على وقع عودة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري إلى بيروت الليلة الماضية ووسط انتعاش الآمال في احتواء الأزمة السياسية التي خلفتها استقالته المفاجئة من الرياض يوم 4 نوفمبر الجاري، يحيي اللبنانيون اليوم الأربعاء الذكرى الرابعة والسبعين لاستقلال بلادهم في ظل حالة من الترقب والانتظار لما ستشهده الساحة اللبنانية عقب عودة الحريري وما سيعلنه من مواقف وقرارات سياسية. وعشية إحياء هذه الذكرى برزت جملة من التطورات والمواقف والتحركات المحلية والإقليمية والدولية التي تصب كلها في اتجاه التأكيد على ضرورة نزع فتيل الأزمة وأهمية الحفاظ على استقرار لبنان، وهو ما خلف أجواء تدعو إلى التفاؤل بأن الأوضاع في لبنان ذاهبة إلى تهدئة وأن الأزمة الحالية قد تشهد نهاية قريبة تحفظ للبنان استقراره وأمنه المنشود. ويرى محللون أن هذه المواقف والتحركات تهدف في مجملها إلى توفير غطاء سياسي أو شبكة أمان إقليمي ودولي لإقناع الحريري بالبقاء في منصبه من ناحية والعمل من ناحية أخرى على تليين مواقف بعض الأطراف اللبنانية والإقليمية بهدف التوصل إلى تسوية مقبولة تنهي الأزمة الراهنة. أبرز هذه التطورات كانت زيارة الحريري للقاهرة مساء أمس ومباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أكد خلالها دعم مصر الكامل للحفاظ على استقرار لبنان، كما دعا إلى ضرورة توافق الأطراف اللبنانية فيما بينها إعلاءً للمصلحة الوطنية للشعب اللبناني، ورفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبنان. ومن جانبه، أكد الحريري مجددا تمسكه بأهمية الالتزام بمبدأ النأي بلبنان عن المحاور والسياسات الإقليمية وقبيل لقائه مع الحريري تلقي الرئيس السيسي اتصالا هاتفيا من الرئيس اللبناني ميشال عون جرى خلاله بحث تطورات الوضع اللبناني والتأكيد على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان وضرورة إعلاء المصلحة الوطنية اللبنانية. اختيار الحريري للقاهرة لتكون المحطة العربية الأخيرة له قبل عودته إلى بيروت حمل الكثير من الدلالات السياسية المهمة بشأن مستقبل الأزمة اللبنانية لاسيما في ظل موقف مصر المعلن من الأزمة اللبنانية والذي عبر عنه الرئيس السيسي بوضوح في أكثر من مناسبة، من خلال تأكيد حرص مصر على استقرار لبنان ورفض أي تصعيد أو توتر على الساحة اللبنانية خصوصا وأن المنطقة بها ما يكفي من الاضطرابات والأزمات. أما على المستوى اللبناني فقد جاءت كلمة الرئيس عون إلى الشعب اللبناني مساء أمس بمناسبة عيد الاستقلال، محملة بالعديد من الرسائل للداخل والخارج والتي تؤكد في مجملها على التهدئة وأهمية الحفاظ على استقرار لبنان وأمنه فقد دعا عون الدول العربية الى التعاطي مع الوضع في لبنان بحكمة وتعقل، محذرا من أن خلاف ذلك "هو دفع لبنان إلى النار" وفيما بدا أنه تحفظ على ما جاء في البيان الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الأخير بشأن الوضع في لبنان دعا الرئيس اللبناني الجامعة بالحفاظ على استقلال الدول الأعضاء بها وفقا لميثاقها. كما طالب المجتمع الدولي بدعم استقرار لبنان وفي رسالته إلى الداخل حث عون اللبنانيين على التمسك بوحدتهم، وعدم السماح للفتنة بأن تدخل بينهم قائلا "وحدتكم هي أمنكم واستقراركم". وعلى صعيد التحركات الدولية لدعم جهود التهدئة واحتواء الأزمة السياسية في لبنان قبيل عودة الحريري إلى بيروت، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباحثات هاتفية مع كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو جرى خلالها التأكيد على أهمية الحفاظ على استقرار وسيادة لبنان. ووفقا لبيان لقصر الاليزيه أمس فإن ماكرون أكد خلال هذه الاتصالات أهمية أن تعمل دول المنطقة بشكل جماعي لخفض التوترات. واعتبر مراقبون أن هذه المساعي الفرنسية تهدف إلى تهيئة الأجواء للتوصل إلى تسوية سياسية في لبنان ربما تقنع الحريري بالعدول عن استقالته والاستمرار رئيسا للحكومة. ومنذ اندلاع الأزمة السياسية التي خلفتها استقالة الحريري، سعت فرنسا بدأب مع مختلف الأطراف اللبنانية والإقليمية المؤثرة لاحتواء الأزمة ومنع تصاعدها فقد قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بزيارة الرياض حيث التقي الحريري، كما التقى عددا من القادة السعوديين في محاولة لتليين موقفهم من الأزمة اللبنانية، وأعقب ذلك دعوة ماكرون للحريري لزيارة باريس التي أعلن منها عودته إلى لبنان للمشاركة في الاحتفالات بعيد الاستقلال. شارك الحريري اليوم في الاحتفال والعرض العسكري وسط العاصمة بيروت بمناسبة ذكرى الاستقلال، والذي أقيم بحضور الرئيس ميشال عون وكبار المسؤولين اللبنانيين وعقب انتهاء الاحتفالات التقى الحريري مع عون في قصر بعبدا لبحث أسباب وملابسات ومصير استقالته. وأعلن الحريري عقب اللقاء أنه قدم استقالته للرئيس اللبناني الذي تمنى عليه التريث لإتاحة الفرصة لمزيد من التشاور في أسباب الاستقالة وخلفياتها السياسية..قائلا: "إنه أبدى تجاوبا مع هذا التمني من قبل فخامة الرئيس عون..آملا في أن يشكل مدخلا جديا لحوار مسئول يجدد التمسك باتفاق الطائف، ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب". وكان الحريري قد اشترط العدول عن استقالته، الحصول على التزام واضح من حزب الله بمبدأ الحياد الإيجابي والنأي بلبنان عن التجاذبات الإقليمية والتي قد تعرض مصالحه ومصالح مواطنيه للخطر. ويرى مراقبون أن عدول الحريري عن استقالته قد يحافظ على التسوية السياسية التي جرت بين الفرقاء اللبنانيين نهاية العام الماضي وأتت بالعماد ميشال عون رئيسا للبنان بينما قبل الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية بمشاركة وزراء من حزب الله.