بعد صدور قرار البنك المركزى الذى وصفه الخبراء والعاملون فى المجال الاقتصادى ب«التاريخى»، بشأن تحرير أسعار صرف النقد الأجنبى، بداية من الخميس الماضى، بدأت خريطة سوق صرف العملات فى التغير بشكل كامل، خاصة فى ظل استدامة عمل البنوك على مدار ما يزيد على 12 ساعة يوميًا، لتلبية احتياجات العملاء من العملة الصعبة. ومن أهم الأحداث التى شهدها القطاع المصرفى، قرار البنك المركزى برفع أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة تزامنًا مع تحرير سعر الصرف، وطرح البنوك شهادات ادخارية بعائد 16 و20٪. واعتبر المصرفيون قرار تحرير سعر الصرف قرارًا يحمل بين طياته الإيجابيات أكثر مما يحمل السلبيات، لافتين إلى أنه حتى السلبيات تعد عوارض مؤقتة سوف تزول بمرور الوقت ويمكن التغلب عليها. واتفق المصرفيون على أن تحرير أسعار صرف النقد الأجنبى أمر لا بد منه من أجل توحيد سعر الصرف، خاصة فى ظل تفاقم الفجوة بين السعرين فى السوقين الرسمية والموازية، بعد انتشار المضاربات خلال الأيام الأخيرة الماضية. فى هذا السياق، أكد ماجد فهمى، رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى، أن قرار تحرير أسعار الصرف للنقد الأجنبى قد فرض نفسه فى الآونة الأخيرة، بعد اتساع الفجوة بين سعر الدولار بالسوق الموازية وسعر الدولار بالبنوك، لافتًا إلى أن القرار له إيجابيات وسلبيات. وأضاف فى تصريحات ل«البوابة» أنه يجب لتعظيم إيجابيات قرار تحرير سعر الصرف التعاون بين أجهزة الدولة المختلفة لتعظيم الإيرادات وفتح أسواق جديدة، لافتًا إلى أن وزارة الاستثمار على وجه الخصوص يجب أن تعمل على إزالة المعوقات التى تحول دون جذب الاستثمارات الجديدة، وتطبيق القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للاستثمار مؤخرًا فى محاولة لحل مشكلات المصانع المتوقفة. وأوضح فهمى أن أزمة تراجع إيرادات الدولة تتعدد أسبابها ومنها أسباب سياسية، والبيروقراطية أيضا، ولا تعتمد جميع المشكلات على أسعار الصرف. وأكد أن رفع أسعار الفائدة إجراء اقتصادى طبيعى بعد خفض العملة المحلية لمنع تآكل مدخرات العملاء، ومنعًا للاتجاه إلى الدولرة، حيث إن رفع أسعار الفائدة يؤدى إلى احتفاظ المدخرات بقيمتها والتشجيع على الادخار بالعملة المحلية، مشيرًا إلى أن رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لا يشكل تأثيرًا سلبيا على معدلات الاستثمار، حيث إن المستثمر يقترض جزءًا فقط من تكلفة المشروع، وارتفاع سعر الفائدة ليس عاملًا رئيسيًا وراء تراجع الاستثمارات إنما يمثل عبئًا إضافيًا فقط، مشيرا إلى أن أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض ارتفعت فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى بما يتخطى 20٪. وقال إن من أصعب سلبيات القرار ارتفاع أسعار السلع، لذا لا بد من فرض رقابة مشددة على الأسواق. من جانبه أكد منير الزاهد، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لبنك القاهرة، أن وجود سعر موحد لتداول العملات الأجنبية من أهم العوامل التى تعكس مصداقية نظام الصرف الأجنبى بمصر مما سوف يكون له تأثير إيجابى على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، خاصة بعد القرارات الأخيرة للمجلس الأعلى للاستثمار. وأضاف «الزاهد» أن أهم ما يعزز من التصنيف الائتمانى للدول النامية والاقتصادات المشابهة هو قوة القطاع المصرفى من حيث الملاءة المالية وجودة الأصول والقدرة على تمويل الاستثمارات، وذلك مقرونًا بوجود سعر صرف موحد بالسوقين المصرفية والموازية، حيث تأتى قرارات البنك المركزى لتعكس كفاءة آليات التعامل وفق إجراءات عمل أكثر مرونة تراعى متطلبات السوق من العرض والطلب بالقيمة العادلة للسعر الموحد. وأكد أن إصدار الشهادات الادخارية الجديدة يعد الأسلوب النموذجى لمعالجة أى آثار تضخمية من خلال امتصاص المدخرات والسيولة الزائدة بأوعية ادخارية جاذبة تحافظ على القدرة الشرائية للجنيه فى ظل ارتفاع الأسعار وتحد من الآثار التضخمية خلال فترة الإصلاحات الهيكلية، مشيرًا إلى أن مصر مرت سابقًا بظروف مشابهة فى غضون عام 1990 وقتما ارتفعت أسعار العائد إلى 20٪ لفترة مؤقتة وهذه التطبيقات يتم اتباعها فى عدة دول سواء اقتصادات ناشئة أو نامية لمواجهة الآثار التضخمية والمعالجات الهيكلية لفترات محددة. من جانبه، يقول السيد القصير، رئيس مجلس إدارة البنك الزراعى، إن تحرير أسعار الصرف من شأنه أن يؤدى إلى زيادة رصيد الاحتياطى الأجنبى لدى البنك المركزى، ويحسن من وضع السياحة والتصدير وعوائد قناة السويس. ودعا القصير الحكومة لاتخاذ إجراءات وقائية لحماية محدودى الدخل من ارتفاع أسعار السلع، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة معدلات الإنتاج، مضيفًا أن على المواطنين ترشيد الاستهلاك، خاصة فيما يتعلق بالسلع الكمالية. أما سهر الدماطى، العضو المنتدب لبنك الإمارات دبى الوطنى، فقد أكدت أن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة المصرية ممثلة فى المجموعة الاقتصادية الأسبوع الماضى، تعد ضمن الإصلاحات الجذرية للاقتصاد المصرى، للتأكد من مرور البلاد من الأزمة الاقتصادية بنجاح. وأضافت الدماطى أن الإجراءات الإصلاحية تمثل الأساس لاقتصاد قوى يقوم على مجموعة من المحاور أولها تحرير سعر الصرف، والذى يعد قرارا تاريخيا لأن مصر لم تطبق التعويم الكامل فى وقت سابق نهائيًا رغم تطبيقه فى عدد من الدول. وأوضحت أن طرح شهادات ادخارية بعائد مرتفع يأتى لتعزيز زيادة الطلب على الجنيه المصرى، وتقليل الفجوة بين الدولار والجنيه المصرى، عن طريق تعديل هيكل الفوائد لتصبح الفائدة أعلى من معدلات التضخم، وذلك يعد من أهم أهداف البنك المركزى، لافتة إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض أمر مؤقت تزامنًا مع ارتفاع أسعار العملات الأجنبية فقط، وبالتالى فلن يكون له تأثير كبير على معدلات الاستثمار.