لا يمكن مشاهدة فيلم «مولانا» بمعزل عن شخصية كاتبه «إبراهيم عيسى»، فهو حاضر بكل قوة، ليس فقط لأنه صاحب الرواية الأصلية المأخوذ منها قصة الفيلم، ولكنه أيضا صاحب منصة إعلامية دائمة على الشاشات الفضائية والمحطات الإذاعية، له مفرداته المحفوظة وطريقة أدائه المعتادة وأفكاره الرافضة للجميع، إلا فيما يحبه و يعتقده عبر كل تلك الوسائط، لذلك لا يمكن أن ترى الفيلم من منظور فنى خالص لأنه بكل بساطة ليس كذلك. تدور قصة الفيلم حول الشيخ «حاتم الشناوى»، الداعية الشاب، ونجم الفضائيات، وصاحب الفتاوى اللامعة، المرضى عنه من النظام الحاكم، والذى يعانى فجأة من سقوط ابنه الوحيد الذى أنجبه بعد 7 سنوات فى حمام السباحة، وكاد أن يغرق عندما تركه الشيخ لحظة ولم يلتفت إليه وهو يلتقط صورًا مع مريديه. يدخل الابن فى غيبوبة تتطلب سفره إلى الخارج للعلاج، ورغم حزنه عليه إلا أنه يترك رعايته لزوجته «أميمة»، والتى تؤدى دورها الفنانة «درة»، ويعود لعمله الذى يقربه من دائرة السلطة بشكل مباشر، فيلجأ له «جلال» ابن رئيس الجمهورية فى إشارة إلى «جمال مبارك»، كى يتولى مهمة رد «حسن» شقيق زوجته الذى قرر أن يتنصر ويغير اسمه إلى «بطرس»، وهو ما يمثل خطرا حقيقيا على الأسرة الحاكمة إذا انكشف الأمر. بالفعل يتقرب «الشيخ حاتم» من الشاب ويتولى مهمة إعادته للإسلام، فيصمم على مرافقته فى برامجه وجلساته الدينية ودعوته إلى الأفراح والمآتم ومحاضراته، وخلال رحلته تلك نجد أفكارا ووجهات نظر بطل الفيلم «إبراهيم عيسى» مجسدة أمامنا فى صيغ تنظيرية مباشرة عن عدد يصعب حصره فى مؤلفات، فما بالك فى فيلم سينمائى. يتحدث «مولانا» عن الصوفية والسلفية والمسيحية والشيعة والمعتزلة وحد الردة وتبرج الجاهلية، وموقف الإسلام من المرأة، وعذاب القبر وحكم الجوارى والغلمان أيضا، وكأنه يلتقط من كل بستان شوكة يضرب بها وترا حساسا، فحاول أن يتكلم فى كل المسكوت عنه دفعة واحدة فتحول إلى «مكلمة». ويتخلل الأحداث ظهور الفتاة «نشوى»، وتلعب دورها «ريهام عجاج»، والتى تتقرب منه، وتلتقط لهما «لحظات حميمية» ليعرف فى النهاية أنها كانت مدفوعة من جهاز أمن الدولة للسيطرة التامة عليه، حتى يقع حادث انفجار كنيسة، ليكتشف بعدها أن «حسن» أو «بطرس» هو من فعلها بعد أن خدع الجميع بقصة إيمانه بالمسيحية، بينما هو فى الحقيقة معتنق الفكر الجهادى المتطرف، لينتهى الفيلم. وقدم المخرج «مجدى أحمد على» اللقطات القصيرة فى أماكن مختلفة لمشاهد حوارية طويلة، كى يمسك بالإيقاع العام للفيلم، وحتى لا يصبح مخرجا لأحد برامج «التوك شو»، واستخدامه الكاميرا المحمولة المتحركة فى عدد من المشاهد أيضا كان بغرض كسر الإيحاء بالجو العام للمحاضرات المباشرة. ولأنه كاتب السيناريو حذف كثيرا من شخصيات الرواية الأصلية مثل شخصية الشيخ «ميخائيل المتنصر»، ووالد «الشيخ حاتم» وزوجته، وكذلك «عزت العواد»، ووالدة الشيخ «مختار الحسينى» والممثلة المعتزلة «منى رمزى»، الوسيط الذى يرسل له «نشوى»، وكذلك حذف شخصية «الطبيب النفسى». ولم يخدم الحذف الفيلم السينمائى، لأنه لم يكتف بذلك، ولكنه حذف ضلعا أساسيا فى فكرة «القصة» بصفة عامة، وهو المبرر الدرامى لكثير من الأحداث التى جاءت مبتورة تترك المشاهد بلا تقديم تفسيرات منطقية، بالتأكيد، حاول المخرج التقليل من الجرعة السياسية والجنسية والدينية أيضا لهذا الثالوث الذى يعتبره «إبراهيم عيسى» ملعبه المفضل فى رواياته بصفة عامة، فقلم مشهد الجنس الصريح الذى جمع «الشيخ حاتم» ب«نشوى»، واكتفى بنظرات وحضن عابر بينهما، كما تخلص من إشكاليات دينية بالتأكيد خوفا من ردود الأفعال مثل قضية الحجاب والنقاب وعذاب القبر و مشكلات عقائدية فى الديانة المسيحية أيضا. الجميع تحت مقصلة «إبراهيم عيسى» قيد النقد والتشريح الذى قد يصل إلى حد التجريح، ما عدا شخصية «مختار الحسينى»، المتصوف والمتهم بالدعوة للتشيع والعمل لحساب إيران، والذى يؤمن «مولانا» ببراءته، وأنه أقرب للملائكة، ويقف مدافعا عنه ضد اضطهاده من السلطة الحاكمة. وكما تخلص المخرج من ضروريات درامية، فإنه اقتبس لقطات محفورة فى الذاكرة البصرية للمتلقى، وجمع بين ابن الرئيس و«الشيخ حاتم» فى ملعب كرة القدم، وكلاهما يمسك بزمام الأمور فى مشهد مطابق لمشهد عادل إمام ورياض الخولى فى فيلم «طيور الظلام» كمعبرين عن السلطة الدينية والنظام الحاكم، وكذلك المشهد الختامى فى الفيلم عندما يلقى «الشيخ حاتم» بالمسئولية على الجميع أمام الكاميرات وكأننا أمام فيلم «ضد الحكومة» فى مشهده الختامى أيضا. وكما كان الفيلم والرواية محملين بحوار «إبراهيم عيسى» وأفكاره الناقدة، حملا أيضا هواجسه الأمنية وتصفية الحساب مع النظام السياسى السابق، معتبرا أن الدولة هى المحرك والمتحكم فى كل العقائد بمختلف طوائفها، وكأن المعتقدات الدينية الخاطئة صنيعة الأنظمة السياسية، رغم انتقاده الدائم لخلط كلاهما، إلا أنه يقدم على ما يجرمه بمنتهى الأريحية. وجعل «عيسى» السياسة والسلطة والأمن مصطلحات متكررة بشكل هيستيرى سواء فى الرواية أو الفيلم، فهى المسئولة عن التطرف والإرهاب والاضطهاد دون ذكر نهائيا سواء فى الرواية أو الفيلم لوجود كلمة واحدة تشير للإخوان أو التنظيمات الإرهابية المدعومة من الخارج منذ 80 عاماً. إجمالاً، الفيلم يحمل محاولة جادة من مخرجه ومنتجه لتقديم عمل بمثابة حجر فى الماء الراكد، لتجديد النوعية السينمائية المنتشرة فى الآونة الأخيرة، أما الفنان عمرو سعد فدور «مولانا» يمثل إعادة اكتشاف لممثل مخلص لما يؤدى، متمكن من أدواته، استطاع أن يخلق أبعادا تمثيلية أخرى تضمن له نجومية مستحقة.