المستقبل أفق واسع، وكل أفراد شعب مصر وتجمعاته تحاول ثقب أستاره، واكتشاف ملامحه، ودراسة ظواهره وإدراك نذره وبشائره، ولابد من تحليل ثاقب للأحداث، يعتمد المعلومات ويحسن قراءة المؤشرات، ويستعد للمتغيرات ولكي نرى ما يلوح من بعيد نحدد بعض وقائع الحاضر.. من تحول ثمار الحكم الدانية والواعدة للإخوان إلى أوهام وأحلام بائرة واشتعال حدة الصراع والمظاهرات بين جماعة الإخوان وفصائل المجتمع، مع تصريحات عن مصالحات ووساطات غير محددة المعالم والحدود، واستمرار المواجهات العسكرية مع جماعات العنف التكفيري ووجود تيار عاطفي شعبي جارف ينادي باختيار الفريق عبدالفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية، ولجنة لوضع الدستور بها شد وجذب في تحديد هوية الدولة ومبادئ الشريعة، واختصاصات هيئات الدولة القضائية وتحديد نظام انتخابي برلماني، ومطالبات فئوية – ومع موقف عربي ارتاح كثيرًا لأفول حكم الاخوان عدا دولة وقناتها، وموقف دولي أمريكي وأوروبي غربي اعترف مؤخرًا باستحالة رجوع الإخوان للحكم ولكن يطالب بإشراك جماعة الإخوان في العملية السياسية ويضغط لذلك ودور جديد لروسيا يدعم النظام الحالي. وهذه الوقائع تنذر بإذن الله بعدد من المؤشرات منها: أولاً: ستزداد جماعة الإخوان المسلمين تقوقعًا وانعزالاً وانهزامًا، إذا ظلت حبيسة اتجاهاتها الثقافية والاجتماعية الساكنة الجامدة، وستتهاوى منظومتها التي لا تتواكب مع روح وطيبة ومسالمة شعب مصر وتدينه الفطري السهل البسيط، حتى لو ظلت جماعة الإخوان تلبس طموحاتها السياسية بجلباب المحافظة على الإسلام وتحاول أن تخفي أنها جماعة براجماتية تسعى أولاً وأخيرًا لتمكين جماعتها والمحافظة عليها فأفكار الجماعة التي غلب عليها الفكر القطبي المحافظ المتعلق فكرًا وسلوكًا، والمنعزل شعوريًا عن المجتمع والمتترس بثقافة السمع والطاعة لأفراد الجماعة – تموت دماغيًا أو هي تحتضر وسط جموع الشعب والشباب، لأنها ركنت إلى منظومتها التقليدية الفكرية القطبية متباينة عن التدين المصري المعتدل المتوارث عن فكر الأئمة الأربعة وعناية الأزهر الشريف، وستتهاوى تباعًا وتتداعى ما لم تقدم حلولاً مستقبلية للتحدي القائم والقادم، ففكر عدد كبير من شبابها وأفرادها شعر بأخطاء قيادته القطبية سواء الأخطاء الفكرية أو العملية التي تستوجب المراجعة مثل الاستعلاء السياسي والإيماني في فترة التمكين، ومرض عُقَد الاضطهاد والرغبة في التمكين السريع خوفًا من الخطر الداهم، ونشر حالة الصراع في المجتمع المصري بإشاعة الانقسامات الطائفية والمذهبية، ووضع المجتمع في خطر الصراع المسلح. والنَّهَم الشديد للسلطة واعتبارها هدفًا أصيلاً ولو تمت تحت ستار أخلاقي وهو التمكين للمشروع الإسلامي وتحقيق الخلافة الإسلامية والتعسف في استخدام السمع والطاعة وتقديس القادة والاعتقاد في عصمتهم أو عدم نقدهم أو مساءلتهم، والصدام الدائم مع السلطة من عهد الملك إلى عبدالناصر والسادات ومبارك ووقتنا الحالي، وأيضًا السرية وما ترتب عليها من مشكلات التكوين والإعداد في الغرف المغلقة، والتقية وما نتج عنها من تناقضات وألصق بالإخوان تهمة الكذب والمراوغة ونقض العهد، والبراجماتية وهزها للصورة الأخلاقية وألصق بتيار الإسلام السياسي صفة الانتهازية، وتضخم ذات القيادة وتصلبها وتضاؤل قيمة الاتباع، ما خلق حالة من الطاعة العمياء حرمت التابع من نقد القائد وتصويبه فتراكمت الأخطاء بلا تصحيح حتى فوجئ الجميع بالانهيار، وأيضًا عدم احتمال المعارضين داخل التيار والتخلص منهم واحدًا تلو الآخر رغم أن هؤلاء المعارضين كانوا من القيادات الهامة والمؤثرة، والزعامات المبهره لكثير من أعضاء التنظيم، ومما يراه كثير من شباب الجماعة وأعضائها وينتظرون فرصة هدنة لعرضه هو أن الجماعة استطاعت في الماضي استقطاب الجماهير، ووظفت جماهير التيار الإسلامي توظيفًا حماسيًا، وألهبت بخطابها العاطفي قلوب الناس، واستثمرت الظروف المحلية والإقليمية والدولية، ولكنها إن أجادت في الثورة والتحريض، والاحتجاج والاستقطاب، لم تتقن فن الاستثمار والإدارة، فدرجت واستدرجت إلى تقديم مصلحة الجماعة وتزكية النفس على مصالح الجماهير والتفاعل معهم ولم تقدم الأهداف الحقيقية الاستراتيجية على الأهداف المرحلية فأساءت إلى مشروع النهوض الإسلامي، فتحولت الثمار الدانية الواعدة إلى أوهام وأحلام بائرة. ثانيًا: سيتهاوى تيار العنف الخوارجي الذي يحدث في سيناء وبعض المحاولات المتناثره في القاهرة والدلتا – سيتهاوى هذا التيار الذي يقتل جنود الجيش والشرطة والمدنيين والأطفال والنساء والعجائز دون تفرقة فمهما بلغ حجم هذا التيار التكفيري وشراسته فهو إلى ضعف وزوال، لأنه يكون أبدًا أكبر من حجم وشدة نموذج العنف الجزائري وقوته.. الذي كان أضعاف أضعاف العنف المصري (وذلك بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية بالجزائر) الذي ضعف ثم انتهى بعد ما تسبب في قتل أكثر من مائتي ألف جزائري، وسواء كان هذا التيار الجهادي التكفيري يجتهد اجتهادًا شرعيًا غير سائغ يدفعه؟ أم كان مدفوعًا من آخرين خارجيًا أو داخليًا؟ فإن جماعة الإخوان والإسلام السياسي بكافة تنظيماته، تضرّر وتشوّه وتأخرت حركته وتعثرت بسبب الذين يتسلحون بالشجاعة والحماسة وقد يكون بالإخلاص أيضًا، دون أن تكون لهم بصائر كافية، وعلم شرعي أولي، يجنبون به أنفسهم وجماعتهم ومجتمعاتهم سوء المصائر، وكل عمل يقفز فوق تضاريس الطبيعة، ليس من الشريعة، لأنه سيصطدم بصخرة الواقع، وستتناثر شظاياه، دون أثر ملموس، وسيؤدي إلى تشويه المشروع الإسلامي، وقد تصب دول وجماعات إقليمية ودولية، مزيدًا من البنزين على النار، بشكل يجعل نار الفتنة متقدة، فلا تتفرع مصر لمسيرة التقدم الاقتصادي والأمني والديمقراطي، ولا ترشد هذه الجماعات المقامرة، فتدرك أن ما تفعله ليس من الدين بل هو عقيدة وسلوك فرق الخوارج القديمة التي حاربت وقتلت صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب – تحت راية إسلامية وهي (إن الحكم إلا الله) وإذا استمرت جماعة الإخوان في دفع جماعات التكفير في إنتاج فكر الغلو والعنف فالنتيجة مزيدًا من الارتكاس والانتكاس للمشروع الإسلامي والإسلام السياسي فإن تكفير المسلمين، واستباحة أعراضهم ودمائهم وأموالهم – سيؤدي بكل تلك الجماعات إلى الضعف ثم إلى الزوال كما هي سنة الله فيمن سبقوهم من الخوارج، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف «كلما ظهر قرن قطعه الله».