الرواية المعاصرة تحفل بتجليات الأثر الصوفى.. و«قواعد العشق الأربعون» لاقت رواجًا منقطع النظير جميع الرموز الصوفية حوّلت إلى شخصيات درامية فى أعمال أدبية جاء فوز رواية «موت صغير» للأديب السعودى محمد حسن علوان بجائزة البوكر لهذا العام، ليكشف النقاب عن الفكر الصوفى فى الأدب العربى أو الأدب الصوفى بشكل أدق، فعقب اندلاع ثورات الربيع العربى ظهر ما يسمى بالثورة الصوفية تحديا للفكر المتطرف الوهابى الذى علا نجمه عقب ثورات الربيع العربى. اندلعت الثورة الصوفية فى شتى المجالات وكان منها الأدب، حيث بدأت سلاسل الروايات والأعمال الأدبية فى سلوك ذلك المنحى سواء على مستوى الإبداعات الجديدة، أو إعادة طرح لأعمال قديمة لم تكن ذائعة الصيت حينها، منها مسرحية «الحلاج» لصلاح عبدالصبور، التى تأثر فيها بشخصية الحلاج، وعرضت كثيرا على خشبات المسارح عقب الثورات مقارنة بأى فترة سابقة؛ كما قدمت أيضا مسرحية «ليلة السهروردى الأخيرة» لمحمد فريد أبو سعدة، كما تحفل الرواية المعاصرة بتجليات الأثر الصوفى عليها، كما هى الحال فى كتاب «التجليات» لجمال الغيطانى، التى تقترب لغتها من النصوص الصوفية، ورواية «شجرة العابد» لعمار على حسن، ثم طلت الكاتبة التركية إليف شافاق بروايتها «قواعد العشق الأربعون» التى لاقت رواجا منقطع النظير، والتى تدور أحداثها حول شخصية جلال الدين الرومى وشمس الدين التبريزى. وتبدو اللمحة الصوفية واضحة عند السورى الراحل سعد الله ونوس فى رائعته المسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» وكذلك فى أعمال الليبى إبراهيم الكونى مثل «البئر والمجوس»، وعند أدباء المغرب العربى فى أعمال بن سالم حميش فى روايتيه «العلامة ومجنون الحب» المستوحاة من تاريخ ابن خلدون، وعبد الحكيم قاسم فى روايته «أيام الإنسان السابعة» وهناك أيضا التونسى محمد الأشعرى وروايته «جنوب الروح»، ومحمد السرغينى وروايته «وجدتك فى هذا الأرخبيل»، ومحمود السعدنى وروايته «حدثنا أبو هريرة وقال»، والميلودى شغموم وروايته «مسالك الزيتون». ومن المرجح أن تكون كل رموز الصوفية تم تحويلها إلى شخصيات درامية فى أعمال أدبية، حتى ابن عربى الذى أشار بعض الكتاب إلى أن علوان أول من يخصص رواية كاملة عنه، فتلك نظرة تتنافى تماما مع الواقع، ففى العام 2002 صدرت رواية الأديب المغربى عبدالإله ابن عرفة، والتى تدور حول سيرة الإمام محيى الدين بن عربى، وتعد بوابة الدخول إلى أعمال ابن عرفة ذلك الأديب الذى تفرغ للتنقيب فى التراث الإسلامى والفكر الصوفى بشكل خاص. وفى العام 2008 أصدرت دار المدى ببيروت رواية «كوميديا الحب الإلهي» للكاتب العراقى لؤى عبداللإله، التى استثمر خلالها بعضًا من أهم أفكار الشيخ الأندلسى محيى الدين بن عربى إطارًا فلسفيًا لها، ومنظورًا تترتب وفقه أحداث الرواية وشخصياتها، وبفضل ذلك يكسر المؤلف الحواجز الزمانية والمكانية ليجعلنا نتنقل فى الردهات الزمكانية، امتدادًا من لندن خلال عقود الستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينيّات، مرورًا ببغداد خلال الفترة نفسها، وانتهاءً بدمشق خلال القرن الثالث عشر أثناء سنوات ابن عربى الأخيرة فى دمشق. وفى العام 2015 أعلنت دار نشر مصرية متخصصة فى نشر كتب الصوفية تدعى «كشيدة» عن تدشينها مسابقة فى الروايات الصوفية؛ وفازت بالمركز الأول بالجائزة رواية» فضاء أزرق لحلم غريب» للروائى محمود عبدالله، التى تستلهم أحداثها من حياة شيخ المتصوفة الأكبر محيى الدين بن عربى، وبداية تساؤلاته حول الحياة والوجود، وصولا للقاء شيوخ المتصوفة والفلاسفة أمثال ابن رشد والزاهدات أمثال السيدة فاطمة بنت أبى المثنى، وينطلق فى رحلة فى بلاد المغرب العربى حتى يصل للقاهرة؛ ليتوقف السارد عن تأملاته، معلنًا أن الحكاية لم تتم، والرواية أرض مغايرة للتاريخ وليست استنساخًا له، لتنعكس تلك الحكاية على فترة التحول التى يمر بها كل إنسان، من حالة المسلمات الفكرية التى ينتج عنها اضطراب وحيرة وقلق، إلى مرحلة أرحب وأوسع، يبلور فيها الإنسان فلسفة خاصة به، ومعنى يعيشه للحياة. أما رواية الأديب السعودى محمد حسن علوان فتأتى الأحدث ضمن الروايات التى تناولت «ابن عربي» على عكس ما يردد البعض أنه الأول الذى خصص رواية كاملة لابن عربى، وتتناول الرواية من خلال 12 فصلا اختار لها الروائى اسم أسفار بدلا من فصول عرضها من خلال 100 مقطع كتابى، تناولت تلك الكتابات سيرة روائية شبه متخيّلة لحياة محيى الدين ابن عربى، منذ ولادته فى الأندلس فى منتصف القرن السادس الهجرى وحتى وفاته فى دمشق، حيث سلطت الضوء على رحيل ابن عربى وسفره من الأندلس غربًا وحتى أذربيجان شرقًا، مرورًا بالمغرب ومصر والحجاز والشام والعراق وتركيا، يعيش خلالها البطل تجربة صوفية عميقة يحملها بين جنبات روحه القلقة ليؤدى رسالته فى ظل دول وأحداث متخيّلة، مارًا بمدن عديدة وأشخاص كثر وحروب لا تذر ومشاعر مضطربة؛ رابطا كل هذا بحبكة واقعية تاريخية من خلال رحلة مجموعة مخطوطات تتحدث عن سيرة ابن عربى استقرت فى بيروت فى العام 2012 بأسلوب يمزج بين الواقعية والمعاصرة، وأساليب المتصوفة فى الكتابة التى تميل إلى الشاعرية، يتضح هذا حتى فى اختياره لتقسيم روايته إلى أسفار مثلما فعل جمال الغيطانى فى كتابه «التجليات».