كلف الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الخميس، الزعيم السني سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أن حصل على دعم أغلبية النواب بمن فيهم نبيه بري رئيس مجلس النواب ذو النفوذ الذي أعرب عن استعداده للتعاون في الجهود الرامية لتشكيل حكومة جديدة. وجاء التكليف في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية بعد أن حصل الحريري على أصوات 112 نائبًا من أصل 126 نائبًا اجتمع بهم عون في استشارات نيابية على مدى يومين. وبتكليفه يعود الحريري الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2009 و2011 إلى السراي الحكومية في إطار صفقة تسوية أدت إلى انتخاب أحد خصومه السياسيين قائد الجيش السابق ميشال عون رئيسا يوم الاثنين منهيا فراغا رئاسيا في البلاد استمر 29 شهرًا. ويعد دعم الحريري لوصول عون إلى مقعد الرئاسة تنازلا كبيرا يعكس تراجع الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في لبنان. ومن شأن تشكيل حكومة جديدة بدعم من الأحزاب القوية في البلاد أن تساعد على إعادة إحياء عمل الحكومة في بلد أصيب بالشلل على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية ما أثار مخاوف على الاستقرار الأمني. وقال الحريري (46 عاما) عقب لقائه بعون الذي كلفه بتشكيل الحكومة الجديدة: "إنني أتطلع الآن للشروع في الاستشارات لتشكيل حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي مستندة إلى إجماع كل القوى السياسية حول خطاب القسم بكل مدرجاته". وأضاف للصحفيين: "إنه عهد جديد، وأملي كبير في هذه اللحظة الإيجابية التي تضع حدا لمعاناة الوطن والمواطنين طوال عامين ونصف من الشغور والشلل والجمود في تشكيل الحكومة سريعا لتعمل على إنجاز قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل وتشرف على إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها". وأكد الحريري انفتاحه "على جميع الكتل النيابية بما فيها تلك التي امتنعت عن تسميتي عملا بدستورنا وقيمنا الديمقراطية" في إشارة إلى نواب حزب الله الذين لم يمنحوه أصواتهم. لكن مصادر سياسية توقعت أن يشارك حزب الله في الحكومة الجديدة. وعانى لبنان من عدم الاستقرار جراء الحرب في سوريا حيث يقاتل حزب الله دعما للرئيس بشار الأسد، وقد تعرض لبنان إلى سلسلة من الهجمات الانتحارية التي استهدفت مناطق شيعية والجيش. وفي دلالة على استمرار انعدام الثقة بين حزب الله والحريري لم تسم كتلة الجماعة الشيعية في البرلمان الحريري لرئاسة الوزراء على الرغم من أنها قد تشارك في حكومته. وفي واشنطن هنأت الولاياتالمتحدة الحريري ووصفت ترشيحه بأنه خطوة مهمة في لبنان. وقال مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في إفادة صحفية يومية "يستحق الشعب اللبناني حكومة تضم (كل الأطراف) وتعمل من أجل السلام والاستقرار وتعيد الخدمات الأساسية وتتصدى لسلسلة تحديات اقتصادية وأمنية تواجه البلاد حاليا". وساهم بري وهو رئيس حركة أمل الشيعية وأحد أكثر الشخصيات نفوذا على الساحة اللبنانية في تسمية الحريري بعد أن كان قد عبر في السابق عن معارضته للصفقة مما هدد تشكيل الحكومة. وقال بري بعد لقائه بعون في القصر الرئاسي: "اليوم وبعد أن اجتمعت بكتلة التنمية والتحرير مع قيادة الحركة التي انتمي إليها قررت أن أقدم طلبا وتمنيا باسمنا جميعا بتسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة". وردا على سؤال حول مشاركته في الحكومة الجديدة قال بري للصحفيين: "هذا القرار الذي أخذته كتلة التنمية والتحرير وحركة أمل بالتسمية لو كان ما في نية للتعاون ما كنا سميناه". وحمل الحريري الراية بعد اغتيال والده رفيق الحريري عام 2005. وخلصت محكمة دولية خاصة بلبنان تدعمها الأممالمتحدة إلى اتهام خمسة من أعضاء حزب الله بعملية الاغتيال، وتنفي الجماعة أي دور لها. وبعد اغتيال والده قاد الحريري تحالفا لبنانيا مدعوما من المملكة العربية السعودية خلال سنوات من الصراع السياسي مع حزب الله وغيره من حلفائه بمن فيهم عون. وكان وزراء حزب الله وحلفاؤه قد أطاحوا بحكومة الحريري الأولى عام 2011 عندما استقالوا من مناصبهم فيما كان مجتمعا في واشنطن مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. لكن الحريري قال يوم الخميس: "أملي في تشكيل حكومة تواكب انطلاق العهد وتمكننا جميعا من شبك أيدينا لمعالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية والبيئية والأمنية والسياسية التي يعاني منها اللبنانيون". وأضاف: "حق اللبنانيين علينا أن نشرع سريعا في العمل لنحمي وطننا من النيران المشتعلة من حوله ونحصن مناعته في وجه الإرهاب ونوفر له مستلزمات مواجهة أعباء النزوح ونعيد الأمل والثقة إلى شبابنا وشاباتنا بمستقبل أفضل ونعيد ثقة العرب والعالم بلبنان ورسالته ومؤسساته واقتصاده وسياحته والاستثمار فيه". وينظر إلى دعم الحريري للرئيس ميشال عون في الانتخابات الرئاسية على أنه انتصار لحزب الله وطهران ودمشق على حلفاء الحريري السنة في الرياض الذي يبدو أنهم تراجعوا عن الساحة اللبنانية مع إعطاء الأولوية لمواجهة النفوذ الايراني في أماكن أخرى من المنطقة. وتضررت مكانة الحريري في لبنان جراء أزمة مالية تواجهها شركته للتطوير العقاري بالسعودية. وفي إطار نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان فإن منصب رئاسة الوزراء يجب أن يتولاه مسلم سني فيما ينبغي أن يكون رئيس البلاد مسيحيا مارونيا ويجب ان يكون رئيس مجلس النواب مسلما شيعيا. وينبغي أن يتم التوافق بين السياسيين اللبنانيين الآن على كيفية توزيع المناصب الوزارية. ويعتبر الاتفاق على اسم وزير الطاقة واحدا من أصعب التحديات التي ستواجه تشكيل الحكومة، وكان التنقيب عن موارد البلاد غير المستغلة من النفط والغاز قد تعطل بسبب المواجهات السياسية.