الإسكان الاجتماعي 2025 يفتح أبوابه قريبًا بهذا الموعد.. «بمقدم 50 ألف وفائدة 8%»    محافظ البحر الأحمر: تدخل عاجل من رئيس الوزراء لحل أزمة مياة الشرب بالغردقة    صندوق النقد الدولي: أوضاع الاقتصاد المصري تسير نحو الأفضل    افتتاح معرض كافكس 2025 فى الفترة من 19 – 21 مايو بمركز مصر للمعارض الدولية    تفاصيل خطة ترامب لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا    الجامعة العربية: مجرد التئام القادة العرب في ظل التحديات أمر يدعو للتقدير    «فارق الأهداف».. سيناريوهات تتويج الأهلي بلقب الدوري المصري بعد الفوز على البنك    موعد إجازة عيد الأضحى 2025 والإجازات الرسمية في مصر    أقارب عريس البحيرة: «الشيخ علي» خطب لصلاة الجمعة ومات العصر (فيديو)    محافظ المنيا يسلم حجاج الجمعيات الأهلية جوازات السفر والتأشيرات وتذاكر الطيران    موعد عيد الأضحى 2025 ووقفة عرفات فلكيًافي مصر والدول العربية    يسرا تحتفل بعيد ميلاد عادل إمام ال 85 :«كل سنة وأنت طيب يا زعيم قلبي»    لميس الحديدي: الرئيس السيسي عبر عن موقف مصر في قضايا المنطقة بكل وضوح    صحة القاهر: توفير خدمة طبية مجانية متميزة للمواطن البسيط    الجناح المصري في سوق مهرجان كان يفوز بجائزة أفضل جناح لعام 2025    زواج سري أم حب عابر؟.. جدل قديم يتجدد حول علاقة عبد الحليم حافظ وسعاد حسني    محمد رمضان يكشف عن صورة من كواليس فيلم أسد وعرضه بالسينمات قريبا    رئيس جامعة الأزهر يفسر آية «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج»    داعية: وجوب تقسيم الميراث على وجه السرعة لهذا السبب    السودان يتهم الإمارات بطرد واحتجاز دبلوماسيين بالمخالفة ل اتفاقيات فيينا    هيئة الخدمات البيطرية تكشف حقيقة نفوق الطيور في مزارع الدواجن    إصابة 48 طالبة.. رئيس جامعة طنطا يطمئن على الحالة الصحية لطالبات «تربية رياضية»    القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى يشهد مناقشة البحث الرئيسى لهيئة البحوث العسكرية    ضحية الانتقام بكرداسة    كواليس جلسة الرمادي مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بتروجيت    احتفالاً باليوم العالمي للمتاحف.. المنيا تحتضن الملتقى العلمي الخامس لتعزيز الوعي الثقافي والتاريخي (صور)    مستشار رئيس الوزراء العراقي: قمة بغداد تؤكد أهمية التضامن العربي في مواجهة الأزمات الإقليمية    3 أمناء مساعدين بالجبهة الوطنية.. زكى والصريطي للفنون وضيف الله للتنظيم    الزمالك يتحرك لحل أزمة مستحقات ميشالاك قبل عقوبة "فيفا"    فابريجاس: تحدثت مع أندية أخرى.. وهذا قراري بشأن مستقبلي    رئيس جامعة المنوفية يعقد اجتماع مجلس الدراسات العليا الشهري "أون لاين"    قائد تشيلسي: مصير المشاركة في دوري أبطال أوروبا بأيدينا    تشييع جثمان ابن شقيقة الفنان الراحل عبدالوهاب خليل بكفر الشيخ (صور)    آخر تحديث للحصيلة.. إصابة 46 طالبة بإغماء في جامعة طنطا بسبب ارتفاع الحرارة -فيديو    "وقاية النباتات" ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز الممارسات الذكية في مكافحة الآفات    الضفة.. الاحتلال الإسرائيلي يصيب مسنا فلسطينيا قرب مخيم جنين    مصرع طفل غرقا فى نهر النيل بمنطقة الحوامدية    بالأسماء، ارتفاع عدد المصابات بإغماء وإجهاد حراري بتربية رياضية طنطا ل 46    صور| أكاديمية الشرطة تنظم ندوة "الترابط الأسري وتأثيره على الأمن المجتمعي"    هل يجوز توزيع العقيقة لحومًا بدلًا من إخراجها طعامًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ملازم دراسية مسروقة.. سقوط مكتبة غير قانونية في القليوبية    انطلاق الدورة 41 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في سبتمبر المقبل    نقيب الصحفيين العراقيين: القمة العربية فى بغداد تؤكد استعادة العراق لدوره القيادى    جامعة الفيوم تطلق الحدث الريادي الأول "ستار أب" لدعم رواد الأعمال والشباب الخريجين    مخرجش من المنهج.. ردود أفعال طلاب الشهادة الإعدادية الأزهرية بسوهاج بعد امتحان مادتي اللغة العربية والهندسة "فيديو"    هل يجوز سفر المرأة للحج دون مَحْرَم.. الأزهر للفتوى يجيب    الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية.. ومن رحم الحيوان رحمه الرحمن    أمين «التعاون الإسلامي» يؤكد ضرورة بذل كل الجهود لاسترداد الفلسطينيين لحقوقهم    نقيب الصحفيين يطلق حملة لتعديل المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    وكيل الزراعة بالبحيرة يوجه بسرعة توزيع الأسمدة وإزالة التعديات على الأراضي الزراعية في حوش عيسى    أوكرانيا تعلن إسقاط 36 طائرة روسية مسيرة    رئيس الوزراء يتفقد أعمال التطوير في منطقة السيدة عائشة وطريق صلاح سالم    كلاكيت تالت مرة.. مصطفى محمد يرفض المثلية وينتظر العقوبة    قصر العيني يحتفل ب 80 عامًا على تأسيس قسم المسالك ويطلق برنامجًا لأطباء الامتياز    موجة شديدة تضرب البلاد اليوم| وتوقعات بتخطي درجات الحرارة حاجز ال 40 مئوية    «لو روحتوا أمريكا هينصفوا الأهلي».. عمرو أديب يوجه رسالة لمجلس الزمالك    اللقب مصري.. نور الشربيني تتأهل لمواجهة هانيا الحمامي في نهائي بطولة العالم للاسكواش    البرلمان الليبي يكلف النائب العام بالتحقيق مع الدبيبة على خلفية قمع المتظاهرين وأحداث طرابلس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كولن.. عفريت "أردوغان" يتحدث
نشر في البوابة يوم 12 - 09 - 2016

■ الرئيس التركى كان يأمل فى إعلان نفسه أميرًا للمؤمنين فى العالم الإسلامى بعد إسقاط «الأسد»
■ لن يسلم أحد من قمع وإجرام «أردوغان» إلا هؤلاء الذين بايعوه ووافقوه فى كل شىء واعتبروا مجرد ملامسته عبادة
أنقرة تدعم «داعش» و«النصرة» بالأموال والأسلحة.. ورجال «البغدادى» يعالجون فى المستشفيات التركية ثم يرسلون إلى فرنسا وأمريكا وبريطانيا ■ أنصار «داعش» يتجولون فى شوارع تركيا وتستخدمهم الحكومة للإغارة على بيوت معارضيها وتعذيبهم وقتلهم
■ محاولات إجبار أمريكا على تسليمى ستبوء بالفشل ■ لو أثبتت لجنة تحقيق دولية تورطى فى الانقلاب ولو ظلمًا فأنا على استعداد للتوجه إلى تركيا وسأتقدم لحبل المشنقة عن طيب نفس وخاطر
لا يزال الدخان يتصاعد من النار التركية..
ليلة الخامس عشر من يوليو 2016 تحركت آليات عسكرية إلى شوارع أنقرة وإسطنبول وغيرهما من المدن، لإزاحة الرئيس رجب طيب أدروغان، غير أن المحاولة باءت بفشل كامل ب«صورة سينمائية» أوحت للكثيرين بأن هذه المحاولة ربما تكون مدبرة.. لمَ لا؟ وقوائم الاعتقالات كانت جاهزة، وأوامر الطرد من الوظائف صدرت فى الليلة التالية.
فى أوج الأحداث ظهر اسمه ليغطى نشرات الأخبار.. هو فتح الله كولن، داعية تركى يعيش فى منفى اختيارى بالولايات المتحدة الأمريكية.
بالنسبة إلى «أردوغان» فإن «كولن» هو المتهم الأول بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية.
هو العدو رقم «1» للرئيس التركى.
سمعنا كثيرا من أردوغان، وبقى أن نعرف ما الذى يريده «كولن» حقا. قبل أيام أصدرت «دار النيل للطباعة والنشر» كتابا يحمل عنوان «الانقلاب فى تركيا» من قام به ولصالح من؟ وضد من؟ تضمن فى جانب كبير منه حوارات صحفية ومقالات ودروسا ل«كولن».
اخترنا هنا أن نعرض جزءا من هذه الكلمات، لنعرف ما الذى يحدث الآن فى تركيا.
قال إن «السلطان المزعوم» بدأ الحرب بعد تحقيقات الفساد فى 2013
الرئيس التركى كان يشبه لقائى معه ب«النعمة الإلهية»
عاشت تركيا ليلة الخامس عشر من شهر يوليو 2016 أفظع كارثة فى تاريخها الحديث ونجت من الوقوع فى هاوية مظلمة عقب محاولة الانقلاب، وإذا أردنا وصف ما شهدته تركيا فى تلك الليلة، فمن الممكن أن نطلق عليه الانقلاب الإرهابى بكل ما تعنيه الكلمة من شدة وقسوة، وقد وقف الشعب التركى بكل أطيافه صفا واحدا إلى جانب الديمقراطية ضد محاولة الانقلاب، إيمانا منه بأن زمن التدخلات العسكرية قد ولى دونما رجعة، وأنا بدورى أدنت الانقلاب بعبارات واضحة وبينة فى وقت كانت فيه الأحداث لا تزال ساخنة.
بعد عشرين دقيقة فقط من بدء محاولة الانقلاب الخائنة، وفى وقت لم يتبين بعد حتى من يقفون وراءها، خرج السيد رجب طيب أردوغان ووجه أصابع الاتهام إلى ولا شك فى أن الإعلان بهذه السرعة عن المجرم قبل أن تظهر تفاصيل الحادثة، وقبل أن تتبلور هوية المنفذين لها ودوافعهم، لهو أمر لافت وباعث على التفكير، ونظرا لأننى قد عانيت كثيرا من الانقلابات العسكرية خلال العقود الخمسة الماضية، فإن المساعى الرامية إلى الربط بينى وبين هذه المحاولة تعد إهانة واساءة لي، لذلك أرفض هذه الاتهامات بصورة قطعية.
إننى أعيش بموجب إرادتى الذاتية حياة منزوية فى قرية صغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ سبعة عشر عاما بناء على ذلك، فإن الزعم بأننى قمت بإقناع ثامن أكبر جيش فى العالم، وعن بعد 10،000 كم بتنفيذ الانقلاب ضد حكومة بلدى ليس سوى افتراء لا يمت إلى العقل بصلة، لذا لم يحظ هذا الادعاء بالقبول لدى الرأى العام العالمي.. مع ذلك، فإن كان من بين أعضاء المجلس العسكرى الانقلابى من يقدمون أنفسهم وكأنهم متعاطفون مع حركة الخدمة، فإننى أرى أن هؤلاء الجنود قد خانوا وحدة بلادهم وتضامن أبناؤها، بانضمامهم إلى هذه المحاولة التى راح ضحيتها مئات المواطنين، وداسوا على القيم التى دافعت عنها طوال حياتى، فضلا عن تسببهم فى تضرر مئات الآلاف من الأبرياء. على فرض المستحيل، إن كان هناك من تأثروا بالمزاج التدخلى السائد لدى فئة عسكرية معينة داخل الجيش، وقدموا الثقافة التدخلية على مبادئ الخدمة الديقراطية، فإنه لا يمكن حمل أخطائهم على أبناء الحركة برمتهم، وإننى أحيل أمر هؤلاء إلى الله.
ليس هناك أى إنسان فوق القانون والحقوق، سواء كنت أنا أو أى شخص آخر، لذلك أمل أن ينال المسئولون عن الانقلاب عقوبتهم التى يستحقونها، بعد خضوعهم لمحاكمة قانونية عادلة، بغض النظر عن الفئة أو الفريق الذى ينتمون إليه، غير أن احتمالية إجراء محاكمة عادلة ضعيفة جدا، ذلك أن نظام القضاء فى تركيا بات تحت الوصاية السياسية منذ أكتوبر 2014 وبسبب هذه الحقيقة، طالبت مرارا وتكرارا بتشكيل لجنة دولية لتتولى التحقيق فى هذا الأمر، وأعلنت أننى سأقبل عن طيب خاطر النتيجة التى ستتوصل إليها هذه اللجنة.
إن المنتسبين إلى حركة الخدمة لم يتورط أحد منهم فى أعمال عنف طيلة تاريخ الحركة الممتد لنحو خمسين عاما، ولم ينزلوا إلى الشوارع، ولم يتمردوا على قوات الأمن فى السنوات الثلاث الأخيرة، رغم أنهم يتعرضون خلال هذه المدة لما وصفه أردوغان بصورة صريحة ب«مطاردة الساحرات»، بل إن هذه الحركة التى تئن ألما منذ ثلاث سنوات تحت حملة خطاب الكراهية وظلم الدولة بشكل ممنهج، أصرت على الدفاع عن نفسها والبحث عن حقوقها المهدورة فى إطار القانون وألا تتعدى الحدود التى وضعتها القوانين البتة. لقد استنفرت جميع أجهزة الأمن والقضاء منذ ثلاث سنوات بصورة غير مسبوقة فى تاريخ الجمهورية التركية من أجل كشف القناع عن «الدولة الموازية» التى يزعم المسئولون بأننى من أقودها، ومع أن الحكومة وصفت تحقيقات الفساد فى عام 2013 بمحاولة انقلابية أيضا دبرها المتعاطفون معى فى السلك البيروقرطي، إلا أنها لم تعثر حتى اللحظة على دليل واحد يثبت تلك المزاعم، على الرغم من اعتقال أربعة آلاف شخص، وطرد عشرات الآلاف من أعمالهم، ووظائفهم، والاستيلاء على مئات الشركات والمؤسسات بشكل غير قانونى طيلة الفترة الماضية.. غير أن رئيس الوزراء «أردوغان» قبل تلك الفترة كان يشتبه احتمالية لقائه معى بالنعمة الإلهية النازلة من السماء لكنه أخذ بعد بدء تحقيقات الفساد 2013 يستخدم ضد المنتسبين إلى هذه الحركة خطاب كراهية فى ميادين اللقاءات الجماهيرية تضمن عبارات مهينة، بدءا من الحشاشين القتلة وانتهاء بمصاصى دماء.
بعد المحاولة الانقلابية الغادرة فى الخامس عشر من شهر يوليو المنصرم، وصلت حملة الهجوم الشعواء هذه إلى حد لا يطاق، إذ تسعى الحكومة التركية إلى تصوير شخصى والمتعاطفين مع الخدمة ك«فيروس وخلية سرطانية يجب التخلص منها» بشكل ممنهج، ويقدم مئات الآلاف من الناس الذين دعموا بشكل أو بآخر المؤسسات التربوية والجمعيات الخيرية التى شجعت على تأسيسها هذه الحركة وكأنهم كيانات غير إنسانية، فيتم الاستيلاء على ممتلكاتهم، وتجميد حساباتهم فى البنوك ومنعهم من المغادرة إلى خارج البلاد، عن طريق إلغاء جوازات سفرهم. أجل، يعيش مئات الآلاف من الأسر مأساة إنسانية مرعبة نتيجة حملة مطاردة الساحرات، لقد كتبت وسائل الإعلام أيضا حول إبعاد حوالى 90 ألف إنسان من وظيفتهم، بينهم 21 ألف مدرس ألغيت تراخيص عملهم، فهل تريد الحكومة أن يموت عوائل المبعدين جوعا بعد أن حرمتهم من مزاولة وظائفهم أو مغادرة بلدهم إلى بلد آخر! فما الفرق إذن بين هذه الممارسات وتلك المآسى الدرامية والمجازر التي شهدتها القارة الأوروبية فى القرن الماضي.
لقد عشت كل الانقلابات العسكرية فى تركيا وعانيت منها كثيرا، تماما مثل جميع أفراد الشعب التركي، حيث دخلت السجن أثناء الانقلاب الحادث فى 12 مارس 1971 بقرار صادر عن المجلس العسكري، ثم عشت مطاردا طيلة ست سنوات بعد صدور قرار باعتقالى أثناء انقلاب 12 سبتمبر 1980م، وبعد الانقلاب الأبيض فى 28 فبراير 1997 رفعت ضدى دعوى قضائية بتهمة تشكيل منظمة إرهابية غير مسلحة يتكون أعضاؤها من شخص واحد مطالبة بانزال عقوبة الإعدام عليّ، كما أنه فتحت فى عهود القمع العسكرى أيضا ثلاث دعاوى ضدى بتهمة «الزعامة لمنظمة إرهابية»، لكن المحكمة قضت بتبرئة ساحتى من كل هذه الاتهامات، نعم، كنت المستهدف أمس من قبل الإدارات العسكرية القائمة على النهج السلطوى، أما اليوم فأتعرض للاتهامات ذاتها من طرف حكومة مدنية استبدادية وبصورة أشد انتهاكا للقانون من سابقاتها.
اننى أقمت فى الماضى علاقات ودية مع قادة وزعماء يتبنون أفكارا سياسية مختلفة من أمثال السيد طور عوت أوزال Turgut ozal السيد سليمان دميرال Suleyman Demirel والسيد بولند أجويد Bulet Ecevit، ودعمت مشاريعهم الصحيحة من صميم قلبي، ولقيت منهم احتراما وتبجيلا جراء مساهمات حركة الخدمة لاسيما فى التعليم والسلام المجتمعي، وعلى الرغم من أننى وضعت دوما مسافة بين وبين الإسلام السياسي، إلا أننى قدرت كذلك أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية بسبب الإصلاحات الديمقراطية التى نفذوها فى الفترة الأولى من حكمهم.
لكنى فى جميع مراحل حياتى، كنت معارضا للانقلابات العسكرية وتدخل الجيش فى الحياة السياسية، وحينما قلت قبل نحو 22 عاما «لا رجوع عن الديمقراطية» تعرضت وقتها لاساءات من قبل أنصار الإسلام السياسى الذين يمثلون السلطة الحالية اليوم، وذلك لأنهم كانوا يعارضون حينئذ القيم الديمقراطية.. إننى لا أزال اليوم كما كنت أمس، أدافع عن القيم ذاتها وأقف إلى جانب تصريحاتى فى هذا الصدد.
هناك حوالى 70 كتابا لى تضمن مقالاتى التى كتبتها وما طرحته من آراء وأفكار فى دروسى طيلة 40 سنة مضت، وهى اليوم متوفرة لمن أراد الاطلاع عليها، هذه الكتب لا تحتوى أى فكر، ولو قدر ذرة، يسوغ فكرة الانقلاب، بل على النقيض من ذلك، تركز على القيم الإنسانية السامية التى تبنى أرضية رصينة للديمقراطية.
لا مراء فى أن خلاص تركيا يكمن فى ترسيخ الثقافة الديمقراطية وتبنى رؤية فى التدبير قائمة على الكفاءة والجدارة، ولا يمكن لأى انقلاب عسكرى أو إدارة مدنية استبدادية أن تكون حلا لأى مشكلة من مشاكلها.
لقد صدق قسم مهم من المواطنين فى تركيا المزاعم التى تقدمنى مسئولا عن انقلاب شهر يوليو بعد قصف عقولهم من قبل آلة الدعاية فى ظل بلد أغلقت فيه كل الأجهزة الإعلامية المعارضة أو فرضت عليه الوصاية، ولأن الرأى العام العالمى يتمكن من النظر إلى الأحداث بنظرة محايدة، فهو يرى بوضوح أن أصحاب السلطة فى تركيا يسعون لتقوية شوكتهم من خلال تنفيذ حملة مطاردة الساحرات، وبطبيعة الحال، فإن فكر الأغلبية فى مثل هذه القضية ليس مهما، بل المهم هو الحقائق التى ستتمخض عن إجراء محاكمة عادلة.. وبلا شك فإننى وعشرات الآلاف من الأبرياء الذين يتعرضون لمثل هذا الاتهام الكبير نريد تبرئة ساحتنا ورد الاتهامات عن أنفسنا بعد الخضوع لمحاكمة عادلة.. إذ لا نريد إدامة حياتنا مع هذه التهمة التى ألصقت بنا.
إلا أننى والمتهمين من المتعاطفين مع حركة الخدمة حرمنا وسلبنا حق تبرئة ذمتنا، نظرا لأن نظام القضاء بات للأسف تحت الرقابة السياسية منذ عام 2014، لذلك أوجه دعوة صريحة للحكومة التركية وأتعهد بتعاون تام، أطالب بأن تتولى لجنة دولية التحقيق فى قضية محاولة الانقلاب، وأننى فى كامل الأهبة والاستعداد للعودة إلى تركيا وتقبل أشد أنواع العقوبات إن ثبت لدى هذه اللجنة عشر الاتهامات الموجهة إلىّ.
مقال «كولن» فى صحيفة «لوموند» الفرنسية بتاريخ 11 أغسطس الماضى
وصف الرئيس التركى ب«المجنون الظالم» الذى لا يرحم أحدًا
«كولن»: «أردوغان» لص خرج من العشوائيات ونصب نفسه سيدًا على الناس بالكفر والخيانة
■ المراسل: يتهمكم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بأنكم وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التى وقعت فى تركيا، فما ردكم على ذلك؟
- فتح الله كولن: أولا: مع الأسف شاهدنا العديد من الناس يقول الشىء نفسه بغير دليل، إننى أقيم هنا فى أمريكا أكثر من خمسة عشر عاما، ولا أعرف كثيرين هناك، ومن المحال أن أقوم بهذا الأمر، فأنا طوال عمرى ضد الانقلابات العسكرية، وأندد بها، وأستنكرها على الدوام، لأننى كنت أكثر المتضررين من هذه الانقلابات، سواء تلك التى وقعت فى 27 مايو 1960م، أو التى وقعت فى 12 مارس 1971م، أو التى حدثت فى 12 سبتمبر عام 1980م، أو التى جرت فى 28 فبراير عام 1997م.
لتتولّ لجنة دولية التحقيق فى هذا الأمر والتدقيق فيه، فإن ظهرت ادعاءات السلطات التركية بحقى صحيحة، أو حتى لو بنت هذه اللجنة أحكامها على أدلة مغلوطة، فإننى سأنزل على حكمها أيا كان عن طيب نفس وخاطر، ولكن من غير الممكن أن نسلم بادعاءات واتهامات مبنية على الحقد والكراهية.
فيما بين السابع عشر إلى الخامس والعشرين من ديسمبر عام 2013م أطلت علينا، وتكشفت أحداث وفضائح الفساد والرشاوى، وقد كشفت هذه الأحداث عن وجود أعمال فساد ولصوصية وتبادل للرشاوى داخل الدولة، وعن الإسراف والبذخ الذى يعيش فيه أصحاب القصور.
وهذه الأحداث لا صلة لنا بها، ولا أدرى من كان وراءها المخابرات الألمانية أم المخابرات الأمريكية أم الاستخبارات التركية.. لا أدرى! ومع ذلك نُسبت كل هذه الأحداث إلى محبينا والمتعاطفين معنا. ومنذ ذلك اليوم بدأت حركة الخدمة توصف ب«الكيان الموازى»، ومما زاد الطين بلة أيضا هم ادعوا زورا وبهتانا أننا نحن من دبر هذا الانقلاب!.. هذا أمر لا يمكن قبوله مطلقا!
والحق أن الكثيرين قد علقوا على محاولة الانقلاب هذه بقولهم: لقد قام أردوغان وأتباعه بهذه التمثيلية الانقلابية، بهدف إحكام قبضتهم على المؤسسة العسكرية ووضعها تحت وصايتهم، وحتى يتسنى لهم إقصاء المعارضين لهم داخل السلك العسكرى.. أو أنه ربما أثار بعض القوميين العسكر للقيام بهذا الأمر وتورط معهم بعض السذج.. ويؤكد هذا الكلام قول رئيس الجمهورية التركية «أردوغان»: إن هذه المحاولة قد عززت من سلطتنا، لدرجة أصبحنا نستطيع القيام ببعض التغييرات والتعديلات داخل المؤسسة العسكرية، وأن نفرض الوصاية عليها، إضافة إلى قوله: «أنا القائد العام الآن»، بمعنى أن المؤسسة العسكرية وغيرها قد صارت تحت وصايتى المحضة.
وعند التدقيق فى كل هذه الأمور، وإلقاء نظرة شاملة عليها، وإخضاعها لمبدأ السبب والنتيجة، سيتبين لنا بداهة أن هؤلاء قاموا بمثل هذه العملية حتى يتيسر لهم الأمر فيما بعد، وحتى يتمكنوا من إطلاق يدهم كيفما يشاءون داخل المؤسسات الحكومية دون مساءلة.
■ المراسل: ذكرت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة من قبل كلاما حول دعم حكومة أردوغان بشكل خفى لمنظمة «داعش» الإرهابية، فهل ترى أن هذه الحكومة تناهض «داعش» وتكافحه حقيقة؟ وهل عقدت اتفاقا بالفعل مع الدول التى تشن حربا ضد هذه المنظمة؟ أم أنها كانت تتظاهر فقط بأنها تؤيد هذه الدول فى حربها على الإرهاب إلا أنها تبطن غير ما تظهر؟
- فتح الله كولن: أعتقد أن هذا الأمر بات معلوما وواضحا لدى الرأى العام العالمى، فلقد انطلقت حكومة أردوغان تدعم هذه المنظمة الإرهابية بشكل سرى منذ قيامها وبدايات تشكلها، إلى جانب دعمها لمنظمة «تحشية» التى تعد امتدادا لمنظمة القاعدة فى تركيا، وخير شاهد على ذلك تلك الشاحنات التى كانت مملوءة بالأسلحة وقبض عليها العسكر وهى فى طريقها إلى هذه المنظمة الإرهابية، ويؤكد هذا الكلام ما ذكره أحد الوزراء فى هذه الحكومة وهو «طُغْرُلْ تُركَشْ» مساعد رئيس الوزراء ونجل الرئيس السابق لحزب الوحدة القومية «آلب أرسلان تُركش» فى أحد البرامج التليفزيونية، وذلك قبل أن يعين وزيرا، حيث أقسم يمينا مغلظا أن هذه الشاحنات لم تكن متجهة لمساعدة التركمان، بل كانت فى طريقها إلى منظمة «داعش» الإرهابية، وكرر هذا القول مرارا وتكرارا.
لطالما دعمت هذه الحكومة جبهة النصرة ومنظمة «داعش» الإرهابية، وليس من الصواب التكهن بدافعهم إلى القيام بهذا الدعم، لكننى أعتقد أن أردوغان كان يأمل فى إعلان نفسه أميرا للمؤمنين فى الشرق الأوسط والعالم الإسلامى بعد إسقاط نظام «بشار الأسد»، والكلمات التى تفلتت من لسانه تعبر عن أشياء ذات مغزى من هذا القبيل، مثل قوله: «سأقرأ الفاتحة عند ضريح صلاح الدين الأيوبى، وأصلى فى الجامع الأموى»، أى أننى سأجعل كل الشعب يقف ورائى، ولا جرم أن سوريا سيتبعها الأردن ثم دول المغرب العربى، ثم مصر، إلا أن الوضع لما تغير فى مصر وسارت السفينة ضد ما يشتهى وصف السيسى ب«فرعون»، وقال: «لكل فرعون موسى»، معتبرا نفسه موسى، والسيسى هو الفرعون.
كان يعقد آمالا عريضة حول زعامة العالم الإسلام، ويحاول تحقيق هذه الآمال عن طريق «داعش»، ولقد أكدت المعلومات الصادرة عن بعض المؤسسات الإعلامية وأجهزة المخابرات أنه ما زال يدعم هذه المنظمة الإرهابية، يمدهم بالأموال، فإن افتضح الأمر يحاولون التستر على الجريمة ولفت الأنظار إلى غيرها.
وثمة أمر آخر يعرفه الجميع وهو أن أنصار «داعش» ما زالوا يعالجون فى مستشفيات تركيا، ثم يرسلون إلى أماكن مختلفة من العالم، إلى فرنسا وأمريكا وإنجلترا، وليست أجهزة المخابرات فقط هى من لديها علم بهذه الأمور، بل هى معلومات متداولة بين الأطباء والممرضين الذين يعملون فى هذه المستشفيات التى تقوم على علاج هؤلاء الإرهابيين.
هناك كثير من الأشخاص انضموا إلى هذه المنظمة الإرهابية، بل إن أكثر أفراد هذه المنظمة من تركيا.. لطالما بكى العديد من الآباء والأمهات وناحوا قائلين: لقد أبلغنا الحكومة عن اعتزام أبنائنا الانضمام إلى منظمة «داعش» الإرهابية، ورجونا أن يثنوا أبناءنا عن قرارهم هذا، لكنهم مع الأسف اختفوا، وانضموا إلى هؤلاء الإرهابيين.
إن أنصار «داعش» ما زالوا حتى الآن يتجولون فى شوارع تركيا، تستخدمهم الحكومة للإغارة على بيوت معارضيها من المتدينين، وتعذيبهم وقتلهم.
إن «داعش» الآن هى أكثر المنظمات التى تستغلها الحكومة التركية وتعتمد عليها.
لكن هذه الحكومة تتظاهر أمام الرأى العام العالمى بأنها تحارب هذه المنظمة، والواقع أنها لم تحاربها قط، قد تكون للمؤسسة العسكرية جهود خالصة فى هذا الشأن، لا أستطيع أن أنكر ذلك، فقد كانوا يمطرون «داعش» أحيانا بوابل قنابلهم، وكذلك كان يفعل الروس والأمريكان، غير أن الحكومة التركية كانت تتظاهر بحربها ضد «داعش» حتى لا تقف فى موقف المعارض للرأى العام العالمى، ولكنها لم تتخل فى أى وقت عن دعمها لهذه المنظمة.
قبل بضعة أيام كانوا يدافعون عن «داعش» فى إحدى القنوات التليفزيونية التابعة لهم، فلما قوبلوا برد فعل عنيف على ذلك أجروا تحقيقا صوريا فى هذا الموضوع، والحال أن من زج بهم فى السجن من أنصار «داعش» قد أفرج عنهم وأخلى سبيلهم، ومن امتثلوا أمام القضاء أخلى سبيلهم أو رُحّلوا.
وإذ يتمتع أفراد «داعش» بكل هذا الدعم والمؤازرة من قبل الحكومة التركية فإن المواطنين الأتراك الذين هم أبناء البلد لا يلاقون ولا يتحصلون على نفس هذه المعاملة من حكومتهم، فالحكومة الآن تضطهد مواطنيها وتبالغ فى أذيتهم وإيذائهم. إن أفراد الحكومة الآن يغيرون على البيوت، ويكسرون أبوابها ولا يراعون حرمتها، أما موقفهم بالنسبة لهذه المنظمة الإرهابية فلم يتغير.
إن أكثر المدافعين فى العالم عن «داعش» و«النصرة» هم أصحاب السلطة عندنا، وما رأيناهم أعلنوا الحرب على الإرهاب أبدا، ربما أعلنوا مؤخرا الحرب على حزب العمال الكردستانى، وهذا كان فى الآونة الأخيرة فقط.
قبل عشر سنوات وجهت كتابا من بضع مواد إلى السلطة التركية، أعرض فيه بعض الحلول لمشكلة الأكراد فى جنوب شرق البلاد، وما الموقف الذى يجب اتخاذه معهم.. وقد تكلمت فى هذا الكتاب عن سبل حل هذه المشكلة، منها على ضرورة السماح لهؤلاء الناس باستخدام لغتهم بارتياح، فأمريكا يقطنها 300 مليون نسمة، كلهم يتحدثون لغتهم الخاصة بهم، كما تطرقت فى الكتاب إلى الحديث عن مسألة تنظيم العملية الأمنية وتطوير المنظومة القضائية هنالك، وإعمار المنطقة. كما لفت أنظار المسئولين فى الحكومة أيضا إلى تعديل أوضاع من يعيشون فى جنوب شرقى تركيا حتى لا ينظروا بغبطة إلى إخوانهم الأكراد الذين يعيشون فى شمال العراق، فيتمنون أن يكونوا مثلهم.. وقد كنت أهدف من وراء كل هذا إلى عدم إفساح المجال ولا إتاحة الفرصة أمام انفصال إخواننا الأكراد عنا.
ولقد بدأت الحكومة منذ خمس إلى ست سنوات مع حزب العمال الكردستانى «بى كاكا PKK» بما عرف بوتيرة الحل، وخلال هذه الوتيرة انتهزت المنظمة الإرهابية «بى كاكا» فرصة السلام والمفاوضات، فحولت كل أنحاء تركيا إلى مستودعات للذخيرة، وتحولت منطقة جنوب شرق تركيا الآن إلى خرابات، وفى الواقع فإن التغاضى والتعامى عن إدخالهم السلاح وإقامة مستودعات الذخيرة خيانة.. أجل إن التغاضى عن إقامة هذه المستودعات خيانة للأمة التركية، فقد تحولت هذه المنطقة إلى خرابات، ظهرت الخيانات، وبات الجيش لا يستطيع الوقوف ضد هذه الشناعات والدناءات.
وأعتقد أنهم أعدوا سيناريو هذا الانقلاب حتى يغيروا هذا المشهد، ويصرفوا الأنظار عنه، وربما وجدوا فى بعض القوميين أو بعض المتدينين أو بعض المسلمين من يعينهم على ذلك، وربما صدروا المشهد ببعض العسكر من أصحاب الرتب، وقالوا لهم قوموا بما يشبه الانقلاب، هذا أمر لا أستطيع أن أعرف ماهيته أو صورته تماما، لأننى أعيش هنا فى أمريكا، وأتابع الأحداث من خلال التليفزيون والإعلام فقط.
إن هذا الانقلاب كان ضد بضعة أشخاص فقط، قبضوا عليهم، واحتجزوهم كرهائن، والدليل على ذلك أنهم لم يفعلوا شيئا مع القائمين على أمر البلاد، وما تعرضوا بشىء لأى قناة من قنوات الدولة الرسمية، أو مؤسسات النشر المختلفة.
لقد عاصرت كل الانقلابات التى وقعت فى تركيا 27 مايو و12 مارس و12 سبتمبر و28 فبراير، وكان الانقلابيون يستغلون كل هذه المنابر الإعلامية فى إذاعة بيانات انقلابهم.
لم تكن الحكومة صادقة فى التعامل مع قضية «داعش»، كما لم تكن صادقة فى التعامل مع قضية حزب العمال الكردستانى «بى كاكا»، ولقد ذكرت فى رسالتى التى اشتملت على بعض النصائح والتوصيات أنه ينبغى للحكومة أن تقضى على مشكلة الأكراد فى جنوب شرقى البلاد وتحلها تماما، وألا تسمح بانقسام المجتمع التركى، فلم يعوا ذلك، وضربوا بهذه النصائح عرض الحائط.
فساقوا الدولة إلى كارثة حقيقية، والآن تريد الحكومة أن تغير المشهد وتصرف الناس عن هذه الكارثة، لا سيما أن هناك معارضين لها داخل الجيش وخارجه من المنتمين لحزب الشعب الجمهورى «CHP» أو حزب الحركة القومية «MHP» أو حزب الوطن «Vatam Partisi»، وغيرهم الكثير، ولذا يخيل إلى أنهم أعدوا سيناريو هذا الانقلاب حتى يتخلصوا من هؤلاء الخصوم جميعهم مرة واحدة، سواء داخل المؤسسة العسكرية أو خارجها، مما يتيح لهم فرض الوصاية بارتياح على هذه المؤسسة، والقضاء على معارضيهم خارجها جملة واحدة.
وأعتقد أن الذين يطالعون هذا الملف بشىء من العقلانية معتمدين على مبدأ السبب والنتيجة سيفسرون الوضع هكذا، بمعنى أنهم لو نظروا نظرة منصفة إجمالية إلى المسألة دون الانسياق وراء كلام هذا أو ذاك أو حتى كلامى أنا، فسيصلون إلى نفس النتيجة التى ذكرناها آنفا.
■ المراسل: أدلى رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بتصريح أشار فيه إلى أن الإدارة التركية بصدد إرسال طلب إلى أمريكا لإعادتكم إلى تركيا، وذكر المسئولون فى الإدارة الأمريكية أنهم لم يتلقوا طلبا رسميا بهذا الشأن، غير أن حكومة أنقرة أكدت أنها تعد لإرسال هذا الطلب خلال الأسبوع القادم، فهل ستوافق الحكومة الأمريكية حقا على إعادتكم إلى تركيا؟ وإن لم تفعل فماذا يمكن أن يكون مبررها فى ذلك؟
- فتح الله كولن: أولا: لما أجريت التحقيقات حول أحداث الفساد والرشاوى فى الفترة من السابع عشر إلى الخامس والعشرين من ديسمبر 2013 روجت الحكومة التركية لفكرة «الكيان الموازى»، واتهمتنا بأننا نحن من يشكل هذا الكيان الموازى للدولة، وبعثت بمثل هذا الطلب المذكور إلى أمريكا، إلى السيد باراك أوباما وإلى وزير خارجيته آنذاك، كما عقدت اتصالات مكثفة بهذا الشأن مع السيدة هيلارى كلينتون وعرضت بعض المقترحات الأخرى، وهى أمور شائعة يعرفها الجميع، كما حاولت أن تؤثر على بعض المسئولين فى أمريكا وتستخدمهم فى تحقيق آمالها، لكنها لم تتلق أى رد إيجابى حتى الآن من أى واحد من هولاء، وباءت محاولاتها كلها بالفشل.
فلو تأكد لدى القانون الدولى أننا ارتكبنا أى جريمة يعاقب عليها، أو ثبت بالفعل تورطى أو المتعطافين معى عن بعد فى هذه المحاولة الانقلابية، وظهرت أدلة ملموسة تؤكد هذا الأمر واعترفت القوانين الأمريكية بذلك، فإننى سأرتضى بالنتيجة مهما كانت.
وأريد أن أنبه هنا إلى شىء مهم، وهو أننى قد أتعاطف مع بعض الأشخاص، فأذربيجان مثلا، ولكن هذا لا يعنى أننى أرضى بكل أفكارهم وتصرفاتهم.
ولقد بعثت تركيا مثل هذا الطلب من قبل بعد وقوع انقلاب الثامن والعشرين من فبراير 1997، ورفع المدعى العام التركى «نوح مته يوكسل» مذكرة ادعاء مكونة من 300 صفحة إلى أمريكا، عندها أدليت بأقوالى أمام المدعى العام الأمريكى فى نيوجيرسى، وبعدها أرسلت الأقوال التى أدليت بها إلى تركيا، فبرأتنى المحاكم فى تركيا، وصدق القضاء التركى على قرار البراءة، والآن يروجون لمثل هذه الادعاءات السابقة من جديد، ويقيمونها من وجهة نظرهم، لكننى لا أتصور أن أمريكا ستقع فى مثل هذا الزلل، وما شاهدته أمام المدعى العام فى «نيوجيرسى» وبعض المناطق الأخرى فى أمريكا يؤكد مصداقية ونزاهة القضاء فى أمريكا، يمكنكم أن تطلقوا ادعاءات مختلفة بحق شخص ما، ولكن النظام القضائى والنظام الطبى هنا فى أمريكا يعملان وفقا للقيم الإنسانية، ولقد تعاملت بنفسى مع كلا النظامين، من أجل ذلك لا أتصور أن قوة عملاقة مثل أمريكا ستقع فى مثل هذا الخطأ الذى قد يؤدى إلى ضياع سمعتها على مستوى العالم، ولا أعتقد أنها ستقدم على القيام بمثل هذا الأمر.
وكما ذكرت آنفا إن قامت لجنة دولية بالتحقيق فى هذا الأمر، وكانت نتيجة تحقيقاتها إثبات أننى ضالع فى هذه المحاولة الانقلابية، وسكتت أمريكا إزاء هذا، فلن أنتظر إعادتهم لى إلى تركيا.. بل سأبادر بنفسى وسأركب الطائرة متوجها إلى هناك.
صباحا قرأت شعرا للشاعر التركى «باقى» يقول فيه:
لن أنكس رأسى من أجل دنيا دنية
ولن أنحنى للمنحطين
فالله حسبى وعليه توكلى إلى يوم الدين
طلب منى البعض من قبل التقدم باعتذار إلى هؤلاء، والحال أن المجرمين هم الذين يقدمون الاعتذار، أى اللصوص السارقين، الذين خرجوا من العشوائيات ونصبوا أنفسهم سادة على الناس، إننى لا أملك من متاع الدنيا شيئا، ولا أملك سوى هذه السترة التى تستر بدنى، كنت أتعيش على الدخل الذى يأتينى من تأليف الكتب، لكنهم عينوا أوصياء على المؤسسات التى تبيع هذه الكتب، فصادروها، ولذا أقول كما قال الشاعر التركى «نفعى» أحد شعراء الدولة العثمانية.
ما وجدنا الراحة فى الدنيا
وما عقدنا الآمال من أهلها على أحد
فليس لى إلا باب الله
هو الملاذ والملجأ وهو حصنى وسندى
أجل، لو أظهرت هذه اللجنة تورطى فى هذا الأمر، فأنا على استعداد أن أركب طائرة على نفقتى الشخصية وأتوجه إلى تركيا، فإن أصدروا قرارا بإعدامى فسأتقدم إلى حبل المشنقة عن طيب نفس وخاطر، لكنهم لو أعدمونى كل يوم خمسين مرة ثم أحيونى فلن أعتذر إلى ظالم مطلقا، لأننى سأمثل غدا أمام الله، وسيسألنى: لمَ اعتذرت للظالمين، إننى أؤمن بهذا بكل كيانى.
ثانيا: إننى لو فعلت ذلك أكون قد انتهكت حق أصدقائى الذين نذروا أنفسهم لخدمة الإنسانية فى كل أنحاء العالم، يريدون تأسيس عالم من المحبة والسلام، فأنشأوا المدارس فى أكثر من 170 دولة على مستوى العالم، حتى أحبهم الناس فى كل هذه الدول، وخطوا خطوات حثيثة فى سبيل تحقيق السلام فى العالم.
إن الإدارة التركية تحاول منذ ثلاث أو خمس سنوات إغلاق هذه المؤسسات التعليمية، أغدقوا الأموال الطائلة فى سبيل ذلك، يريدون شراء الناس بأموالهم، كما أنشأوا مراكز «يونس أَمْرَه»، فلم يستطيعوا تشغيلها كما ينبغى، فضلا عن ذلك لم يأتوا بالبدائل، رغم أنهم أغدقوا الأموال، ووعدوا بإقامة مدارس بديلة، وطالبوا بإغلاق مدارس الخدمة، ولما قيل لهم «أنشئوا مدارسكم أولا، وبعدها سنغلق ما عندنا»، لم ينبسوا ببنت شفة، ربما عاشت «أذربيجان» هذا الأمر، فهل افتتحوا مدرسة أو جامعة هناك، وهل ساهموا فى تطوير العلم والمعرفة، يمكنكم أن تشهدوا هذا فى كل مكان.
إنهم يريدون القضاء على هذه الحركة المباركة فى كل مكان عن طريق الخداع والتضليل، لماذا؟ لأنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ما فعلته الخدمة، وقد يسوق الحسد والغيرة أحيانا الإنسان إلى القيام بأمور تفوق الكفر وخيانة الوطن، وما الثروة والأبهة والعظمة والسلطة والثراء إلا عوامل تسمم عقول الناس وتجعلهم يتصرفون كالمجانين، ومن ثم فإننى أرى من الوقاحة أن أحنى رأسى أمام هؤلاء المجانين الظالمين الذين لا يرحمون الناس، ولو أحنيت رأسى لكان هذا أيضا استخفافا برجال الخدمة الذين ربطوا قلوبهم بها، ولذا فإن الخضوع والخنوع لمثل هؤلاء يعد حماقة ووقاحة أمام الخالق.
■ المراسل: تعرض العديد من المنتسبين للخدمة فى تركيا للهجوم والمضايقات، ويبدو أن هذا الأمر سيستمر، بل وتزيد حدته، فيم تنصحون هؤلاء وكيف ينبغى أن يكون موقفهم من هذا الهجوم والمضايقات المتنوعة؟
- فتح الله كولن: أولا: إننى لا أعرف الكثيرين من هؤلاء الأصدقاء المشار إليهم فى السؤال، لكن يمكن أن أقول إن جميع هؤلاء قد رأوا أن مشروعات الخدمة تصب فى مصلحة الإنسانية فساهموا فيها، جاءنى بعضهم ربما واحد أو اثنان فى المائة من هؤلاء وسألنى: ما الذى يمكن أن أقوم به هل أفتتح مركزا لتعليم القرآن الكريم أم أبنى جامعا أم ماذا؟
إن العالم كله يعرف رؤيتى لهذا الأمر، لقد قلت لهم:
أنشئوا مؤسسة تعليمية، فكل شىء مرتبط بالعلم فى النهاية، كما أن الجهل والفرقة والفقر تتصدر قائمة المشاكل التى تهدد الإنسانية فى كل أنحاء العالم، وإن حل هذه المشاكل لكها يكمن فى التعليم، وأن زوالها يكون على أيدى المتعلمين، ولذا فمن الجيد افتتاح مراكز تعليم القرآن الكريم ومدارس الأئمة والخطباء، لكن عليكم أن تعملوا فى نفس الوقت على افتتاح المدارس العلمية الأخرى، فأنا على يقين بإذن الله بأن مشكلة الجهل ستزول، ولن يبقى لها وجود، وستتصالح الإنسانية مع بعضها، لأن من يتعلمون تحت سقف واحد لا بد أن تتأسس روح الأخوة فيما بينهم وإن اختلفت مفاهيمهم وأفكارهم.
كان هذا رأيى دائما، ومن ثم راح هؤلاء الأشخاص المؤمنون بهذه الآراء ينفتحون منذ ذلك الحين على كل العالم داخل الوطن وخارجه بداية من التسعينيات حتى يومنا هذا.
أما دورى فى هذه الخدمات فكان ينحصر فى الحث عليها والتشويق إليها من خلال كرسى الوعظ أو الندوات التى كنت أحاضر فيها أو المقالات التى كنت أكتبها فى المجلات المختلفة.
ومن ثم قام المتعاطفون مع الخدمة والمؤمنون بأفكارى بإنجاز هذه الخدمات، حيث أدركوا حقيقة الأمر، وتأكدوا أن هذه الخدمات ستسهم فى تحقيق السلام العالمى والمحبة الإنسانية واحتضان الناس بعضهم البعض.
وأنا لا أتصور أبدا أن يترجع هؤلاء بأى حال من الأحوال عما شرعوا فيه من خدمات للإنسانية جمعاء.
ثانيا: لقد شاهد الجميع على شاشات التلفاز تلك الهجمات الوحشية -سامحونى- التى قامت بها أجهزة الأمن والقضاء على بعض مؤسسات الخدمة ودور الحضانة وبيوت المنتسبين للخدمة، ولكن مع ذلك ما شاهدنا أى رد فعل سلبى تجاه هذه الهجمات من أى محب للخدمة أو متعاطف معها أو ممن يعمل فى هذه المؤسسات الخدمية، بل لم ينبس أحد ببنت شفة، ولم يدخل مع رجال الأمن فى مشاكسات أو مخالفات، وإن وقعت حادثة واحدة خلاف ذلك فأرونى إياها!
ومن ثم فلا يوجد ما أقوله لهم، لأنهم يعرفون واجبهم جيدا، لكننى أعتقد أنه من المحال بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين آمنوا بالله الذى سيحاسبهم يوم القيامة عما اقترفت أيديهم والذين اقتنعوا بأن هذه الخدمات على صواب وتصب فى مصلحة الإنسانية، أن ينحرفوا عن طريقهم، كما أعتقد أنه من ضروب المستحيل أن يتورطوا فى مشكلة أو حادثة إرهابية.
■ المراسل: سؤالى يتكون من جزءين:
الجزء الأول: هل تقدمتم بطلب اللجوء إلى أمريكا؟ أو هل تفكرون فى ذلك؟
■ الجزء الآخر: ما الجانب الذى يستفز أردوغان فى شخصيتكم؟
فتح الله كولن: أولا: لم أتقدم بأى طلب للجوء إلى أمريكا، لكن بعد وصولى إلى هنا تقدمت بطلب للحصول على «الكارت الأخضر Green Card» ربما ترددت فى القيام بهذا الأمر فى البداية، لكننى استعنت فيما بعد بمحام ساعدنى على استخراج هذا الكارت قبل 7-8 سنوات، والآن أنا أقيم فى أمريكا بناء على هذا الكارت.
فضلا عن ذلك فإننى أعتقد أنه لا حاجة لطلب اللجوء ما دمت أحمل هذا الكارت، ولم أفكر فى التماس طرق أخرى تحول دون إعادتى إلى تركيا من قبل السلطات التركية، ولم يخطر هذا على بالى مطلقا.
ثانيا: إن المسئولين الأتراك لم يتقبلوا أو يستسيغوا أن يقوم المتعاطفون مع الخدمة، بما لم يستطيعوا هم القيام به، لقد أنشأ هؤلاء بضعة مراكز على مستوى العالم تحت اسم «مراكز يونس أمره»، لكنهم لم يفلحوا فى إدارتها.
أما المحبون والمتعاطفون مع الخدمة فقد أنشأوا مدارس فيما يزيد على مائة وسبعين دولة على مستوى العالم، فى آسيا الوسطى والشرق الأوسط، والشرق الأقصى، ونظموا العديد من المهرجانات الثقافية فى العديد من دول العالم، وكانت تركيا بالطبع فى المقدمة، فلما حظر إقامة مثل هذه الاحتفاليات فى تركيا منذ سنتين نظمت فيما يزيد على عشرين دولة مختلفة من دول العالم، وفى هذه السنة اتسعت دائرة هذه المهرجانات لتشمل ثلاثين دولة، نظمت فى أكثر من موضع بكل دولة من هذه الدول.
ولقد أقبلت الشعوب على هذه المهرجانات التى ذاع صيتها بينهم وتعاطفوا معها، أما المسئولون فى الحكومة التركية فقد أحاطت بهم المشاكل من كل جهة حتى ضيقت عليهم عالمهم، وأعتقد أنهم تعرضوا لأزمة كبرى من جراء ذلك، وما يعايشونه الآن ما هو إلا هذيان ناتج عن هذه الأزمة.
■ المراسل: قام رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بممارسات شتى من شأنها زيادة قوته واتساع صلاحياته، وتعامل فى نفس الوقت مع حركة الخدمة من منطلق فكرة «مطاردة الساحرات» فهل أنتم تؤمنون حقا بشرعية رئاسته للجمهورية التركية؟
- فتح الله كولن: لست فى وضع يخولنى قول أى شىء فى هذا الأمر، على اعتبار أن مسألة الشرعية هى مسألة قانونية، غير أن السؤال الذى يفرض نفسه هنا: هل الممارسات التى قام بها تتوافق مع مقام رئاسة الجمهورية أو لا؟
يمكننى أن أقول بناء على التجارب السابقة: لقد عاصرت عهد «عصمت أينونو باشا» و«جلال بايار» و«سليمان دميرال»، وكان لى مع الأخير علاقة وصداقة، كما شهدت عهد «طورغوت أوزال» ورئيس الوزراء الأسبق «بولنت أجويد»، وكانت لى مع الجميع علاقات إنسانية حميمة.
إلا أننى أرى فى أردوغان إنسانا له أطماع خفية، يريد أن يقيم عالما خاصا به، يقوم بأعمال وتصرفات من شأنها أن تدعم بقاءه فى رئاسة الجمهورية إلى الأبد.
لقد استغل أردوغان أحداث الفساد والرشاوى وسيناريو الانقلاب المزيف للتضييق على رجال الخدمة والمحبين لها والمتعاطفين معها، وهذه أمور لا تتفق أبدا مع مقام الرئاسة، ولا تسمح تربيتى وأخلاقى بأن أقول إن هذه الممارسات تشير إلى أنه لا يليق مطلقا برئاسة أمة كانت عنصرا من عناصر التوازن الدولى وقتا طويلا.. ولو سمحت أخلاقى وتربيتى بذلك لقلت هذا، ولكننى لا أريد أن أتدنى بأخلاقى وتربيتى إلى هذا الحد، على اعتبار أنه يرأس هذه الأمة التركية المباركة.
■ المراسل: فى صبيحة هذا اليوم 17 يوليو تموز 2016 تم القبض على ستة آلاف شخص واعتقالهم، فهل لديكم علم بذلك؟
- فتح الله كولن: أظن أن الأصدقاء قالوا عنه، ولم يكن هذا مستغربا، فقد أصدر أردوغان أمرا بذلك من قبل، فقال: اكسروا أبواب البيوت، واقبضوا على أصحابها، وائتونى بصور الأبواب المكسورة.
والواقع أنهم استحدثوا منذ فترة طويلة شيئا يخالف القانون للقبض على الناس، ألا وهو «الاتهام الظنى»، أو الاعتقال بالتهمة الظنية، وعلى أساس هذا الأمر قاموا بما يسمى مطاردة الساحرات لملاحقة المشتبه بهم، ولقد ذكر هذا أردوغان بنفسه قبل سنتين، ويفهم من ذلك أن لهذا الأمر توابع فى المستقبل القريب.
إننى أرى أن هذه العملية ستطول وستؤذى يوما ما كل المقربين منه أيضا، ولن يسلم منها إلا هؤلاء الذين بايعوه، ووافقوه فى كل شىء، واعتبروا مجرد ملامسته عبادة.
بمعنى أن هؤلاء الذين يصفقون له الآن إن لم يوافقوه فى كل ما يفعل فلن يسلموا من هذه العاقبة أيضا.
حوار نشرته «دار النيل» فى كتاب تحت عنوان «كلمات شاهدة حول الدين والمجتمع والدولة بأفق إنسانى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.