«الموسيقى هي ضوء القمر في ليلة قاتمة للحياة» جان بول.. لطالما استخدمت الموسيقى للهروب من قتامة الحياة وأعبائها الثقيلة، وانتقلت من مرحلة غذاء الروح إلى آفاق أكبر، فأصبحت غذاء للجسد، ولجأ إليها الأطباء في علاج مرضى الاكتئاب، ولتخفيف حدة التوتر يغسلون بها أرواحا أرهقت من غبار الحياة اليومية. ففى دراسة جديدة نشرت بعض تفاصيلها صحيفة «الديلى ميل» اللندنية، فإن الموسيقى تثرى الحياة المهنية وتجعلنا أكثر إنتاجية وتخفف من حدة الاكتئاب وتحسن المزاج وتحد من الإجهاد، ففى سويسرا لم تعد الموسيقى حكرا على المحترفين، وعلى متقنى العزف على الجيتار أو العود أو البيانو، وفى حفلات موسيقية يفاجأ اللاجئون بدعوات للحضور، ويظنون أن الحفل من أجل الاستماع للموسيقى، ويندهشون حين يكون السبب هو المشاركة في الغناء أو اللعب على آلة موسيقية. تحت شعار الحكمة الفرنسية «الموسيقى تعطى الروح لقلوبنا والأجنحة لفكرنا» يشارك اللاجئون في سويسرا كل من يرغب في التعبير عن نفسه على الملأ دون قيود، في الأمسيات الغنائية، ويذهبون للتعريف عن أنفسهم وإحياء تراث بلادهم من خلال الموسيقى، فيبدأ كل لاجئ في عرض مواهبه سواء غناء أو رقصا فلكلوريا. وتهدف منظمات ومتطوعون من المهتمين بحقوق اللاجئين والمهاجرين، إلى تخفيف حدة توترهم وحثهم على المضى قدما في حياتهم الجديدة، ونسيان تلك الذكريات الأليمة التي أنتجتها الحروب والدمار ورحلات الهجرة عبر البحار، والظروف السيئة التي مروا بها المساكن الجماعية، ويأس الانتظار على حدود بلدان أوروبية، قبل حصولهم على تصريحات الدخول. هناك دوافع عديدة وراء تلك الحفلات والأمسيات الغنائية، فهدف انخراط اللاجئين والمهاجرين يسيطر على المجتمع الأوروبي، الذي يرفض غالبيته عزلهم عنهم، فالنبذ هنا ليس لصالحهم إطلاقا ولا لصالح حكوماتهم التي تتبنى سياسات خارجية مجحفة، فربما تصبح الموسيقى وسيلة تواصل جيدة للجمع بين أفكار اللاجئين والمجتمع الأوروبي، ويصبح هناك شىء مشترك يجمعهم من أجل الحديث عنه. يحضر اللاجئ ومعه آلته الموسيقية، ويبدأ العزف ليخرج المكنون والمكتوم بداخله، يعزف لحنا موسيقيا تعلمه في بلاده من أجل تعريف هؤلاء الجدد بثقافته وعادات بلاده، انطلاقا من قاعدة «إذا أردت معرفة شعب ما.. استمع إلى موسيقاه». ولهول المشهد الدموى، تحظى الأزمة السورية بمحل اهتمام كبير في المجتمع الدولى، فتدفع أوروبا ثمنا لبعض تداعيات الحرب، وتتحمل أكثر من مليونى لاجئ في دولها، ففى مدينة «برن» العريقة عرضت المسرحية السورية «بينما كنت أنتظر» بعدما تجولت في عشر مدن أوروبية، وفى مسرح «شلاخت هاوس» بوسط العاصمة السويسرية، تحكى المسرحية قصة الشاب «تيم» الذي تعرض للضرب عند إحدى نقاط التفتيش في دمشق التي تمزقها الحرب، ودخل في غيبوبة طويلة في سريره داخل المستشفى، وسط تحولات واضطرابات شخصية وعامة. تدور القصة حول تيم المريض وعائلته التي تواجه حقائق مؤلمة، وتتحمل الأسرة أعباء رهيبة خاصة مع اندلاع الحرب في دمشق التي أصبحت أقسى مدينة في العالم، ومن هذا المشهد المأساوى يطل الكاتب على عالم متوحش ظالم، يستعرض ماضى العائلة التي تواجه المستقبل المجهول والمظلم، بما يحمله من تداعيات الحرب، مع وحشية الحاضر وتعقيداته النفسية والاجتماعية التي تدلل على عمق المأساة السورية. يقول الكاتب محمد العطار، إن القصة تأخذ منحنى دراميا، حيث جعل مشهد «غرفة المشفى» الذي يشير إلى سوريا التي تتأرجح بين الحياة والموت، ويعيشها أشخاصها الذين يقتلهم اليأس ويحيهم الأمل. وانتقلت مسرحية «بينما كنت أنتظر» إلى مسرح «دامف سنترالى»، حيث عرضت لثلاثة أيام تمت خلالها استضافة فريق العمل مجانا. وفى الثلاثين من الشهر الحالى، سوف يعرض الفيلم السورى «سفينة الحب» في مدينة أوسنابروك الألمانية، في سينما «آرت هاوس»، وهو فيلم وثائقى قصير عن اللاجئين السوريين، ويلعب الأبطال الذين يقومون بالتمثيل لأول مرة أدوارا تعكس أزماتهم الواقعية. يروى الفيلم مشاكل الحروب من اعتقال واغتصاب في معتقلات سجون النظام السورى، ويتحدث عن الفقر المدقع الذي تعيشه المناطق المحاصرة مثل حلب وغيرها، والنزوح والهجرة والموت في عرض البحر. ويقول «معن موصلى» مخرج الفيلم: «نفتح كل الملفات المغلقة، حيث الاغتصاب في السجون السورية، يحكى أبطال الفيلم عن قصص شخصية حدثت داخل المعتقلات»، وتم تصوير أغلب مشاهد الفيلم في عمان. واعترفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بأهمية الموسيقى لمعالجة اللاجئين، حيث سبق ونظمت في يونيو الماضى في يوم اللاجئ العالمى. حفل موسيقى لعازف العود العالمى المشهور نصير شمه، في مخيم السلام للأسر النازحة في بغداد، الذي يستضيف 1200 أسرة. وفى سويسرا التي تحتضن المفاوضات المكوكية حول الأزمة السورية، شارك اللاجئون الأفعان والعراقيون والسوريون والأفارقة، في نشاطات عامة تشهدها قرى سويسرية، ففى باحات الكنائس والميادين العامة، تقام حفلات وأمسيات أدبية، ويعود ريعها لدعم اللاجئين. وعن الجاز، أحد أهم ما يميز المشهد الثقافى السويسرى، يقوم عدد من الموسيقيين الذين وُلدوا في بلاد الألب واشتهروا عالميا، بإحياء حفلات موسيقية في قاعات مرموقة في باريس أو لندن، من أجل دعم المهاجرين، ومنهم الفنان «كولان فالون» الذي كان يحيى سهراته في نواد محلية صغيرة، حيث يقوم الموسيقيون أحيانا بجمع تبرعات الجمهور بعد العزف. أما عن برلين، التي جمعت شتات السوبرانو السورية رشا رزق، وأعادتها لممارسة الموسيقى من جديد، فهى تعيش تجربة فنية جديدة مع أوركسترا المغتربين السوريين الفيلهارمونى ببرلين التي تأسست العام الماضى، وتجمع العديد من الموسيقيين السوريين، الذين تحولوا بدورهم إلى لاجئين في دول أوروبية. و تقول «رزق»: «نحن لاجئون تركنا بلدنا غارقة في الدمار والفوضى والدماء، وهذا جانب سيئ، لكننا نواصل تقديم الموسيقى ونشرح للعالم الجانب الجيد في ثقافتنا، ونقول لهم تعرفوا على الحضارة السورية من خلال الموسيقى، وهذا هو الجانب الجيد». الأوركسترا تمزج بين الموسيقى العربية الكلاسيكية والموسيقى الأوروبية الكلاسيكية، ويعبر عازف الناى «محمد فتيان» اللاجئ في ألمانيا عن رغبته في الاندماج مع المجتمع الألمانى، ويقول: «أنا مسئوليتى كموسيقى هي التعريف بثقافتنا الموسيقية، وبما لدينا في سوريا، وإظهار ما الذي يمكننا فعله في أوروبا، وأنه يمكننا العيش بسلام، وأعتقد أن أفضل وسيلة لذلك هي الموسيقى».