الإصلاح والنهضة يهاجم الحركة المدنية: تسير خلف "تريندات مأجورة"    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية الوادي الجديد والواحات .. صور    انفوجراف.. توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب    نقيب الفلاحين يحذر: سعر الثوم يصل ل 150 جنيها في تلك الحالة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    جيش الاحتلال الإسرائيلي: تنفيذ 50 غارة جوية على رفح    سنؤذيك.. أمريكا تهدد المدعي العام للجنائية الدولية    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قرار مفاجئ.. فرج عامر يعلق على لقطة طرد حسام حسن بمباراة الزمالك    بيزود الشك.. نجم الزمالك السابق يفتح النار على حكم مباراة سموحة    احتفالاً ب شم النسيم.. إقبال كبير على حديقة صنعاء في كفر الشيخ|صور    أثناء زفة عروسين .. إصابة 5 أشخاص بينهم 3 أشقاء فى حادث تصادم بقنا    فيفو تكشف موعد إطلاق هاتفها المميز Vivo X100 Ultra    تصريح خاص ل "صدى البلد" .. بلال صبري يعلن أسباب توقف فيلم نور الريس    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تبهر متابعيها في أحدث ظهور    محمد عدوية يشعل حفل أعياد الربيع في المنوفية    صالة التحرير ترصد معاناة سيدة من مرض سرطان العظام والصحة تستجيب    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    ثقافة الإسماعيلية تحتفل بأعياد الربيع على أنغام السمسمية    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    خاص| مستقبل وطن: ندين أي مواقف من شأنها تصعيد الموقف ضد الشعب الفلسطيني    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    غداً.. «التغيرات المناخية» بإعلام القاهرة    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    الأهلي يُعلن تفاصيل إصابة عمرو السولية    لسهرة شم النسيم 2024.. طريقة عمل كيكة البرتقال في المنزل    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    خالد الغندور: علي معلول ليس نجما في تونس.. وصنع تاريخا مع الأهلي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    ميدو يوجه رسالة إلى إدارة الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأوقاف" ترد على "دين السلفيين" بالضربة القاضية في "تصحيح المفاهيم"
نشر في البوابة يوم 22 - 07 - 2016

الإسلام يكفل حرية الاعتقاد.. والجماعات أساءت فهم «الحاكمية».. والشرع لا يمنع الاحتكام للقوانين الوضعية
الفتح لم يجبر أحدًا على الدخول في الإسلام.. و«الجهاد» في الدين هو درء الحرابة والاعتداء لا العدوان والحرب
لا يجوز تكفير المسلم مهما تكاثرت مؤيدات الحكم عليه بذلك.. وشيخ الأزهر: الخلافة ليست من أصول الدين
وزير الأوقاف: الخلافة في عصرنا الحاضر تعنى إقامة نظام حكم عادل له رئيس ومؤسسات
ابتدع منظرو التنظيمات الدينية غير الإسلام دينًا جديدًا، وذلك بفضل كثرة الفتاوى التي يبتغون بها مصلحة التنظيم قبل أن يقصدوا بها وجه الله تعالى، وبمرور الوقت تراكمت تلك الفتاوى والتفسيرات المغلوطة حتى أفسدت على الناس دينهم وحياتهم، فبات القتل جهادا، وأصبح التكفير لبانة تلوكها الأفواه بسهولة شديدة، وفسرت الحاكمية على خلاف حقيقتها، وانقلب الباطل حقا وسادت قيم رخيصة تتعارض مع أبسط قواعد العقل والمنطق، والأهم أنها تتعارض مع جوهر الأديان، وأصبح تصحيح تلك المفاهيم واجبا حتميا في ظل الدعوات المتكررة إلى تجديد الخطاب الديني.
بدورها تصدت وزارة الأوقاف للمسألة وأصدرت مؤخرا كتاب «مفاهيم يجب أن تصحح» وهو يعتبر الجزء الثانى في سلسلة الكتب التي تصدرها الوزارة، في سياق سعيها نحو تجديد الخطاب الدينى، وأعد هذه السلسلة عدد من علماء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وذلك بعد نجاح الجزء الأول الذي صدر في رمضان الماضى بعنوان «حماية الكنائس في الإسلام» وتمت ترجمته إلى عدد من اللغات الأجنبية.
يفند الكتاب المفاهيم التي تعتمد عليها الجماعات الإرهابية المتطرفة لتبرير أعمال القتل والعمليات الإرهابية في جميع الدول لإثارة الفزع في قلوب المواطنين الآمنين، ويؤكد الكتاب في مقدمته أن الإسلام دين يكفل حرية الاعتقاد ف «لا إكراه في الدين»، وأنه يساوى بين الناس في المواطنة والحقوق والواجبات على اختلاف معتقداتهم دون تمييز، وأن عماده العدل والرحمة وصيانة القيم والدفاع عنها وقبول التنوع واعتباره سر الكون، مؤكدا أن الإسلام برىء مما يرتكبه بعض المنتسبين إليه من التكفير وترتيب بعض الأفعال الإجرامية عليه من ذبح وحرق وتمثيل بالبشر وتدمير وتخريب، إذ هو افتئات على حق الله المتفرد بالعلم بما في قلوب عباده، كما أنه افتئات على حق ولى الأمر، مشيرا إلى أنه لا يصح أن يحتج على الإسلام بأخطاء بعض المنتسبين إليه ولا بسوء فهمهم له أو انحرافهم عن منهجه.
الكتاب الذي أعده الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية والدكتور محمد سالم أبو عاصى عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف، تضمن تأكيدا على أنه على جميع أتباع الديانات النظر إلى الأديان الأخرى بمعيار موضوعى واحد، وأن توظيف بعض المنتسبين للإسلام لأغراض نفعية أو سلطوية إساءة إليه وإجرام في حقه.
في خطورة التكفير
فسر المؤلفان عددا من المفاهيم المغلوطة التي تستخدمها التيارات التكفيرية والمتشددة والتي سنتناولها في تلك الحلقة، وهى توضيح مفهوم التكفير والخلافة، وتفسير معنى الحاكمية، وشرح معانى الجهاد. ونبدأ أولا بمفهوم «التكفير» موضحين أنه الحكم على الإنسان المسلم بالكفر وأن الحكم بالكفر على مسلم هو أمر جد خطير تترتب عليه آثار دنيوية منها التفريق بين الزوجين وعدم بقاء الأولاد تحت سلطان أبيهم، وفقد حق الولاية والنصرة على المجتمع المسلم ومحاكمته أمام القضاء الإسلامى، وعدم إرجاء أحكام المسلمين عليه فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يورث ولا يرث، وأما الآثار الأخروية إذا مات على كفره فإنه يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته والخلود الأبدى في نار جهنم.
ولخطورة التكفير وآثاره كبيرة على المجتمع، فقد نهى الإسلام عن التعجل به أو إقراره إلا بعد التأكد من أسبابه دون أدنى شبهة، فلئن يخطئ الإنسان في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ومرده في الأمر إلى الله.
والقرآن الكريم نعى على الصحابى الجليل أسامة بن زيد رضى الله عنه قتله الرجل الذي ألقى إليه السلام وأمره وأمرنا جميعا بالتبين في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ»، كما حذر النبى «ص» من التكفير أشد التحذير فقال «إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما»، وقد أدرك العلماء خطورة الحكم بالكفر فتورعوا عن المسارعة إلى القول به إلا بدليل ساطع وبرهان واضح لا مدافع له، إذ الشهادة بالكفر على المسلم من أعظم الزور والظلم والبهتان.
وهكذا ينبغى ألا نسارع بتكفير أحد وإذا كانت بعض الفرق تكفر مخالفيها فنحن لا نفكرهم إلا إذا استحلوا دماء الناس وأموالهم وأعراضهم بغير حق، فقال الشوكانى رحمه الله: «اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغى لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار».
ومن الأصول المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الحكم على المسلم بالكفر مهما تكاثرت مؤيدات الحكم عليه بذلك ما دام احتمال واحد لبقائه على الإسلام موجودا، لكن الفكر التكفيرى يعكس هذا الحكم فيذهب إلى أنه لا يجوز الحكم على المسلم بالإسلام مهما تكاثرت مؤيدات الحكم بإسلامه ما دام احتمال واحد لتحوله إلى الكفر موجودا، ومما سبق نستنتج أن التكفير حكم شرعى لا يصدر إلا عن أدلة شرعية قاطعة ومن ثم فإن مرده إلى أحكام الشريعة وفقه نصوصها، ولا يجوز في ذلك كله الخوض بلا علم ولا برهان من الله ومن هنا فإنه لا يجوز لواعظ أو عالم أو جماعة أيًا كانت أن تحكم على الناس بالكفر وإنما يكون ذلك لحكم القاضى أو المفتى لما لهما من علم بالأحكام الشرعية والإجراءات القضائية.
هل الخلافة من الإسلام في شيء
أيضا من المفاهيم المغلوطة التي قام الكتاب بسردها وتصحيحها نظام الحكم والمتاجرة بقضية الخلافة، موضحا أن الإسلام لم يضع قالبا جامدا صامتا محددا لنظام الحكم لا يمكن الخروج عنه، وإنما وضع أسسا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدا يقره الإسلام، وتحت هذا العنوان تتداعى تفاصيل كثيرة تهدف في مجملها إلى تحقيق العدل بكل ألوانه السياسية والاجتماعية والقضائية بين البشر جميعا وعدم التمييز بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو العرق، ولا إكراه في الدين قال تعالى على لسان نبيه محمد «ص» في مخاطبة كفار مكة «لكم دينكم ولى دين»، فكل حكم يعمل على تحقيق ذلك ويسعى إلى توفير الحاجات الأساسية للمجتمع من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وبنى تحتية من صحة وتعليم وطرق ونحو ذلك مما لا تقوم حياة البلاد والعباد إلا به فإنه يعد حكمًا رشيدًا سديدًا موفقًا مرضيًا عند الله وعند الناس إلا من حاقد أو حاسد أو مكابر أو معاند أو خائن أو عميل.
ويؤكد أهل العلم والرأى والفكر أن الله عز وجل ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة، أما من يتخذون من قضية الخلافة وسيلة للمتاجرة بالدين واللعب بعواطف العامة محتجين ببعض النصوص التي يسقطونها إسقاطا خاطئا دون أي دراية بفقه الواقع أو تحقيق المناط من جهة، ويجعلونها أصل الأصول الذي عليه مناط الإيمان والكفر من جهة أخرى، فإننا نرد عليهم بما أكد عليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر في كلمته التي ألقاها في مؤتمر «الأزهر في مواجهة الإرهاب والتطرف» من أنه لا نزاع بين أهل العلم المعتبرين أن الخلافة أليق بالفروع وأقرب لها، ومذهب الأشاعرة على أنها فرع لا أصل، وذكر فضيلته ما ورد في كتاب شرح المواقف الذي يعد أحد أعمدة كتب المذهب الأشعرى حيث ذكر مؤلفه في شأن الإمامة أنها ليست من أصول الديانات والعقائد عندنا بل هي فرع من الفروع، متسائلا «كيف صارت هذه المسألة التي ليست من أصول الدين عند أهل السنة والجماعة فاصلا عند هذا الشباب بين الكفر والإيمان وفتنة سفكت فيها الدماء وخرّب العمران وشوّهت بها صورة الدين الحنيف؟».
ويؤكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن جملة الأحاديث النبوية التي تتحدث عن الخلافة والبيعة يمكن أن تحمل في جملتها في ضوء معطيات عصرنا الحاضر على ضرورة إقامة نظام حكم عادل رشيد له رئيس ومؤسسات، يعمل على تحقيق العدل بين الناس وتحقيق مصالح البلاد والعباد ويستند إلى الشورى والإفادة من الكفاءات وأهل الخبرة والاختصاص بحيث لا يترك الناس فوضى لا سراة لهم، ولا إشكال بعد ذلك في الأسماء والمسميات طالما أنها تحقق الأهداف والغايات التي يسعى الإسلام لتحقيقها بين الناس جميعا بما يحقق صالح دينهم ودنياهم.
هل يختار الله حكامنا
من المفاهيم المغلوطة التي حرص الكتاب على توضيحها مفهوم «الحاكمية»، حيث أكد أنها الالتزام بما نزّل من شرع الله وهذا لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية وفقا لتغير الزمان والمكان، ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفا لشرع الله ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفراد والمجتمعات.
وبيان ذلك أن فكرة الحاكمية أساءت فهمها تلك الجماعات التكفيرية الإرهابية حيث أدخلوا في مضمونها ما لم يُرده الشرع الإسلامى الشريف، فالحاكمية تطلق بالمعنى التشريعى ومعناها أن الله سبحانه هو المشرع لخلقه أي هو الذي يأمرهم وينهاهم ويحل لهم ويحرم عليهم من خلال تكاليفه الشرعية، هذه هي الحاكمية، لا تعنى أن الله عز وجل هو الذي يولى الخلفاء والأمراء يحكمون باسمه، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة فهى التي تختار حكامها وهى التي تحاسبهم وتعاقبهم فليس معنى الحاكمية الدعوة إلى دولة ديمقراطية.
والحاكمية التشريعية إذًا هي التي يجب أن تكون لله وحده وليس لأحد من خلقه، فهذه هي الحاكمية العليا وهذه لا تنفى أن يكون للبشر قدر من التشريع أذن به الله عز وجل لهم وذلك في دائرة ما لا نص فيه أصلا وهو كثير وهو المسكوت عنه والذي جاء فيه الحديث «وما سكت عنه فهو عفو»، ومثل ذلك أيضا ما نص فيه على المبادئ والقواعد العامة دون الأحكام الجزئية والتفصيلية ومن ثم يستطيع الناس أن يشرعوا لأنفسهم بإذن من دينهم في مجالات كثيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مقيدين إلا بمقاصد الشريعة الكلية وقواعدها العامة، وكلها تراعى جلب المصالح ودرء المفاسد ورعاية حاجات الناس أفرادًا وجماعات.
وقضية تكفير الحكام استنادا إلى قوله تعالى «ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون» قضية ملغوطة فإن كل من حكم بغير شرع الله عز وجل في داره التي هو قيّم على أهله فيها أو في مجتمعه الذي هو حاكم فيه أو في مؤسسته التي هو مدير لها فهو كافر مرتد يستحق القتل في مذهب هذا الفكر المنحرف، ولا جدوى من احتمال أنهم إنما حكموا بغير شرع الله تساهلا منهم أو كسلا أو بسبب ركونهم إلى شهوة متغلبة أو مصلحة دنيوية قاهرة أو بسبب إكراه من الظروف العالمية المحيطة بهم مع يقينهم بأنهم آثمون في جنوحهم عن الحكم بما انزل الله، ومظهر الغلو في هذا يتجلى في تجاهل الفرق بين المعصية السلوكية التي لا تجر إلى أكثر من الفسق والمعصية الاعتقادية التي تزج بصاحبها في الكفر، ومن أصول أهل السنة أن المعاصى تفسق ولا تكفر، كما يتجلى الغلو أيضا في التوجه بالحكم الجماعى على الملتبسين بهذه المعصية دون تفصيل ولا تفريق ودون تقدير للحالات الخاصة والأوضاع الفردية، ومذاهب العلماء مبنية على التفرقة بين النوع والمعين في قضية التكفير.
مما سبق نستنتج أن الالتزام بشرع الله عز وجل لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية وفقا لتغير الزمان والمكان، ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفا لشرع الله ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفراد والمجتمعات.
أخطاء في فهم الجهاد
من المفاهيم التي صححها كتاب «مفاهيم يجب أن تصحح» مفهوم «الجهاد»، حيث اتفق المجتهدون فيه على أنه رد العدوان عن الدولة بما يماثله دون تجاوز أو شطط ولا مجال للاعتداء ولا حق للأفراد في إعلانه إنما هو حق لرئيس الدولة والجهات المختصة بذلك وفق القانون والدستور.
وبيان ذلك أن الجهاد هو بذل الجهد بأشكاله المختلفة والمتنوعة لإعلاء كلمة الله ولنشر الدين الصحيح بين الناس، والجهاد في الإسلام شجرة جذعها الحوار والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لتوصيل حقيقة الإسلام الصحيح إلى العقول، أما الجهاد القتالى فإنه متفرع عن الجهاد الدعوى تفرع الأغصان من الشجرة، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان المكية «فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا»، والضمير في قوله «به» أي بالقرآن فهو أمر صريح للنبى صلى الله عليه وسلم بالجهاد الدعوى للكفار حال كونه في مكة قبل أن يشرع القتال.
وفى سورة النحل المكية أيضا « ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ»، إذًا القرآن المكى تضمن كلمة «الجهاد» والمراد بها جهاد النفس بما فيه من الصبر على الدعوة وتحمل الأذى في سبيلها.
وبعد هجرة النبى «ص» إلى المدينة وجدت الدولة الإسلامية بمقوماتها «الدستور والأرض والشعب» ومن ثم شرع الجهاد في المدينة لدفع العدوان والدفاع عن حمى الدولة والوطن وهذا أمر تقره الأعراف والقوانين الدولية.
ومن الخطأ أن يتصور كثير من الناس أن العلة في عدم مشروعية الجهاد القتالى في مكة الضعف، وليس كذلك بل السبب في عدم مشروعية الجهاد في العهد المكى ومشروعيته في العهد المدنى أن المسلمين في مكة لم يكن هناك شىء يقاتلون من دونه ومن هنا لا يوجد في الإسلام جهاد قتالى لإكراه الناس على الدخول فيه قال تعالى «لا إكراه في الدين» و«لا» نافية كما يقول أهل اللغة، أي لا يتأتى الإكراه في الدين لأن الدينونة لا تكون إلا في القلب، فإن قيل لماذا شُرع الجهاد القتالى في الإسلام إذًا؟ قلنا لدرء الحرابة لا لإزالة الكفر فكل من يحارب المسلمين أو يعتدى على ديارهم وأوطانهم أو على أنفسهم هو الذي نحاربه ونرد عدوانه عنا، ومشروعية الجهاد لا تعنى أن أصل الجهاد وهو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة قد ولّى وانتهى بل كانت الدعوة إلى الله ولا تزال هي المفتاح الدائم للأنواع الأخرى من الجهاد، والفرق بين الجهاد الدعوى والقتالى أن الأول من أحكام التبليغ فالدعوة تتسع وتضيق حسب ثقافة الداعية وضمن قاعدة «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها».
أما الجهاد القتالى فهو من أحكام السياسة الشرعية، والقاعدة في باب الجهاد أن الجهاد الدعوى كان ولا يزال حوارا وإقناعا وليس إرغاما وإكراها، والجهاد القتالى إنما يكون درءًا للحرابة والاعتداء لا عدوانا وحربا، وفسر الكتاب حديث النبى «ص»: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله»، فالحديث هنا فرّق في لغة العرب بين «أقتل» و«أقاتل» فالقتل غير القتال.
«فأقتل» تعنى ملاحقة الناس في عقر دارهم حتى يدخلوا في الإسلام قسرًا، أما «أقاتل» فعلى وزن «أفاعل» وهى صيغة تقتضى المشاركة ومعناه أواجه عدوان الناس بالمثل، وقد نقل الإمام البيهقى عن الإمام الشافعى قال «ليس القتل من القتال بسبيل فقد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله».
وذكر أن الرسول «ص» لا توجد غزوة في حياته بدأها بالقتال، والسؤال هنا: هل أجبر الفتح الإسلامى أحدًا من المصريين أو الشوام على الدخول في الإسلام؟، والجواب: لا، إذ لو كان الأمر كذلك ما بقى في البلاد التي فتحها المسلمون أحد من غير المسلمين، بل عندما كان المسلمون يفتحون البلاد لم يجبروا أحدًا من أهلها على الدخول في الإسلام، إذ الأصل في الشريعة الإسلامية التعايش مع الآخر في تفاهم وتعاون ووئام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.