ظاهرة القتل تتعلق بشكل كبير بعدة عوامل منها العامل الاجتماعي والعامل النفسي، وغيرها من العوامل الأخرى، فقد تطرقنا لعرض القضية على خبراء علم النفس وخبراء علم الاجتماع، لكي نعرف الأسباب المباشرة التي أدت إلى ذلك. في البداية، يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي: إن هناك عدة أسباب، منها أبعاد نفسية وأبعاد اجتماعية تتسبب في حدوث ظاهرة الثأر، على رأسها التنشئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد داخل المجتمع أو البيئة المحيطة به، ويعد هذا البعد له دور مهم في ترك آثار سلبية لدى الأفراد، تجعلهم يقبلون على أخذ الثأر والعنف، لأنهم عندما ينشأون بين أسر تشجعهم على العنف وتحرض الأطفال منذ الصغر على أخذ ثأره من أخيه أو صديقه، أو جاره الذي يلعب معه منذ الصغر، مثال ذلك أن تقول الأم أو الأب للطفل «اضربه زي ما ضرب أخوك أو زي ما ضرب أبوك»، أو «اشتم فلان زي ما شتمك وما تسيبش حقك»، كل تلك المفاهيم ينشأ عليها الطفل ويتربى ويترعرع عليها، وتعد هذه الأساليب من الموروثات الهمجية المتداولة داخل معظم البيوت المصرية». التنشئة والجريمة وأوضح أن عند هذه البداية والنشأة لهؤلاء الأطفال يصبحون جاهزين للعداء مع الآخرين عند الكبر، حتى وإن كانوا ليس لهم الحق في ذلك، ولكن البيئة المحيطة بهم هي التي أجبرتهم على ذلك؛ إلى أن أصبح في مجتمعنا كل يوم نرى ونسمع عن جرائم وحشية من قتل وتقطيع جثث وحرق وخلافة، أو نسمع عن مشاجرة بين عائلتين سقط على إثرها 5 ضحايا أو أكثر، مثلما يحدث في الصعيد. وتابع فرويز قائلا: «اللي يرشك بالمية رشه بالدم».. تلك العبارة التي ينشأ عليها الأطفال، مما ينشأ كل شخص على «خذ حقك بدراعك» على حد وصفه، مضيفًا هناك عوامل مهمة من الممكن أن يعيها الفرد ويتجنبها في المجتمع؛ ليستطيع أن يتخطى المعوقات التي تقف في طريقه والتي تواجهه؛ والتي من الممكن أن تؤثر على سلوكه الاجتماعي والنفسي؛ وقد تؤدي به إلى طريق الهلاك، وهي طريق الذهاب بلا عودة، وهي أن يتحول من الآدمية التي خلقه الله عليها إلى «الوحشية»، ومحاكاة الغرائز التي بداخله أو بالأجواء المحيطة به من بيئة وأهل وخلافة والتي قد تصل إلى حد قتل الأسر كاملة؛ بسبب بعض المشاجرات بين العائلتين، أو قد ترجع إلى ثأر قديم. وفي السياق نفسه، يقول الدكتور سعيد صادق، الخبير الاجتماعي: إن قضايا الثأر قضايا بالغة التعقيد، من حيث طبيعتها وأسباب حدوثها، ولذلك فإن معالجتها والقضاء عليها يحتاجان إلى تكاتف شرائح المجتمع وجميع المسئولين بالدولة وجهود الأزهر الشريف، لأن هذه الظاهرة تهدد المجتمع المدني وجميع طوائف الشعب من كبير وصغير ورجل وامراة كل على حد سواء. حوار ومناقشة لذلك لا بد من الحوار والمناقشة حول هذه القضية، ولا بد من تثقيف وتعليم الشباب حول مخاطر الإجرام بشكل عام، وجرائم الثأر بشكل خاص، لأن من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار قضية الثأر والقتل بشكل عام ساعد على ذلك، انتشار الجهل والفقر وانتشار السلاح بصورة كبيرة بين أفراد المجتمع، وخاصة في صعيد مصر، وأيضًا عدم تطبيق القانون بطريقة صحيحة وعادلة، لأنه لا بد أن من يرتكب خطأ أو جريمة يعاقب عليها في أقرب وقت ولا تأخذ هذه القضايا وقتًا طويلا. وأضاف أن القضية تظل معلقة بسبب العادات والتقاليد، التي توجد في الصعيد والأقاليم، بسبب كثرة الجهل والفقر وكثرة السلاح في هذه الأماكن كما ذكرنا، والخاسر الوحيد على الدوام «الإنسانية». وأشار إلى أن المرأة في الصعيد وإصرارها على الأخذ بالثأر، لمجرد أن تشفى غليلها، تعد من أهم أسباب انتشار الثأر في الصعيد، وحتى ولو كان محاولة انتقام المرأة المحرومة والمقهورة، على سبيل التخلص من رجلها، سواء زوجها أو حتى ابنها بدفعه للأخذ بالثأر. رفض الدية بينما قالت إيمان العلي، خبيرة بالعلوم الاجتماعية وعضوة المجلس القومي لحقوق الإنسان: إن أهالي الصعيد يرفضون قبول الدية عوضًا عن الثأر، ويرونها عيبًا وعارا. وأضافت أن المطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة في الصعيد، فالأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء، فالإخوة غير الأشقاء، وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو إخوة، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء، والثأر في الصعيد لا يلزم سوى أقارب «الدم» أي من ناحية الأب، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر، وإن كان الأمر لا يخلو من الدعم والمساعدة. وأشارت إلى أن جميع المؤرخين أكدوا أن مصر عرفت ظاهرة الثأر مع هجرة القبائل العربية إليها، عقب الفتح الإسلامي في العام 20 هجرية الموافق 685 ميلادية، عندما نزحت القبائل العربية آنذاك إلى البلاد. الجهل السبب فيما قالت الدكتورة منال زكريا، أستاذة علم بجامعة عين شمس: إن الخصومات الثأرية التي تقع في الصعيد وفي الأرياف تحدث نتيجة عدد من العوامل، أبرزها الجهل، حيث إن أغلب المشاكل التي تتعرض لها البلاد تقع بسبب غياب التعليم وانتشار العادات البدائية، التي تعمل على فعل أي شيء حتى ولو على حساب المبادئ والقيم وهذا يحدث حينما تشتعل دوافع الغضب. انتشار السلاح في حين، قال أحمد الكنفاني، عضو الجماعة الوطنية لحماية حقوق الإنسان والقانون: إن قضايا الثأر لا تسقط بالتقادم، حتى لو مر عليها سنوات طويلة أو ظل القاتل لسنوات عدة مختفيًا أو هاربًا خلف القضبان، ففي إحدى قرى البدرشين بالجيزة، قتل شابان شيخًا في السبعين من عمره ثأرا لوالدهما، رغم مرور 50 عامًا على مصرعه، وتكرر الأمر في إحدى قرى محافظة المنيا، حيث أصرت الجدة على الثأر لولدها، رغم مرور خمسين عامًا على مقتله، قضى القاتل نصفها في السجن، لافتًا إلى أنه عادة ما ترتبط ظاهرة الثأر بالسلاح المتوافر لدى عائلات الصعيد، فمعظم أبناء الصعيد يجيدون استخدام السلاح، وهو ما ينطبق على نسبة كبيرة من النساء أيضًا. وأضاف أن كل المناسبات في محافظات الصعيد مرتبطة بالسلاح وبالفخر به وتكاد أفراح الصعيد تتحول إلى مظاهرة مسلحة، فالجميع يذهب حاملا بندقيته للمجاملة، كما أن تجارة السلاح من الأنشطة الرائجة في الصعيد، ويأتي معظمها عبر الجبال وزراعات القصب، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الآلية والرشاشات.