بنت سينما بوليوود نجاحها وانتشارها الواسع على خلطتها السحرية، من أول القصة الدرامية عن التوأمين اللذين افترقا فى طفولتهما، أو الأب الذى يحرم من ابنيه ليتقابلا فى نهاية الفيلم.. إلخ من تلك التيمات المعروفة للسينما الهندية، مرورًا بالمشاهد الاستعراضية الغنائية، والموسيقية الراقصة. على النقيض من كل هذه الحيثيات والأسباب لنجاحات سينما بوليوود وانتشارها حتى تكاد تنافس أكبر وأقوى مدينة لصناعة السينما فى العالم «هوليوود»، يأتى فيلم the narrow path أو «الممر الضيق» والذى يشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته المقامة حاليًا، وشهد عرضه بالمسرح الكبير حضورًا وإقبالًا جماهيريًا لافتًا. الفيلم إنتاج هندى 2016 من إخراج الأخوين ساتيش بابوسيان، وسانتوش بابوسيان، تتناول أحداث الفيلم العلاقة المتوترة بين الآباء والأبناء، خاصة فى مرحلة المراهقة والشباب. من اللحظات الأولى للفيلم ينقل لنا المخرج تفاصيل العلاقة المتوترة بين أخيل وأبيه، ما بين الحب العميق المتبادل بين الأب وولده، وملامح التوتر وربما الكراهية المتبادلة بين الاثنين، سواء فى الأسلوب الهجومى الآمر الناهى للأب فى تعامله مع ابنه، أو حالة التذمر والسخط التى نتلمسها لدى الابن. طوال مدة الفيلم التى تجاوزت الساعة ونصف الساعة، يحاول الابن أخيل مصارحة والده بأنه ينوى السفر إلى بلدة «بنجالور» للبحث عن عمل، بدلًا من البطالة التى يعانيها فى بلدته «تكنو بارك»، خاصة أن الأب طوال الوقت يتحكم فيه ويفرض سطوته عليه، ودائمًا ما يملى عليه رغباته وأن ينفذ أوامره طالما يسكن بيته ويصرف من نقود معاشه التقاعدي. على الجانب الآخر ربما يلتمس المشاهد العذر للابن ومحاولته الانعتاق من سطوة أبيه وسيطرته والبحث عن طريق لحياة خاصة به، وهو ما أكد عليه مخرجا الفيلم باستخدامهما إيقاعًا شديد البطء والرتابة المتعمد، لنقل إحساس معاناة الابن مع والده. أيضا انتماء الأب وابنه لمجتمع معزول فى بيئة شديدة الفقر والبؤس حتى على مستوى الهند نفسها، أخيل يعترف لصديقته بأنه شديد الفقر، يعيش منبوذًا فى حى عشوائي، بدورها لا تقيم صديقته للأمر وزنًا، وإنما تساعده ليرحلا سويا إلى بنجالور للبحث عن فرصة أفضل للعمل والحياة. ربما لم يقدم مخرجا الفيلم أسبابًا مباشرة للاحتقان الذى يصل لحد الكراهية ما بين الأب وابنه، إنما يسربها ضمنيا فى أكثر من مشهد، سواء ذلك المشهد والأب يتهم ابنه بأنه حاول قتله بجرعة زائدة من دواء السكر، بعد إصابته بإحدى غيبوباته، لكنه يكتشف أنه أخذ الحقنة ولم يتناول أى طعام مما تسبب فى الغيبوبة. كما لم يفسر سوء الفهم الذى تسبب فيه الكتمان وعدم المصارحة والكاشفة بين الأب وابنه، فأخيل يعتقد أن أباه تسبب فى يتمه وحرمانه من أمه وهو صغير، بل ويشك فى أنه قتلها، خاصة وأنه لا يحمل فى ذاكرته سوى مشاهد العنف والضرب ضد أمه، لكنه أيضا لا يدرك أن أباه يفتقد والدته أكثر منه وأنها كانت صديقته ورفيقته، وأنيسه الوحيد، من بعدها وقع فريسة للوحدة حتى مع وجود أخيل.