تمر العلاقات الجزائرية - المغربية هذه الفترة بمنعطف خطير ينذر ببدء مرحلة جديدة من مراحل التوتر والتأزم التي اتسمت بها علاقات الدولتين منذ عدة عقود . واندلعت الأزمة الراهنة بعد ما ألقاه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، في خطابه أمام ندوة أفريقية بالعاصمة النيجيرية في نهاية أكتوبر الماضي أبوجا لدعم جبهة البوليساريو، حينما دعا لتوسيع صلاحيات قوات الأممالمتحدة المنتشرة بالصحراء الغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان وإعداد تقارير بها لمجلس الأمن الدولي وهو ما يرفضه المغرب لأنه ينتقص من سيادته على المنطقة المتنازع عليها ، وجاء بعد ذلك خطاب وزير العدل الجزائري ليؤكد على ما ورد في خطاب بوتفليقة مما زاد من استياء الجانب المغربي رسميا وشعبيا . فعلى الصعيد الرسمي استدعت الرباط السفير المغربي بالجزائر للتشاور وهو ما اعتبر الكثيرون خطوة تصعيدية في مسار العلاقات الثنائية ، وبالتوازي مع الموقف الرسمي تحركت الأحزاب المغربية على نفس الأرضية وتصاعدت الحملات الإعلامية واشتعل الشارع المغربي حيث نظمت احتجاجات امام المقرات الدبلوماسية الجزائرية في عدد من المدن المغربية حتى وصل الأمر إلى أن تسلل أحد المحتجين داخل القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء وأنزل العلم الجزائري يوم الاحتفال بالعيد الوطني الجزائري . ورغم إعلان السلطات المغربية بأن إنزال العلم الجزائري هو “,”عمل معزول“,” ، وتقديم الخارجية المغربية اعتذارها للسفير الجزائري في الرباط غير أن الجزائر حملت السلطات المغربية مسؤولية هذا الفعل ، كون مقر القنصلية ، كأي مقر دبلوماسي بالعالم ، يخضع للحماية الأمنية المغربية ، واستدعت الخارجية الجزائرية القائم بالأعمال المغربي في الجزائر، لإبلاغه احتجاج الجزائر الرسمي على حادث الاعتداء . وزاد من تأزم الموقف ما ورد في خطاب ملك المغرب محمد السادس الأربعاء الماضي ، والذي ألقاه بمناسبة الذكرى ال38 لانطلاق المسيرة الخضراء التي مكنت المغرب من استرداد المحافظاتالجنوبية ، واتهم فيه الجزائر من دون أن يسميها بالمسؤولية إزاء التعاطي غير المنصف مع المغرب ، من خلال تمويل بعض التنظيمات المعادية للمغرب في إشارة إلى منظمات حقوقية قال أنها تتخذ من بعض التصرفات المعزولة “,”ذريعةً للإساءة لصورة المغرب وتبخيس مكاسبه الحقوقية والتنموية“,” عبر تقارير “,”جاهزة“,” ، كما أكد العاهل المغربي في خطابه أن المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال “,”حقوق الإنسان“,” خاصة من طرف من ينتهكون حقوق الإنسان بطريقة “,” ممنهجة “,” في إشارة واضحة إلى الجارة الجزائر . وردا على ذلك أكد رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال، خلال الكلمة التي ألقاها أثناء اجتماعه بأعيان ولاية أدرار الجزائرية ، أن بلاده “,”لا تريد أن تعطي أي درس لأحد من الجيران وتريد فقط أن تعيش في هناء“,” وذلك تلميحا إلى تطورات الأزمة الدبلوماسية بين بلاده والمغرب . ورغم عودة السفير المغربي إلى الجزائر و اللقاء الودي الذي جمع بين وزيري خارجية الدولتين في العاصمة المالية “,”باماكو“,” خلال اجتماع وزاري من أجل إقامة أرضية للتنسيق بخصوص أعمال الاستراتيجية المندمجة للأمم المتحدة بمنطقة الساحل ، غير أن ذلك لم ينزع فتيل الأزمة التي تعيشها البلدان والتي يبدو أن حدتها تزداد يوما تلو الآخر، فالعاهل المغربي لم يرسل للرئيس بوتفليقة ولأول مرة منذ أن تولى الاثنان قيادة بلديهما عام 1999 برقية تهنئة بمناسبة ذكرى الفاتح من نوفمبر التي توافق العيد الوطني الجزائري ، رغم أنهما كانا يتبادلان البرقيات المطولة والحميمة حتى في أكثر اللحظات توترا، كما أن السفارة الجزائريةبالرباط ولأول مرة منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين 1988 تكتفي بأفراد الجالية الجزائرية بالمغرب للاحتفال بذكرى الثورة . ويتفق عدد كبير من المراقبين على أن التوتر أصبح هو العنوان الذي يخيم على العلاقات الجزائرية المغربية منذ سنوات طويلة ، فهناك العديد من القضايا الخلافية التي تعكر صفو العلاقات الثنائية تأتي على رأسها قضية النزاع على الصحراء الغربية التي تشكل حجر عثرة في طريق السلام بين البلدين . وقد خضعت الصحراء إلى سيطرة الحكم المغربي بعد انسحاب إسبانيا منها عام 1975 وبدأ النزاع مع الجزائر عندما قامت الأخيرة بمساندة “,”جبهة البوليساريو“,”، وهي حركة مستقلة تمثل الشعب الصحراوي الذي يسكن هذه المنطقة وتطالب بالاستقلال التام ودخلت في العديد من المواجهات مع السلطات المغربية ، وبينما يتمسك المغرب بمقترحه بإقامة حكم ذاتي موسع لسكان الإقليم تحت سيادته ، تدعو كل من الجزائر و“,”جبهة البوليساريو“,” إلى العودة إلى إجراء استفتاء يتيح لسكان الصحراء تقرير مصيرهم . وتوصل الموفد الدولي كريستوفر روس إلى المنطقة في آخر زيارة له إلى ضرورة إجراء مفاوضات سرية بين المغرب و“,”جبهة البوليساريو“,” ثم مع الجزائر وموريتانيا ، وذلك بعد تشكيل اتفاق مبدئي على دعم مسار المفاوضات . ويتفق الجميع على أن قضية الصحراء الغربية تعوق تحقيق أي تقارب بين البلدين ، فالتصريحات الرسمية المغربية توضح دوما أن “,”تدخل“,” الجزائر في نزاع الصحراء ودعمها للبوليساريو يعيق تطبيع العلاقات السياسية بين البلدين ، في حين ترى الجزائر أن دعمها لجبهة البوليساريو يتماشى مع مبادئها وقناعاتها الداعية إلى مساندة حق الشعوب في تقرير مصيرها . ومع التأكيد على أن العلاقات المغربية - الجزائرية لا تزال مرهونة بقضية الصحراء الغربية غير أن خلافات الدولتين الجارتين لم تعد تقتصر عليها ، فهناك أيضا ملف الحدود المغلقة رسميا منذ عام 1994 والتي تشكل عائقا رئيسيا أمام التكامل المغربي وعودة اتحاد المغرب العربي ، ويرى المراقبون أن التكلفة الاقتصادية لإغلاق الحدود بين الدولتين تعتبر باهظة وتمثل خسارة للناتج المحلي الإجمالي لكل من البلدين ، دون الحديث عن التكلفة الأمنية المتعلقة بمحاربة الهجرة وشبكات تهريب البشر والمخدرات ، بسبب غياب التعاون المباشر بين العاصمتين . إضافة إلى ذلك فإن هناك تباينا في مواقف كل من الجزائر والمغرب في التعاطي مع التحديات الأمنية والسياسية في منطقة الساحل جنوب الصحراء ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية قد انخرطت في حوار استراتيجي مع كل من المغرب والجزائر، بهدف مواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل جنوب الصحراء ، وكان من أهمها قضية مالي وتنظيم القاعدة في دول المغرب الإسلامي والملف السوري ، ولكن هذا يتطلب تعاونا إقليميا في المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا بتحسن العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر . وأجمع المراقبون على أن استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين لا يضر فقط طرفا دون طرف آخر وإنما يضر بالمنطقة بأجمعها ، معتبرين أن المغرب والجزائر، كبلدين لهما قوتهما في إقليم المغرب العربي ، قادران على ضبط إيقاع التوترات في المنطقة . أ ش أ