حوار «منير» حول «المصالحة» يستهدف شق الشعب وإحداث شقاق بين المواطنين والقيادة.. نائب المرشد يشترط عودة «مرسى» ومجلسى الشعب والشورى الإخوانيين لوقف العنف.. «منير» كاذب محترف أراد أن يحرك الماء الراكد حاول الملياردير إبراهيم منير الذى يتم تقديمه على أنه نائب المرشد العام لجماعة الإخوان أن يبدو متماسكا فى حواره مع موقع «عربى 21» المعادى بالكلية لمصر والممول بالكلية من قطر. فى 19 نوفمبر 2016 أدلى «منير» بحوار مطول مع الموقع، يمكنك أن تطلع عليه كاملا، وبعد أن تقرأ ستعرف أنك أمام حوار موجه من اللحظة الأولى، لا مهنية فيه، ولا مراعاة للقواعد الصحفية، فلم يحمل المحرر أسئلته ليواجه بها الملياردير الإخوانى، فكل الأسئلة مصنوعة، تسعى إلى إجابات بعينها، وتصريحات يعرف صاحبها أنها ستثير جدلا هائلا، وربما كان هذا ما يسعى إليه، ولا أستبعد تماما أن يكون «منير» قد جلس فى مكتبه وكتب الحوار كاملا بأسئلته وإجاباته، وإن لم يحدث ذلك، فأتوقع أن يكون هو من حدد محاور الحوار، وساق محاوره فى الاتجاه الذى يريده. المعروف عن إبراهيم منير أنه يكره الإعلام، كعادة كل أعضاء العصابة الإخوانية، أو على أقل تقدير يتعالى على الصحف والصحفيين، يرى أنه ليس من حق الصحفى أن يسأل، عليه فقط أن يتلقى ما يريد هو أن يفصح عنه. أذكر له حوارا أجرته معه «المصرى اليوم» فى يونيو 2010، وقتها كان متهما فى قضية التنظيم الدولى مع أربعة آخرين هم عوض القرنى، وأشرف عبدالغفار، ووجدى غنيم، وأسامة سليمان. قال لصحيفة «المصرى اليوم» وقتها إن هناك تهديدات وصلته من مصر، ولما سأله الصحفى عن صور هذه التهديدات أو الإشارات الأمنية التى جاءته وعن أى طريق؟ قال له باستخفاف: «سؤال غريب ما جاوبش عليه»، ثم أكمل وصلة تعاليه قائلا: «ببساطة شديدة لن أقول لكم متى وأين وكيف التى يبحث عنها الصحفيون». لا يعترف منير بحق الصحافة فى المعرفة، يؤمن فقط بحقه فيما يريد أن يفصح عنه، ويتمسك بهذا الحق فيما يريد أن يخفيه، وما فعله فى حواره مع «عربى 21» ورغم أنه موقع حليف للجماعة، لا يخرج عن هذه القناعة. كان أكثر ما أثار الغبار حول ما قاله «منير» فى حواره الجديد، حديثه الذى فهم خطأ على أنه عرض لمصالحة إخوانية مع النظام، وهو الحديث الذى أعقبته تحليلات وتفسيرات وشروح عديدة، حيث تعامل كثيرون على أن الجماعة تتراجع، وتريد أن تعيش فى سلام. بعد ساعات من نشر الحوار تدخلت جماعة الإخوان رسميا فى المشهد، وعبر بيان موقع من الإخوان المسلمين، بدأته كعادتها بالآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، ثم قالت: «دأب بعض وسائل الإعلام فى الآونة الأخيرة، وكذلك بعض الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعى على تشويه صورة الإخوان المسلمين ورموزها، من خلال احتواء أو تبديل أو تزوير تصريحاتهم ومواقفهم، فى محاولة مستميتة للوقيعة بين الجماعة وقياداتها، أو بين الجماعة وشعبنا المصرى العظيم، ذلك بالرغم من أن الجماعة لم تترك مناسبة إلا وأكدت فيها على ثوابتها ومواقفها الوفية لأرواح الشهداء، والمتوافقة مع تطلعات وآمال الشعب المصرى، ومبادئ وأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير، تلك المواقف المستوحاة من ثابت الثوار فى الشوارع والميادين، وصمود المعتقلين خلف القضبان». وتختم الجماعة بيانها بقولها: «لقد أعلناها مرارا وتكرارا ونعيدها اليوم، لا تنازل عن الشرعية، ولا تفريط فى حق الشهداء والجرحى، ولا تنازل عن حق المعتقلين، وحق الشعب فى الحياة الكريمة». دعك من حالة التهافت البادية فى البيان، ولم تلتفت كثيرًا إلى المنطق المغلوط المكتوب به، ولا تنشغل كثيرًا بحالة التودد العاطفية التى لا تزال تقوم بها الجماعة عندما تتحدث عن الشعب المصرى العظيم وحقوقهم معتقدة أنها يمكن أن تحصل على تأييد الناس مرة أخرى، ولا تقف طويلا أمام حالة إنكار الجماعة لما حدث فى 30 يونيو، ولا تتعجب كثيرًا من إصرارها على المتاجرة بثورة 25 يناير والتباكى على أهدافها وشهدائها، وعليك أن تعرف فقط أن الجماعة تنفى تماما أن يكون هناك عرض بالمصالحة مع النظام. بعد بيان الجماعة الذى أهانت فيه موقع «عربى 21» واتهمته بالتزوير والاجتزاء، خرج إبراهيم منير بنفسه متحدثا عبر منبر إخوانى آخر هو قناة «مكملين»، مع مذيع متقلب ومنحاز لمن يمنحه مالا أكثر دون هوية ولا مبدأ ولا موقف هو محمد ناصر، ليرد على بيان الجماعة الرسمى مفندا ومكذبا. نفى «منير» ما تردد حول تحريف أو اجتزاء «عربى 21» لبعض تصريحاته، وما حدث قد يرجع إلى أنه قد يكون أخطأ شخصيا فى بعض التعبيرات التى وردت بالمقابلة بشكل أو بآخر. قال إنه قام بمراجعة واعتماد الحوار قبل نشره بالموقع، وأنه لا يحمل إخوانه فى «عربى 21» أى مسئولية، بل هو من يتحمل مسئولية الحوار كاملة. فى الحوار المنشور كان السؤال: هل موقف الإخوان من فكرة المصالحة كما هو لم يتغير منذ الانقلاب العسكرى (كما يزعمون) وحتى الآن؟ وكانت الإجابة: تعلمنا من ديننا ونؤمن بما جاء فى كتاب الله عز وجل وفى سورة الأنفال بقوله تعالى: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم»، لقد أعلن الانقلاب العسكرى (كما يزعم) حربا على مصر كلها، وقتل آلافا واستباح الأعراض والدماء بغير حق، ونقول ونحن جادون، فليأتنا من حكماء شعبنا أو من حكماء الدنيا من يرسم لنا صورة واضحة للمصالحة، التى يعلقها البعض فى رقبة الجماعة ورقاب الفصائل الشريفة المعارضة للانقلاب ( كما يزعم ) التى تحقق السلم والأمن لكل الأمة المصرية، دون مداهنة أو خداع أو كذب على الناس، وعندها تكون ردود الفعل. فى مداخلته مع محمد ناصر قال منير: فكرة أننى أدعو إلى المصالحة هو تعبير غير صحيح، وحينما كان السؤال عن موقفنا من المصالحة، أخذت الصورة بشكل مختلف إلى حد ما، وكان ردى بناء على الحالة التى نعيشها، فهناك الكثيرون من الناس يتصلون بنا ويتحدثون معنا بقولهم إن الانقلاب (كما يزعم) استقر، وأنه على جماعة الإخوان وعلى الشرفاء فى مصر مراعاة حالة البلد، وأن مصر تنتهى، وانفراد العسكر بالعمل فى مصر فى غياب معارضة حقيقية وشريفة سيؤدى إلى مزيد من الانهيار، وحاولوا أن يجعلوا هذا الكلام به صفة المسئولية ويعلقوا فى رقابنا مسألة المصالحة. بعد سفسطة كثيرة لا قيمة لها، سأل المذيع منير هل الإخوان جادون فى المصالحة، فرد عليه بقوله: أنا ملتزم وجاد، ولا يجب على أى إنسان حر أن يطلق الكلمة دون أن يؤكد عليها، فللأسف الشديد أصبحنا نحتاج التأكيد على ما نقول، وأقول إذا ما تقدم إلينا كفصيل وإلى الشعب من يصرون على إبداء النصائح، ونقول إذا كانوا جادين دون مداهنة أو كذب أو خداع عندها يكون رد الفعل، ولم أقل إننا سنستسلم ونسلم بما قالوه بأى حال من الأحوال، وفى تصورى الشخصى ولا أحمل أحدا غيرى، أننى أكون جادا فى هذه المصالحة إذا ما حققت مصلحة الشعب المصرى، وأنا لا أسعى إليها ولا أملك حق القرار فيها. لا شىء جديد على الإطلاق فيما قاله إبراهيم منير، إنها الطريقة الإخوانية المعروفة، يتحدث أحدهم كمسئول فى الجماعة، تم تقديم منير فى الحوار على أنه نائب المرشد العام، أى أنه شخص مسئول عما يقول، وعندما لا يلاقى كلامه قبولا من كل الأطراف، يعتصم بأنه مجرد فرد فى الجماعة، وأن كلامه شخصى، لا يلزم أحدا، بل هو وحده المسئول عنه، وهى صيغة مراوغة تجيدها الجماعة، ويبدو أنها لم تتخل عنها رغم كل الأزمات التى مرت وتمر بها. لم يكن فى حديث إبراهيم منير الأول إلى موقع «عربى 21» حديثًا جادا عن المصالحة، ولكنه كان حديثًا أقرب ما يكون إلى الفتنة الكاملة، قصد به اللعب فى وحدة الشعب المصرى الذى لا يعرفها، ولا يريد أن يصدق أنه ملتف حول قيادته تحديدا فى موقفه من جماعة الإخوان. كلام منير إلى محمد ناصر يشير إلى أنه تلقى توبيخا وتقريعا من الجماعة الدموية، جعله يتراجع مرة أخرى ليؤكد على ثوابت الجماعة الإرهابية فيما يخص موقفها من نظام 30 يونيو، يقول فى نهاية مداخلته: شروط المصالحة التى يمكن للإخوان الموافقة عليها واضحة جدا، على رأسها عودة شرعية الشعب المصرى، وهى شرعية الانتخابات التى جرت عام 2012 (الرئيس والمجالس التشريعية والنيابية) كما كانت، ثم نترك للمؤسسات المنتخبة أن تكون هى صاحبة الكلمة الأولى فى هذا الموضوع، وقد يشاركها آخرون، إلا أن الكلمة الأولى لها فى هذا الأمر. يريدنا إبراهيم منير أن نصدقه إذن فى أنه لم يتحدث عن المصالحة، ويريد من الإخوان أن يصدقوه فى أنه لا يزال ملتزما بشروطها التافهة لإجراء مصالحة، ليصدقه الإخوان فيما قال، هم أحرار تماما فى الموقف الذى يأخذونه، لكن بالنسبة لنا فمنير ليس إلا كاذبا محترفا، وهى صفة إخوانية أصيلة يبدو أنهم لن يتخلوا عنها. لقد أراد أن يحرك الماء الراكد، فعرض شكلا من أشكال المصالحة، دون أن ينتبه أن تصوره غارقًا فى الهذيان، جاءنا رجل الفتنة بتصور يقلب من خلاله الشعب على قيادته، لم يقل إنه يريد التصالح مع النظام الحالى، يريد نظاما على مزاجه الخاص، يجلس معه، يتحدث، ويفرض شروطه، رغم أن جماعته فى حالة من الضعف والتهافت لا تتيح لها أن تصلب طولها، علاوة على أن تضع شروطها. لا يعرف إبراهيم منير ما يحدث فى الشارع المصرى، يعتقد تماما فى التقارير التى تنقلها وسائل الإعلام الإخوانية خادعة نفسها بها، بأن هناك حراكا ثوريا فى الشارع، وأن هناك غضبًا من النظام، يمكن أن يبنوا عليه فى فرض شروطهم، دون أن ينتبهوا أن النظام لو فتح الباب أمام مصالحة مع الإخوان، فإن ذلك سيكون سببا كافيا للغضب عليه ومعارضته، فلم يكن النظام هو الذى عادى الإخوان، بل الشعب الذى خرج بالملايين فى الشوارع مطالبا بخلع محمد مرسى وإخراج الإخوان من بين صفوفنا. إننا أمام رجل مرتبك تماما، وصل إلى مرحلة الجنون من اليأس الذى يحيط به من كل مكان، لكننا إذا وضعناه هو تحت عدسة مكبرة سنكتشف أن ارتباكه صفة أصيلة فيه، فهو ينتمى إلى مجموعة التنظيم التى تضم الآن محمد بديع ومحمود عزت وخيرت الشاطر ومحمد مرسى وغيرهم، وهى مجموعة التنظيم لديها إله معبود من دون الله، يمكن أن يضحوا فى سبيل الحفاظ عليه بآلاف من أبناء الجماعة خادعين إياهم بأنهم شهداء، والجنة تنتظرهم، حتى لو جاء ذلك على حساب الوطن ومن يعيشون فيه. لا علاقة لهذه المجموعة على الإطلاق بأى فكر، ولا قدرة لديهم على الإقناع برأى، ولا يمتلكون مشروعا يمكن أن يتقدموا به للناس، كل ما يهمهم أن يظل التنظيم قائما، حتى لو ذهب كل من دونهم ودون تنظيمهم الإرهابى إلى الجحيم. الدماء لدى إبراهيم منير لا تعنى شيئا، الثورة لا تهمه، أحلام الشباب لا تزن لديه مثقال ذرة، المهم لديه أن يحافظ على التنظيم الذى يعرف جيدا أنه تفكك تماما، وقد تكون محاولته للحديث عن مصالحة مع جهات يتخيلها محاولة للتأكيد على أن الجماعة لا تزال موجودة، وهو الوهم الكبير الذى يعيش فيه هو وجماعته، ويبدو أنهم سيعيشون فيه كثيرا. لو أنصف إبراهيم منير وهو أبعد ما يكون عن الإنصاف بالطبع، لعرف أن الشعب المصرى الذى يصفه بالعظيم بعد أن أهانته جماعته واحتقرته ولعنته لن يقبل بالجماعة أبدا كجماعة وفصيل منفصل عن الدولة، فليعود منهم من يريد كمواطن مصرى بشرط ألا يكون قد ارتكب أعمال عنف أو حرض عليه، ودون ذلك فلا مكان لهم بيننا. لم يكن إبراهيم منير كاذبا ومخادعا فى حديثه عن المصالحة فقط، بل كان كاذبا وصانعا للفتنة فى مساحات أخرى، وهى مساحات ستكون موضعا لحديث آخر يطول.