افتتح المفكر الأمريكي "أوس جنيس" اليوم الثلاثاء صالون الإسكندرية الثقافي بمحاضرة تحدث فيها عن التحديات التي تواجه الحرية في الولاياتالمتحدة، وهو من الأكاديميين المرموقين، وينحدر من عائلة أيرلندية عريقة، واستكمل دراساته العليا في بريطانيا، ويعيش في الولاياتالمتحدة، وله أكثر من ثلاثين كتابًا في المواطنة، والمدنية، والحرية والمسئولية، ومعروف بآرائه النقدية للحياة الأمريكية. وأعرب جنيس عن سعادته البالغة بوجوده في مكتبة الإسكندرية، وانبهاره بالدور الذي تقوم به على المستويين المحلي والدولي، خاصة جهودها في نشر الثقافة والحكمة والحوار والانفتاح على ثقافات العالم المختلفة. وتحدث "جنيس" في محاضرته عن نموذج الحرية الأمريكي، باعتباره من أبرز النماذج وأكثرها بحثًا ونقاشًا. وأكد في البداية أن نماذج الدول لا يمكن تعميمها أو ضمان نجاحها في دول أخرى، لأن لكل دولة طبيعتها وظروفها الخاصة، ولكنه بكل تأكيد إحدى التجارب المهمة التي يمكن أن نتعلم منها الكثير، فقد قدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية للعالم نموذجا ناجحا في اكتساب الحرية والحفاظ عليها لسنوات طويلة، إلا أنها تواجه الآن العديد من التحديات التي تهدد بفشل هذا النموذج وعدم استدامته. وأوضح أن إنشاء مجتمع يتمتع بالحرية يمر بثلاث مراحل أساسية؛ وهي: الواجبات، التحديات، وتجاوز المفارقة. وتتمثل الواجبات في اكتساب الحرية؛ وهي مرحلة مرت بها العديد من الدول من خلال الثورات، وتنظيم الحرية؛ وهي مهمة أصعب من التي سبقتها وتتمثل في صياغة الدساتير التي تنظم هذه الحرية، وأخيرًا استدامة الحرية؛ وهي كل الإجراءات التي تضمن الاستمرارية بمرور الوقت. أما التحديات فقد تمثلت بالنسبة للحالة الأمريكية في الضغوط الخارجية، الفساد الذي تحميه بعض العادات والتقاليد، والزمن. ولفت إلى أن المفارقة الكبرى هي أن "أكبر عدو للحرية هي الحرية نفسها"، موضحًا ذلك بأن الوصول إلى الحرية واكتسابها هو أمر صعب قد يتطلب التضحية بأرواح الكثيرين في حروب وثورات، وبالتالي فإن جهود البعض للحفاظ عليها قد تتحول إلى أفعال فوضوية ومتسلطة، وهو ما يتنافى مع قيم الحرية. وأوضح أن نجاح النموذج الأمريكي في تحقيق الحرية الذي جاء في أعقاب الثورة الأمريكية يتمثل في قدرة المجتمع على تحديد هدف واحد بالرغم من التنوع والاختلاف الذي تتمتع به آنذاك، وقد أطلق على هذه التجربة "المثلث الذهبي للحرية"؛ والذي يضم ثلاثة عناصر أساسية وهي الحرية، الفضيلة، والإيمان. فالحرية تتطلب الفضيلة، والفضيلة تتطلب الإيمان، والإيمان يتطلب الحرية. وبالحديث عن المجتمع الأمريكي المعاصر، قال جنيس إن نموذج الحرية معرض للخطر لعدد من الأسباب؛ أهمها أن المجتمع الأمريكي يشهد درجة غير مسبوقة من الانقسام؛ ليس فقط سياسيًا بل اجتماعي وتعليمي وثقافي واقتصادي. كما أن المبادئ التي قامت عليها الحرية سابقًا هي محل جدال ونقاش كبير. وشهدت الجلسة عددًا كبيرًا من المداخلات والأسئلة التي وجهها الحضور للمفكر أوس جنيس؛ ومنهم الإعلامي الكبير مفيد فوزي، والدكتور ممدوح حمزة، والدكتور حسام بدراوي، والدكتور خالد القاضي، وغيرهم.