"صباح الخير يا بركة.. نهارك سعيد ويومك نادي يا ابني..ازيك يا بركة..نحمد الله يا حبيبي"، كلمات يقولها القاصي والداني لذلك الرجل الكهل الذي يفيض الحب من أبجديته رغم ما فعله به المشيب، فهو عجوز أكل الدهر من جبينه وشرب، إلا أنه بركة المكان أو هكذا هم يلقبونه، ربما لبشاشة وجهه، وربما لكبر سنه الذي تجاوز الثمانين عاما بأربع أعوام، إلا أنه مازال يكد ويعمل من أجل الحصول على قوت يومه. "بركة" هي كنيته، أما الاسم الحقيقي فهو عم أيوب، من مواليد عام 1933، شبه كفيف، يسمع إلا قليلا، حركته متباطئة تكاد تتعثر يمناه بيسراه يقطع رحلة يومية تبدأ من شارع شجرة مريم بالمطرية، حيث مسكنه ثم يذهب لمحطة المترو ويأخذ القطار المتجه لحدائق القبة، التي يجد فيها مبتغاه. مسح سلالم البيوت وكنس الحارات هي وظيفته، التي لا يقوي إلا عليها لتدبير شئونه. بانحناءة ظهر وتجاعيد رسمت تفاصيل رحلة شقاء امتدت ل75 عاما من العمل يجوب الرجل الشوارع والأزقة بحي كوبري القبة، برفقة "جردل ومقشة ومساحة" مناديا سلالم ألمع. صوت متهدج وجسد نحيل يتوكأ على فرع شجرة يتخذه عكازا، ورئة تلتقط أنفاسها بالكاد، مع إصرار علي العمل من أجل الحصول علي بعض لقيمات يقمن بها صلبه، هكذا حاله. بلا مظلة تأمينية أو معاش يكفيه سؤال الناس، بلا عائلة يعيش وحيدا بغرفته، لا يسأل الناس إلحافا، فهو عزيز النفس يفضل أن يأكل مما كسبته يداه. يخرج الكهل مع إشراقة الفجر ويجوب الشوارع بحثا عن فرصة عمل تمكنه من كنس أحد الشوارع او تنضيف درج أحد العقارات مقابل 20 جنيها لا أكثر. البعض من سكان حى القبة يعتمد اعتمادا كليا علي العجوز في تنظيف مدخل العقارات، وإن اعترض عمله بعض التقصير بحكم سنه وهرمه، معتبرين أنه بركة المنطقة، ويكفي أنه يعمل في مثل هذا العمر، كما قال أحد السكان المجاورين لمحطة مترو أنفاق كوبري القبة. أما عمال المحطة فيعتبرون الحج أيوب من شيوخ المنطقة وشمس الصباح التي يستمدون منها طاقتهم ورسائل تحديهم للحياة، حيث قال أحدهم:عم أحمد دا اصبي مني ومن أي شاب، ويملك من الارادة وعزة النفس ما يكفي الملايين، أتفاءل جدا عندما اصطبح بوجهه كل يوم، واستبشر بدعوته وأشعر بأنها مجابة، نفسه عزيزه عليه جدا، حسب وصف الشاهد الذي اتبع كلامه قائلا: لي أكثر من عشر سنوات وأنا اعمل هنا، لم أره يقبل حسنة من أي مخلوق قط، أتمنى أن ترعاه وزارة التضامن بمعاش يكفيه الحاجة وبرودة الجو خاصة في فصل الشتاء.