لسنوات عديدة ظلت أزمة «أكياس الدم» تمثل شبحًا لجميع المصريين، بسبب عجزهم عن توفير الكميات الكافية للمرضى والمصابين فى الوقت المناسب، خاصة أن بعض الحالات تكون طارئة مثل حوادث الطرق أو عمليات العلاج على نفقة الدولة. «البوابة» تفتح من جديد ملف «أكياس الدم» وترصد معاناة مرضى العلاج على نفقة الدولة فى بحثهم عن متبرع بالدم. بكلمات مهتزة وعينين تملؤهما الدموع وقف محمد إبراهيم، مع نجله بمستشفى معهد ناصر، ينتظر العناية الإلهية لتقود له 4 متبرعين بالدم، لإجراء عمليته التى طال انتظارها بسبب استخراج قرار العلاج على نفقة الدولة. يقول «إبراهيم»: «شربت المر حتى حصلت على قرار علاج على نفقة الدولة لعدم قدرتى على إجراء العملية على نفقتى، وعدم قدرتى على شراء أكياس دم من بنك الدم، وبعد إتمام جميع الإجراءات اللازمة لإجراء العملية على نفقة الدولة فوجئت بمطالبتى بتوفير متبرعين للدم، لإجراء العملية، الأمر الذى تسبب فى تأخر إجراء العملية حتى الآن». معاناة «إبراهيم» لم تكن كارثية فعلى بعد خطوات وقفت «فاطمة محمد» وقد جهزت نفسها لإجراء عملية زراعة كلى، لكنها فوجئت بالأطباء يطالبونها بتوفير 12 متبرعًا بالدم، حتى يتم توفير الفصيلة التى تحتاجها من المركز الطبى العالمى. «فاطمة» أكدت أن حالتها متأخرة ويجب إجراء العملية فى أسرع وقت ممكن، ولكنها لا تزال تبحث عن متبرعين، لا يحملون فيروسات وفصيلتهم تتوافق مع فصيلة دمها، مضيفة: «الأمر صعب فلو فشلت فى توفير عدد كبير من أكياس الدم فإن الموت هو مصيرى». وأكد مرضى ببنك الدم بمستشفى الهلال الأحمر، التابع لوزارة الصحة والسكان، أنهم يعانون من عدم وجود فصائل الدم التى يحتاجونها، ما يعرض حياتهم للخطر، وهو الأمر الذى لم يختلف كثيرًا فى بنك الدم الموجود بهيئة المصل واللقاح، حيث أكد المرضى أنهم جاءوا من المستشفيات الحكومية لعدم توافر الدم بها، ولم يعد أمامهم سوى السوق السوداء أو الاستيراد من الخارج. أزمة في الفصائل النادرة الدكتور أحمد محيى، رئيس قطاع الطب العلاجى والمشرف على مستشفيات الأمانة العامة للمراكز الطبية المتخصصة، قال إن الدم متوافر فى مستشفيات الأمانة ومستشفيات الوزارة، ومدير المستشفى ملتزم بتوفيره فى حالة احتياج المريض له فى أى وقت، مشيرًا إلى أن هناك أزمة واضحة، وفى جميع المستشفيات، فى توفير الفصائل النادرة. وأوضح أن المراكز الإقليمية للدم والمركز القومى للدم يعتمد فى جمع أكياس الدم على المتبرعين من الشباب، خاصة طلاب الجامعات والمعاهد، وأن الوزارة لديها عجز سنوى يقترب من 300 ألف كيس. وأضاف «محيى» أن جميع المستشفيات لديها تعليمات واضحة من الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة، بتوفير الدم فى المستشفيات. وتابع أن عدم وعى المواطنين يسهم فى نقص الدم، مشيرًا إلى أن حل الأزمة يكون من خلال تبرع كل مواطن بالدم مرة فى حياته وكل خريج قبل أن يستلم عمله وأن يكون ذلك جزءًا من حياة الإنسان. 2 مليون کيس دم من جانبها قالت الدكتورة هالة عدلى حسين، رئيس شركة خدمات نقل الدم، إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للأمصال واللقاحات «فاكسيرا»: «بالفعل هناك نقص حاد فى أكياس الدم، وذلك لأن المواطنين ليس لديهم ثقافة التبرع بالدم، وهو ما يعد المصدر الأساسى لتوافره فى بنوك الدم والمستشفيات». وأوضحت أن مصر تحتاج إلى ما يقرب من 2 مليون كيس دم سنويًا، ولا يتم توفيرها، مؤكدة أن نقص الدم غالبًا ما يكون فى الفصائل النادرة، وأوقات الصيف والعطلات الرسمية، وذلك لأن وزارة الصحة تعتمد على طلبة الجامعات فى التبرع بالدم، مشيرة إلى وجود بروتوكولات بين الشركة وعدد من الأماكن التى يتم جمع تبرعات أكياس الدم بها نظير نسبة من أكياس الدم المتوفرة لصالح مستشفياتها مثل شركة المترو، والتى تسمح لشركة «خدمات الدم» بالوقوف فى المترو لاستقدام متبرعين نظير نسبة من أكياس الدم تذهب لمستشفيات هيئة النقل العام. «هالة» أكدت وجود مشكلة فى مشتقات الدم مثل الصفائح الدموية وهى خلايا من مكونات الدم مسئولة عن تجلط الدم وفترة الصلاحية لها خمسة أيام، ونحتاج كل يوم لعدد معين من المتبرعين لا يقل عن 10، كما أن فصل هذه المكونات مكلف جدًا والمطلوب أن يكون لدى الناس وعى باستمرارية التبرع بالدم وألا يقتصر التبرع على فترات الأزمات أو عند الظروف الطارئة فقط. وأضافت: «المستشفيات غصب عنها مضطرة للتعامل مع حاجاتها لأكياس الدم وعدم توافرها لديها بإجبار المرضى على الشراء من الخارج أو جلب متبرعين لها للحد من النقص لديها»، لافتة إلى أن نقص الدم ومشتقاته يعرض مرضى الهيموفيليا والثلاثيميا لمشاكل كبيرة، مطالبة بضرورة التعاون مع جميع الوزارات مثل التعليم العالى والتضامن والشباب لتوفير الدم للمرضى. وتابعت أن مما يتم استيراده لعلاج مرضى الدم لا يكفى 30٪ من المرضى، ولا يمكن لأى مستشفى أن يصمت على «أزمة الدم»، وأى احتياجات يتم الحصول عليها من البنك الإقليمى للدم يتم إجبار المستشفيات على توفيره، مشيرة إلى أن حل المشكلة يكون من خلال جهود وزارة الصحة فى تعريف الناس بأهمية التبرع بالدم وفوائده ومدى الاحتياج المستمر للدم ومشتقاته وتأثيره على صحة المرضى وتشجيع أهل المريض على التبرع يساعد فى حل الأزمة. مصر غير آمنۀ من جانبه قال محمود فؤاد، مدير المركز القومى للحق فى الدواء، إن هناك تقريرًا لمنظمة الصحة العالمية يؤكد أن مصر ضمن 50 دولة غير آمنة فى أنظمة حفظ الدم، وكذلك وجود عجز فى الدم يصل إلى 3 ملايين وحدة سنويًا، كما أنه لا يوجد مصدر للدم إلا التبرع من شخص سليم، فالدم لا يصنع ولا يستورد ومصادر توفيره هى الحملات الخارجية، موضحًا أن الوضع فى المستشفيات يزداد سوءًا مع التناقص فى مخزون الدم فى مصر وهى أزمة تطل برأسها كل فترة لعوامل عديدة، وأهمها عدم وجود منظومة آمنة لحفظ الدم بسبب عدة أشياء أهمها التهاون والتجاوزات والإهمال الذى يحدث فى التعامل مع أكياس الدم سواء فى حفظها أو بيعها بأسعار عالية فوق احتمال المواطن البسيط أو عدم وجود رقابة من الوزارة، وهو ما يسبب أزمة حقيقية للمرضى، وضعف الرقابة المفروضة من قبل الوزارة على بنوك الدم الحكومية أو الموجودة فى المستشفيات العامة والخاصة التى أصبحت تتاجر علنًا فى أكياس الدم دون رادع لها. «فؤاد» كشف عن كارثة تهدد المرضى فى المستشفيات العامة، مؤكدًا أن الدم الذى يتم سحبه من أقارب ومعارف المرضى يتم التلاعب به بالبيع للمستشفيات الخاصة، لأن السحب يتم بدون تسجيل الدم المسحوب وكمياته. وأضاف أن هناك أعدادًا كبيرة من المرضى ممن هم بحاجة إلى نقل الدم بشكل مستمر مثال مرضى الفشل الكلوى والهيموفليا والثلاثيميا يشترون كيس الدم الواحد لكل جلسة غسيل بمبلغ يصل إلى 600 جنيه، بعدما أصبح تجارة رائجة، بعدما كان يتم الحصول عليه بالمجان إلا أن المتاح أصبح «غير كاف»، وهو ما تحاول المستشفيات التعامل معه بإجبار المترددين على العيادات الخارجية بالتبرع بالدم نظير تحاليل مجانية، وأشعة، وهو ما يمثل «متاجرة بالبشر» والتلاعب بالمواطنين. وأوضح أن هناك بعض المستشفيات تقوم بمنع الخدمة العلاجية للمرضى حتى يتم توفير شخصين أو أكثر يقومان بالتبرع بكيسين مقابل توفير كيس دم للمريض، وهو ما يثير حفيظة الأهالى، الذين يحدثون أزمات أو يعتدون على العاملين بهذه المستشفيات، وكثيرًا ما يتم إغفال السبب الحقيقى لاعتداء أهالى المرضى على الأطباء والعاملين بهذه المستشفيات. «فؤاد» أكد أن بنوك الدم بالمستشفيات المركزية «الإسماعيلية والمنصورة والفيوم والبحيرة وكفر الشيخ» تشهد نقصًا حادًا فى أكياس الدم ومشتقاتها، كصفائح الدم والبلازما، مضيفًا يبلغ حجم كميات أكياس الدم التى يتم توفيرها 600 ألف كيس سنويًا، وهو رقم ضعيف جدًا بالنسبة للكمية التى تحتاجها مصر للمرضى. وأشار إلى أن فحص كيس الدم البالغ حجمه 500 سنتيمتر للتأكد من خلوه من أى أمراض يكلف الدولة حوالى 500 جنيه، لمروره بتحاليل جميع الفيروسات الكبدية والملاريا والزهرى والإيدز وأى أمراض أخرى تنتقل عن طريق الدم، وهو ما يمثل عبئًا على الدولة.