إذا صحت الأخبار التي تتحدث عن أن رجل الأعمال موفور الصيت نجيب ساويرس قرر الإنفاق على تشييد ألف مدرسة بالشراكة مع الحكومة المصرية، وأظنها صحيحها، فهذا أمر يطلق في النفس عصافير الحبور، ذلك أنه لا مستقبل لأية أمة إلا إذا قامت بتطوير التعليم، ولا أمل لنا في مصر من النهوض مرة أخرى إلا إذا أعدنا منظومة التعليم إلى الطريق السليم. أظنك تتفق معي على أننا كابدنا الأمرين على يد نظامي السادات ومبارك في مسألة التعليم، حتى بلغت سمعة المدارس في الطور الأخير من عهد مبارك مستوى بائسًا على كافة المستويات، فالتلميذ لا يذهب إلى المدرسة أو لا يكاد بعد أن اكتفى بما يتلقاه في الدروس الخصوصية، والمدرّس يلهث مع مطلع الشمس في دوامة الدروس الخصوصية لأن راتبه من وظيفته لا يسمن ولا يغني من جوع، والمباني المدرسية تحولت إلى بؤر مشبوهة للفوضى والقبح والقذارة، فلا صيانة هناك ولا يحزنون، وقد كفت الدولة عن بناء مدارس تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلاب. (أفتح هذا القوس لأخبرك أن الحكومة قامت بتعييني مدرسًا للرسم بعد تخرجي في كلية الفنون الجميلة في مدرسة شبرا الخيمة الثانوية العسكرية، وكانت المفاجأة الموجعة أن عدد طلاب الفصل كان يتجاوز السبعين، بينما سعته لا تتجاوز الأربعين بأية حال من الأحوال. كان ذلك الكلام قبل أكثر من ربع قرن، ولا أعرف كيف أصبحت الأوضاع الآن، إذ أنني هجرت هذه المهنة منذ نيف وعشرين عامًا!). لا ريب في أن الغالبية العظمى من رجال الأعمال في مصر لا يدركون الواجب الذي ينبغي عليهم أن يؤدوه نحو وطنهم، وعلى الرغم من الأرباح المهمولة التي تتراكم في جيوبهم إلا أن الواحد منهم لا يفكر في بناء مستشفى أو مدرسة، أو يفطن إلى ضرورة تقديم الدعم السخي للكتاب والمبدعين والفنانين المتميزين، مثلما يفعل دومًا رجال الأعمال في أوروبا. ومن أسف فإن هذا التعالي على الناس واكتناز الأموال والاستنكاف عن رعاية الذين أدركتهم حرفة الأدب سيجعل المجتمع يتعامل مع هؤلاء الأثرياء بدرجة لا تخلو من ريبة، وسوف يضعهم الملايين من البسطاء في ركن معتم داخل صدورهم. من هنا أطالب رجال الأعمال بضرورة الانتباه جيدًا إلى ضرورة الإسهام بدور واضح وحيوي في تنمية المجتمع، ولا تقل لي إنهم يدفعون الضرائب، لأن ما نطرحه لا يتجاوز فكرة الضرائب التي تفرضها الدولة فحسب، بل يعمل على تمتين وتهذيب الأواصر بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، بدلاً من تأجيج الصراع الطبقي وإشعاله! إن ما أعلنه نجيب ساويرس من بناء ألف مدرسة على الطراز الحديث ينبغي أن يؤخذ بالحفاوة التي تليق بهذه الخطوة الاجتماعية المهمة، ولكن السؤال المطروح: هل سنكتفي ببناء مدارس ولا نفكر في محتوى التعليم الذي سيقدم للطلاب؟ بعبارة أخرى: هل سسيغنينا بناء المدارس عن تدمير منظومة التعليم المتخلفة التي تحاصرنا، من أجل تأسيس منظومة تعليم عصرية وحديثة؟