وكأن المشرحة ناقصة قتلى، حتى يأتى لنا وباء جديد يحمل اسما من واقعنا «حمى الضنك»، ولأن مصر سباقة وصاحبة فضل على العالم، كانت «حمى الضنك» من صنع بعوضة مصرية. حمى «الضنك» منتشرة فى القصير منذ أكثر من شهر، والحكومة فى الغيبوبة، وحتى لما فاقت، طلعت فورا البيانات المعلبة بالنفى والاستنكار، وحتى بعد الاعتراف بالوباء، كانت مواجهته فقط على شاشات التليفزيون والتصريحات الصحفية، ذلك أن الوباء ضرب مدن الجنوب التى تعانى إهمالا مزمنا منذ قديم الأزل. «حمى الضنك» معروفة أيضا باسم حمى تكسير العظام، وهى عبارة عن مرض فيروسى حاد، من أعراضه ارتفاع درجة الحرارة، والصداع الشديد، وآلام المفاصل وعضلات الجسم، وعادة ما يظهر على المصاب طفح جلدى، وبعض الحالات تصاب بنزيف، ولم يتم حتى الآن تحديد علاج مباشر لهذا الفيروس، لهذا يتم علاجه بالأدوية المضادة للحمى العادية. تقول منظمة الصحة العالمية: إن «حمى الضنك» هى مرض فيروسى ينقله البعوض، وقد انتشر بسرعة فى كل أقاليم منظمة الصحة العالمية فى السنوات الأخيرة. وتنقل فيروس الضنك إناث البعوض، وذلك أساسًا من جنس «الزاعجة المصرية» وبدرجة أقل «الزاعجة المرقطة»، وتم التعرف على حمى الضنك الوخيمة (المعروفة أيضًا باسم حمى الضنك النزفية) فى الخمسينيات من القرن الماضى أثناء فاشيات الضنك فى الفلبين وتايلاند. أما اليوم فإن حمى الضنك الوخيمة تنتشر فى معظم بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية. وهناك أربعة أنماط متمايزة، وإن كانت ذات صلات وثيقة، من الفيروس المتسبب بحمى الضنك. ويؤدى تعافى المريض من العدوى إلى اكتسابه مناعة تدوم طيلة العمر إزاء النمط الذى أُصيب به، على أن المناعة المتصالبة المكتسبة بعد الإبلال إزاء الأنماط الأخرى تظل جزئية ومؤقتة، وتزيد العدوى اللاحقة بأنماط أخرى من مخاطر الإصابة بحمى الضنك الوخيمة. ارتفعت معدلات انتشار حمى الضنك ارتفاعًا شديدًا فى مختلف أرجاء العالم خلال العقود الأخيرة، وتفوق الأرقام الفعلية لحالات حمى الضنك ما تشير إليه التقارير، كما أن الكثير من الحالات يُساء تصنيفها. ووفقًا لبعض التقديرات، فإن عدد الأشخاص المعرضين لخطر العدوى بفيروسات الضنك يصل إلى 3.9 مليون نسمة فى 128 بلدا. ويقدر عدد الأشخاص الذين يعانون من مرض حمى الضنك الشديد بحوالى 500000 شخص سنويا، ويتوفى حوالى 2.5٪ من المصابين به. وبعيدا عن اختراع البعوضة المصرية «حمى الضنك»، عرفت مصر على مدار تاريخها عشرات الأوبئة منها «الطاعون». الذى هاجم مصر خلال فترات متعددة، وخلال الفترة من أكتوبر 1347 ويناير1349، لقى نحو200 ألف مصرى حتفهم على طريق القوافل الذى يربط ما بين القاهرة وبلبيس، وقيل إن الجثث كانت تتناثر فى كل مكان على طول الطريق، وأتى الطاعون والمجاعة بعد ذلك على الأخضر واليابس بين 1347 و1349، وذلك حسب كتابات المؤرخين. وعاشت مصر مرارة وباء «الكوليرا» لثلاث مرات متعاقبة، أولها عام 1883 م ثم فى عام 1902م وآخرها 1947م؛ ففى 22 يونيو 1883م ظهرت الكوليرا فى مدينة دمياط، ومنها انتشرت لباقى المدن المصرية، وحاولت قوات الاحتلال البريطانى - آنذاك - إيهام المصريين بأن المرض محلى وبدايته من مصر، ولكن التحقيقات الرسمية أثبتت أن أحد قائدى السفن وأتى إلى مصر قادمًا من الهند، وكان يحمل جراثيم الكوليرا. وبنهاية أغسطس عام 1883، تم القضاء على المرض وأثبتت التقارير أن عدد ما خلفه من خسائر بشرية يقدر ب 40 ألف ضحية، وعاود وباء الكوليرا الظهور مرة ثانية عام 1902 وقضى على أغلب جنود الاحتلال الإنجليزى فى معسكر التل الكبير، ثم انتقل إلى بلدة القرين بمحافظة الشرقية، ثم انتشر كالريح فى جميع أنحاء مصر، وخلف 35 ألف حالة وفاة، وفاجأ الوباء المصريين بظهوره مرة ثالثة عام 1947 وأدى إلى حدوث نحو 20 ألف حالة وفاة، وذلك حسب مقال للكاتب شجون خليفة. وفى العصر الحالى، ما زالت مصرتحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث معدلات الإصابة بفيروس «سى»، وأشار تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الإصابة تصل لنحو 22٪ كما أكد التقرير أن الفيروس يصيب نحو 165٫000 شخص فى مصر سنويًا. كما أوضح معهد الكبد الوبائى أن هناك 9 ملايين مريض بفيروس «سى» بمصر، طبقًا للمسح الذى أجرته وزارة الصحة. اللهم احفظ مصر من الداء وكل الأعداء.