المحاكم الأمريكية ترفض دعاوى ضد الاعتداءات الجنسية على السجناء.. ولا عزاء ل«حقوق الإنسان» يحمل اسم «أبوغريب» فى الذاكرة العربية أقسى معانى الظلم الأمريكى والفضيحة التى كشفت عن وجه «الديمقراطية الآتية من بلاد العم سام» ضد الشعب العراقى إبان العدوان عليه واحتلال بلاده. فالسجن الذى تفجرت فضيحة الممارسات الجنسية التى تجرى فيه قبل نحو 12 عامًا، وشملت إجراءات التعذيب خلف أسواره ممارسات شاذة كاللواط والاغتصاب، مازال منهجًا رسميًا لواشنطن التى تتشدق بحريات الإنسان، ويحفل تاريخها بأفظع الجرائم. وقررت واشنطن مؤخرًا استنساخ «أبوغريب» فى سوريا، وقرر الجيش الأمريكى استخدام الشركتين «المشبوهتين» هناك، وفق لما أكده مركز جلوبال الكندي. وتعاقد سلاح البحرية بالجيش الامريكى الخدمات مع الشركة التى تم اتهامها بقوة لتورطها فى ممارسة عمليات التعذيب وتطوير الأدوات التكنولوجية التى تستخدم فى ذلك، فضلًا عن تورطها بشكل مباشر فى المهمات الاستخباراتية فى سجن أبو غريب، لتأدية الدور ذاته فى سوريا. والسؤال هنا هل ستسمح الحكومة السورية بدخول مقاولى الحرب الذين تتعاقد معهم الولاياتالمتحدة وحلفاؤها لممارسة الأنشطة التى تنتهك السيادة بذريعة محاربة الإرهاب؟ ويقول باحثون إن دخول الشركات المتورطة فى جرائم أبوغريب سيصب فى صالح تنظيم الدولة «داعش» حيث سيمثل ذلك ذريعة للإرهابيين لاكتساب التعاطف بواسطة التوسع فى كشف جرائم الأمريكان ضد السجناء. وبحسب المركز الكندى فإن العقد الموقع ما بين الجيش الأمريكى وشركة CACI سيستمر حتى 29 يونيو 2017، وسددت واشنطن حوالى 18 مليون دولار للشركة نظير خدماتها لمدة شهور فقط، الشركة أيضا لم يتم اتهامها فى 2004 من قبل 256 سجينًا عراقيًا بالمشاركة فى التعذيب الوحشى والإساءة الجنسية والجسدية والنفسية والصدمات الكهربائية والقتل وغيرها من الأعمال اللاإنسانية إلا أنها ساهمت أيضًا فى تصوير السجناء أثناء التعذيب والتلذذ بذلك. إعادة توظيف تلك الشركة سيئة السمعة من قبل قوات الولاياتالمتحدة فى سوريا سيكون ذا فائدة كبيرة لداعش، لأسباب أخرى أبرزها أن عددًا كبيرًا من الإرهابيين بالتنظيم اختبروا ذاك السجن، ما يطرح أسئلة عما إذا كانت الممارسات الأمريكية شكلت «مفرخة للإرهاب». كما عوقب أبومحمد الجولانى، وهو زعيم ما يعرف بتنظيم جبهة النصرة، فى السجن ذاته فترة. وبحسب التقرير الكندى فإن السجن يعود من جديد والشركة المسئولة عن عمليات التعذيب ربما تم التعاقد معها لمساعدة المعارضين لنظام الأسد ومنها التنظيمات الإرهابية هناك للتعامل الوحشى وبشكل أكثر حرفية. الغريب أن إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش حاولت تصوير الانتهاكات على أنها حوادث فردية، لا تدل على سياسة الولاياتالمتحدة العامة، ولكن بعد تحقيقات متعددة، تم التأكد من أنها لم تكن حوادث متفرقة، وكانت جزءًا من نمط أوسع نطاقًا من التعذيب والمعاملة الوحشية فى مراكز الاعتقال الأمريكية فى الخارج، بما فى ذلك تلك الموجودة فى العراق وأفغانستان وخليج جوانتانامو، بل وكانت هناك أدلة قوية على أن التفويض الممنوح للتعذيب يأتى من القيادات العليا فى التسلسل القيادى العسكري، حتى أن وزير الدفاع الأمريكى الأسبق دونالد رامسفيلد قد أمر ببعض الإجراءات الوحشية ما أدى إلى اتهامه بأنه مجرم حرب. شركة CACI متعددة الجنسيات موقعها الرئيسى فى أرلينجتون بولاية فيرجينيا وهى معروفة بتقديم خدماتها المثيرة للجدل للحكومة الأمريكية بما فى ذلك الدفاع والأمن الوطني، والاستخبارات ولديها أكثر من 20 ألف موظف حول العالم. وفى 9 يونيو 2004، رفع سجناء سابقون دعوى قضائية ضد شركات وكيانات شاركت فى التعذيب وجرائم الحرب فى المحكمة الاتحادية بواشنطن وكان من ضمنها شركة CACI الدولية للتكنولوجيا ومؤسسة تيتان اللتان استأجرتهما الإدارة الأمريكية لتنفيذ عمليات الاستجواب المهينة، لكن الدعاوى انتهت إلى تبرئة المجرمين. أيضا كانت هناك دعوى قضائية أخرى فى مايو 2008 أقامها أربعة سجناء سابقين، فى أربع محاكم بالولاياتالمتحدة ضد CACI، وكان منهم عماد الجنابى، والذى اتهم موظفيها بالاعتداء عليه جسديًا، وفى 19 مارس 2009، رفض قاضى المحكمة الجزئية الأمريكية جيرالد بروس أيضا الدعوى، وفى 11 سبتمبر 2009، قضت محكمة الاستئناف الأمريكية بأن CACI فعلت ذلك فى الواقع تحت أوامر من قيادة عسكرية أمريكية وبالتالى كانت الشركة المتعاقد معها تحت حصانة الحكومة، وفى يونيو 2013، تم رفض دعوى مقدمة من نوح فيلدمان وهو أستاذ فى كلية الحقوق بجامعة هارفارد. والمعروف أن سجن أبوالغريب العراقى يقع قرب المدينة التى يتسمى باسمها، على مسافة 32 كيلومترًا غربى العاصمة بغداد، واستخدمته قوات التحالف فى العراق بعد الغزو فى 2003. وأقيم السجن خمسينيات القرن العشرين على مساحة 1.15 كيلومتر مربع ليتكون من 24 أبراج أمنية. وأضاف الرئيس العراقى الراحل صدام حسين قبل الغزو بعام 6 أقسام فى عمليات توسعة للسجن، وبعد ذلك استولت عليه الإدارة الأمريكية. وظهرت الانتهاكات الأمريكية إلى النور مع التقارير التى نشرت فى أواخر عام 2003 من قبل منظمة العفو الدولية، وكان السجن يضم حوالى 7490 سجينًا حتى مارس 2004، ونقلت الولاياتالمتحدة السيطرة الكاملة على السجن إلى الحكومة العراقية فى عام 2006 وأمر العراق بإغلاقه فى عام 2014 تخوفًا من استفادة تنظيم داعش منه.