية "الموتوسيكلات" هي الوسيلة المناسبة لتلك التفجيرات التي تحدث في وسط العاصمة القاهرة وذلك بطبيعة الحال لسهولة التسلل بها إلى الأهداف المطلوبة، إضافة إلى سهولة الهروب بها وسط زحام العاصمة عبر الطرق والشوارع الفرعية كما أنها غالبًا لا تلفت الانتباه رغم اعتبارها قنبلة موقوتة.. مما يحول هذه الوسيلة إلى أداة قتل خطيرة. وقد وقعت عشرات الجرائم الإرهابية بواسطة هذه الموتوسيكلات من بينها جريمة اغتيال بشعة راح ضحيتها اللواء محمد سعيد مدير المكتب الفني بوزارة الداخلية بمنطقة الطالبية بالهرم ولم يتم ضبط الجناة الهاربين رغم غلق كافة الطرق في محيط الحادث. وبطبيعة الحال لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها التي يتم تنفيذها عبر الدراجات البخارية التي أصبحت المصدر الرئيسي لارتكاب أبشع الجرائم والإفلات من العقاب.. حيث تعرض كمين أمني بقرية "صفط الشرقية" بمركز الواسطى بمحافظة بني سويف لهجوم مسلح نفذه ملثمون مجهولون يستقلون دراجتين بخاريتين قاموا خلاله بإطلاق الرصاص على أفراد الكمين مما أدى لاستشهاد 5 من رجال الشرطة وإصابة آخرين. ومنذ عدة سنوات تعرضت كنيسة العذراء بمنطقة الوراق بمحافظة الجيزة لجريمة بشعة حيث قام مسلحان يستقلان دراجة بخارية بفتح النيران على عشرات المسيحيين حال حضورهم حفل زفاف ما أسفر عن قتل خمسة أبرياء بينهم طفلة صغيرة تدعى مريم أدمت صور دمائها البريئة قلوب ملايين المصريين بخلاف إصابة 18 آخرين وكالعادة أيضًا فر الجناة الذين يعيشون في أمان كامل ويمارسون جرائمهم بشكل طبيعي جدا. وفي ذات الشهر تعرض كمين طلخا الأمني لهجوم إرهابي قام خلاله 4 مسلحين مجهولين يستقلون دراجتين بخاريتين بفتح نيران أسلحتهم على أفراد الكمين مما أدى لمقتل ثلاثة أفراد شرطة وإصابة آخرين وقسمًا بالله العظيم فإنه كالعادة تمكن الجناة من الهرب بفضل تخطيطهم الشيطاني الرائع الذي يستعصي حتى وقتنا هذا على كافة جهود ضبطهم. وليس من قبيل المصادفة أن يشهد نفس الشهر عدة حوادث إرهابية أخرى تم تنفيذها بالاستعانة بموتوسيكلات الإرهاب، لعل أخطرها حادثة استهداف مقر القمر الصناعي بالمعادي بقذيفة "آر بى جى حيث وصل الجناة أمام سنترال المعادي فجرًا واعتلوا أسطح البناية وفتحوا نيران أسلحتهم على المقر، وفروا هاربين. 250 ألف شيطان في الواقع فإن كل ما سبق لم يكن ما سبق سوى سرد مبسط جدًا وليس حصرًا شاملًا للجرائم التي ترتكب بواسطة هذه "الدراجات الشيطانية"، وتؤكد تقارير الغرفة التجارية بالقاهرة أن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت دخول 250 ألف موتوسيكل مجهول لم يسجل منها بإدارات المرور سوى 22 ألف أي أن أكثر من 90% من هذه الدراجات النارية يتم تسييرها بدون لوحات معدنية ولا يعرف أحد أي شيء عن بياناتها وبالتالي تستطيع أن ترتكب أي جريمة بمنتهى الأمان والحرية الكاملة. حيث تحولت هذه الدراجات البخارية من وسيلة نقل إلى كابوس خطير يهدد أمن وسلامة الشعب المصري، بعدما تحولت إلى وسيلة لارتكاب العديد من الجرائم سواء القتل أو الخطف أو الإرهاب، وتستطيع هذه الموتوسيكلات الهروب وسط الزحام، كما يصعب اللحاق بمرتكب الجريمة الذي غالبا ما يفاجأ ضحيته ثم يختفي. وزاد من خطورة الأمر فتح باب الاستيراد العشوائي للدراجات البخارية على مصرعيه دون ضوابط حقيقة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن مصر استوردت خلال العام ما يزيد عن مائة ألف دراجة بخارية من ماركات صينية. وكثير من هذه الدراجات لا يحمل أرقام مرورية، ويقودها أطفال وشباب دون الثامنة عشر من عمرهم يسيرون في عكس الاتجاه دون الالتزام بنظام الشارع مما يعرض حياة المواطن للخطر. خطف في وضح النهار ومع سهولة الحصول على الدراجات النارية المجهولة سواء بالسرقة أو الشراء بالتقسيط أو حتى الاستئجار، وجد البلطجية واللصوص فيها مشروعًا ناجحًا جدًا لترويع الآمنين والسطو المسلح عليهم خصوصًا على الطرق السريعة مثل الدائري والصحراوي. فيقوم الجناة باصطياد ضحاياهم خصوصًا من أصحاب السيارات عبر عدة وسائل إحداها تضييق الخناق والمطاردة عليهم وإجبارهم على توقيف السيارة ومن ثم يشهرون السلاح في وجوههم ويستولون إما على أموالهم ومتعلقاتهم أو حتى يجبرونهم على النزول من السيارة وخطفها ومن ثم مساومتهم على ردها لهم مقابل آلاف الجنيهات. مجرمون آخرون يجوبون هذه الطرق السريعة ويهاجمون أي سيارة معطلة أو توقف صاحبها لأي سبب فيقتربون منه ويعرضون مساعدته ثم سرعان ما يهددونه ويسرقون كل ما يمكن سرقته. وفي كثير من الأحوال وفي وضح النهار يقوم اللصوص إلى الموتوسيكلات بخطف السلاسل الذهبية من أعناق السيدات والحقائب سواء من النساء أو الرجال الذي يبدو عليهم أنهم يحملون أموالا أو جهاز كمبيوتر، كما يستخدم في خطف الهواتف سواء من السائرون على أقدامهم أو أصحاب السيارات الذين يضعون هواتفهم المحمولة في متناول أيدي البلطجية واللصوص، وتعتمد هذه الطريقة على أسلوب العصابات، حيث يكون هناك شخصين الأول يقود الموتوسيكل، والثاني خلفه يتولى مد يده والسرقة. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن كيف نعيش في وطنٍ تهمه مصلحة المواطنين وتنام عيون كي تسهر عيون أخرى وعندما تُصبح طرقات الوطن مثل طرقات عصر العصابات وقاطعي الطرق على مفارق الوطن، فأي أمن يستطيع أن يحمينا من الدراجات الشيطانية التي أصبحت بمثابة وسيلة الموت السريع، وكيف سيحمينا رجال الأمن وهم أنفسهم يقتلون بنيران أصحابها ورغم كل ذلك ما زالوا يسمحون بمرورها ويحاولون طمأنتنا ببعض الأكمنة الاستثنائية التي غالبًا ما نشاهدها بعد وقوع كل مصيبة لتحمل الجثث وتكتفي بمواصلة البحث عن هؤلاء العفاريت.