«أطلب باسم الكنيسة الكاثوليكية السماح على التصرفات غير المسيحية التى اضطلعت بها كنيستنا، ومنها ما كان غير إنسانى فطاولتكم فى فترات مختلفة من التاريخ، فاصفحوا عنا باسم المسيح».. بهذه الجملة خاطب البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، الكنيسة الإنجيلية عام 2015، خلال زيارته مدينة تورينو، شمال إيطاليا، مؤكدًا أن العلاقات بين الإنجيليين والكاثوليك تتحسن وتستند إلى الاحترام المتبادل والمحبة الأخوية. تصريحات البابا ليست بغريبة على شخصه، لذلك شارك فى أكتوبر 2016 فى احتفالات الكنيسة السويدية بالذكرى ال 500 للإصلاح الذى أطلقه مارتن لوثر، وهى ذكرى انفصال الكنيسة فى روما وتأسيس الكنيسة البروتستانتية حول العالم، ووصف اللقاء الذى شهدت فعالياته مدينة «لوند» السويدية بالتاريخي. وخلال زيارته لمدينة لوند، كرر البابا طلبه بالسماح من الكنائس الإنجيلية قائلًا: «إننا بحاجة إلى أن ننظر بصدق ومحبة إلى ماضينا والاعتراف بخطايانا ونطلب الصفح، بكل امتنان، نعترف بأن الإصلاح ساهم فى وضع الكتاب المقدس بشكل مركزى فى حياة الكنيسة»، مستطردًا: «لدينا فرصة لإصلاح لحظة حرجة فى تاريخنا، والتغلب على الخلافات وسوء الفهم الذى كثيرا ما منعنا من تفهم بعضنا البعض». مارتن لوثر الذى علق فى 31 أكتوبر عام 1517 فى مدينة «وتنبرج» فى ألمانيا، لائحة من 95 بندا يعترض فيها على بعض الممارسات والعقائد فى الكنيسة الكاثوليكية التى رأى فيها خللا أراد إصلاحه، لم يدرك أنه كان سببًا فى إطلاق حركات إصلاحية عدة فى بلدان مختلفة من أوروبا نشأت عنها أكثر من كنيسة إنجيلية، منها اللوثرية والمُصلَحة (الكالڤينية) والأنجليكانية الأسقفية، كما نشأت كنائس أكثر تشددا وانتقادا، كالكنائس المعمدانية وغيرها. تحركات البابا فرنسيس الإيجابية فى التقارب مع الكنيسة الإنجيلية كانت سببًا لدراسة أطروحات مارتن لوثر، فى مطلع العام الجارى عُقد مؤتمر دراسات دولى من تنظيم اللجنة الحبرية للعلوم التاريخية تحت شعار «لوثر بعد 500 عام» للمناقشة، وفيه أكد جوهانس جروي، أستاذ التاريخ القروسطى فى جامعة الصليب المقدس الحبرية فى روما أن: «الانفصال ليس إيجابيًا، لذلك، إذا قلنا إننا نحتفل بهذه الذكرى من الجانب الكاثوليكي؛ فإن ذلك يترك «طعمًا مرًا فى حلقنا»، مستطردًا: «نحن لا نحتفل بالإصلاح لكنه وقت نحيى فيه ذكرى انفصالٍ حدثَ فى تلك الحقبة التاريخية، نتعلم من ذلك الانفصال لكى نعيد توحيد الكنيسة ونتلافى فى المستقبل أمورًا من هذا النوع». وعقب انتهاء المؤتمر، التقى البابا فرنسيس المشاركين فيه؛ حيث أكد لهم أن الدراسة المعاصرة لمارتن لوثر تتيح الكشف عن «كل ما كان إيجابيا ومشروعا فى الإصلاح». وقال البابا فرنسيس: «إن دراسات رصينة حول شخصية لوثر وحول انتقاده للكنيسة فى زمانه وللبابوية، تساهم بالتأكيد فى تجاوز مناخ الارتياب المتبادل والتنافس الذى ميز فترة طويلة العلاقات بين الكاثوليك والبروتستانت». وأضاف البابا، أن دراسة متأنية وصارمة، ومتحررة من الأحكام المسبقة والجدالات، تتيح للكنيستين اللتين باتتا تتحاوران، أن تكشفا كل ما كان إيجابيا ومشروعا فى الإصلاح، من خلال الابتعاد عن الأخطاء والإخفاقات، والاعتراف بالخطايا التى أدت إلى الانقسامات. وشدد البابا على القول: «نحن جميعا مدركون أننا لا يمكن أن نغير الماضي، لكن اليوم، بعد 50 عاما على الحوار المسكونى بين الكاثوليك والبروتستانت، من الممكن المباشرة بتطهير الذاكرة». ومع بداية الاحتفال بالإصلاح الإنجيلى، أصدر الفاتيكان طابع بريد مرسوما عليه صورة «مارتن لوثر»، مؤسس حركة الإصلاح الدينى فى أوروبا، وهو راكع أمام المسيح ويحمل بيده الكتاب المقدس أساس إيمانه، وفى الجهة الأخرى صورة اللاهوتى «فيليب ملانكثون» وهو راكع ويحمل بيده إقرار إيمان «أوجسبورج»، أول إقرار إيمان إنجيلى كتبه ملانكثون صديق لوثر، فى خلفية الصورة تظهر مدينة «ڤيتنبرج» الألمانية فى شكل ذهبي. الأب رفيق جريش المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، أكد أن المحبة الأخوية والعمل المشترك بين الكنائس بغض النظر عن الاختلافات العقائدية، مشيرًا إلى أن الأطروحات التى قدمها مارتن لوثر كانت سببًا لعقد عدد من المجامع الكنسية لإجراء إصلاحات داخلية. وشدد جريش: «لا نقصد بالإصلاح داخل الكنيسة تغيير العقيدة الكاثوليكية، وإنما تطوير العمل بداخلها ومناقشة المشاكل التى تواجهها فى أداء رسالتها، إلى جانب معاجلة الأسباب التى أدت إلى الانشقاق».