تم البدر بدري.. والأيام بتجري.. والله لسة بدري والله يا شهر الصيام، يا الله .. ما أثقل كلمات هذه الأغنية على نفس كل من يذوب عشقا في أيام وليالي شهر رمضان المعظم أمثالي ، فمنذ أن فتحنا أعيننا على هذه الدنيا ونحن لا نرى فرحة تعادل أيام الشهر الفضيل . وأتحدى أي شخص ، خصوصاً من الملتاعين لفراق ست الحبايب أمثالي ، أن يمنع عينيه من البكاء أو يحبس دموعه عن التدفق وهو يستمع إلى كلمات هذه الأغنية ، خصوصاً عندما نصل إلى مرحلة : "بتحلف يتيمك ما تلمح دموعه .. وتسره بقدومك وتنور شموعه .. وتكون المأمورية في غاية الصعوبة على من له ذكريات مشتركة مع إنسانة كانت تمنحه الحياة مثل أمي رحمها الله .. فكنا نبكي سوياً دون ترتيب أو اتفاق ونحن نستمع لهذه الكلمات المؤثرة . وهنا تنتابك حالة من عدم الاتزان الشعوري ، فلا تدري إن كنت تحزن على حالك كيتيم .. أم على فراق الشهر الكريم الذي نتمسح في نفحاته وبركاته لنطفئ أي نار سواء في خصومة أو حتى في مفارقة عزيز .. فتجدك تصبر نفسك على فراقه بأنه مات في أيام مفترجة . وفي أم الدنيا مصر لا تخلو عيون أبناء المحروسة من الرغرغة بالدموع الحارة المتألمة على رحيل شهر الخير والبركة .. حيث يشعر فيه المسلمون ، ولا أبالغ حين أقول إخواننا المسيحيين أيضاً ، بأحاسيس روحانية لا يمكن وصفها.. فإن كتبت لهم الحياة فهم ينعمون بالصوم والتقرب إلى الله وإن كتب عليهم أو على أحبائهم الموت فإنهم لا يحزنون على فقيدهم طامحين في عفو وكرم الله بالرحمة والمغفرة لعباده . فرمضان شهر خير وبركة ليس على المستوى الخطابي والإنشائي، وإنما على المستوى الفعلي فهو مناسبة عظيمة للتسامح والتكافل والقرب إلى الله، ويستشعر كل من يحب هذا الشهر جمال صفائه الروحاني سواء في العبادات التي يؤديها شكرا لله على أنعمه، أو في المعاملات التي يبتغي من خلالها القرب للخالق العظيم ومساعدة المحتاجين ونزع الغل من صدور الفقراء والمساكين. ومع دخول رمضان يشعر الذين في قلوبهم خير بجرعة أمن وطمأنينة غير عادية، وكيف لا وهو شهر تصفد فيه الأغلال والشياطين ، إلا من حرم من رحمة الله وغفرانه ، فمن منا لا يغفر لجاره "لأجل خاطر رمضان"، ومن منا لم ينته عن فعل الذنوب إكراما وإجلالا لحرمة الشهر الفضيل، بل ومن منا لم تدمع عيناه من خشية الله وهو يتدبر عظمة الشهر الكريم. أما مع رحيله ، كما في هذه الأيام ، تنقلب هذه الأحاسيس تماما، حيث يحل الحزن والاكتئاب على الفراق محل الشوق والسعادة بالقرب من رمضان، وتظل الدموع تجري والنفس تنقبض لما ينتظرنا بعد انتهائه من ويلات، فما أصعب أن تتبدل الأحوال بعد رمضان بعد تحرير الشياطين من أغلالهم وحين ترى الشر يتطاير من عيون بعض المنافقين الذين اضطروا للاستقامة في أيامه ويتشوقون لتعويض ما فاتهم من مفاسد بعد رمضان. إلى أن يأتي العيد بفرحته التي قد تمنحنا طاقة مؤقتة للصبر على مفارقة شهر البركة والإحسان وتعيننا على انتظار رمضان القادم، ويدعو المؤمنون العاشقون لرمضان دائما أن يطرح الله البركة في أيام رمضان وغيرها وأن يجنبهم شر ما بعد رمضان.